الإسكندرية عروس البحر المتوسط التى يعانق فيها جمال الطبيعة عظمة الحضارة، تعتبر وجهة محببة لمعظم المصريين طيلة أيام الصيف، نسمات الهواء البارد فى الصباح الباكر والمساء، رائحة البحر وتلاطم أمواجه،الافق الممتد فى البحر والسماء، السير على الكورنيش، كلها مشاهد تهفو اليها قلوب عاشقي المدينة المقدونية الساحرة، كانت الشوارع والاماكن تنطق فى سنوات خلت بكل ماهو جميل، بداية من محطات القطار وانتهاءً بالشوارع الجانبية، وكان المشهد ككل يخلق صورة ذهنية علقت فى الاذهان عن الجمال والرقي والنظافة ممزوجة بعبق التاريخ. منذ أيام زرت الاسكندرية زيارة سريعة لحضور مناسبة اجتماعية، والحقيقة على الرغم من اننى لم أمض هناك سوى يوم واحد إلا إنني حزنت أشد الحزن على ما آل اليه الوضع فى المدينة المحبوبة، فى محطة القطارات بسيدي جابر، كانت العشوائية والفوضي هى العنوان الأبرز، فأرصفة المحطة قديمة ومتهالكة ومظلمة فى عز النهار، والمقاعد المخصصة للانتظار لا تكفي عشرة أفراد فقط، وعلى الرغم من بناء مول تجاري فى الطابق العلوي للمحطة الا أن ذلك لم يسهم فى تطوير المحطة ذاتها، فظهر الفرق واضحا بين ما هو حديث وما هو قديم ومتهالك. تاكسي الاسكندرية الذى كان يميزه لوناه الأصفر والأسود،أصبح قديما ومتهالكا، كما أن سائقيه يمارسون نفس الالحاح المزعج على القادمين الى محطة القطار، وهو نفس ما يحدث فى محطة مصر، فى مشهد كفيل بتطفيش اى سائح عربي أو أجنبي. على كورنيش البحر لم تعد تلك الحالة من التطوير والتجميل المستمر موجودة، ولكن السور الحجري للكورنيش تساقطت بعض قطعه، وبدا وكأنه بنيان مهدم، كما ان أرضية الأرصفة تعكس حالة من الاهمال والفوضي،فى الشوارع الجانبية فى منطقة بحري انتشرت أكوام القمامة ذات الرائحة الكريهة وقد تناثرت فضلات الطعام على الرصيف، وهو مشهد وإن كنا اعتدناه فى القاهرة إلا أنه غريب على الاسكندرية التى كانت مثالا فى النظافة والجمال . فى شهر اغسطس فى سنوات سابقة كنت لا تجد مكانا فى مقهي على الكورنيش، ولكن هذه المرة وفى ساعات ذروة خروج المصطافين للتنزه والسهر،كانت الاعداد لا تقارن بمثيلتها من قبل، ويبدو أن تدني الخدمات وقلة الشواطئ قد أسهم بشكل كبير فى الهروب الى الساحل الشمالي وهجر الاسكندرية. السيد المحافظ الذى اتهم وزير الادارة المحلية بالفساد، مطلوب منه أن ينظر بعين الاهتمام لعاصمة مصر الثانية، فلا يصح بأى حال أن نترك مدنا حباها الله سبحانه وتعالي بطبيعة خلابة وجو جاذب أن تترك فريسة لإهمال صغار موظفي المحليات الذين عبثوا حتى فى المباني التى أصبحت كما لو كانت كتلا خرسانية متراصة فى بعض الاماكن، واختفت وتوارت الطرز المعمارية الفريدة لصالح القبح ولتشويه الوجه الحضاري. الاسكندرية درة تاج المدن تحتاج من مسئولينا معاملة خاصة، فهي سفيرنا الى الجمال والتحضر والرقي، نباهي بها الامم.. فلا تخذلوها ولا تخذلونا....