تدفع الأقصر ثمنا باهظا لجرائم الإرهاب, لكن ليس الإرهاب فقط هو من يعاقب الأقصر, فالإهمال يشارك الإرهاب ضرباته حالة من الأسي والحزن تخيم علي مدينة الأقصر, نظرة واحدة إلي القمامة التي تملأ شوارعها تكفي لأن تعرف ما تعانيه هذه المدينة الأعرق في العالم فلا يمكن لسائح أجنبي أن يتحمل رائحة القاذورات التي تفوح من تلال القمامة, هل هذا جزاء الأقصر التي تحتضن أكثر من ثلث آثار العالم والجديرة بأن يزورها ملايين السواح سنويا, بدلا من حالة الكساد التي أغلقت البازارات, وألقت بالمرشدين علي المقاهي, وأغرقت سكانها في المزيد من الفقر! نعم تدفع الأقصر ثمنا باهظا لجرائم الإرهاب, مثل كل المدن التي تعيش علي السياحة, لكن ليس الإرهاب فقط هو من يعاقب الأقصر, فالإهمال يشارك الإرهاب ضرباته, ويضع بصماته السوداء واضحة في كل مكان. كنت قد قررت الذهاب إلي الأقصر في القطار المميز, والذي يقترب ثمن تذكرته من الطائرة, ويحمل اسم في آي بي أي قطار الصفوة, لكن ما إن تدخل القطار حتي تدرك أن ثمن التذكرة هو الشيء الوحيد المميز, فالباعة الجائلون يعيثون في القطار الفاخر, وأجهزة التكييف لا تكاد تعمل, والرحلة تستغرق12 ساعة, بينما يقطعها الأتوبيس الخاص المميز والأرخص في8 ساعات, فإذا كان هذا وضع أغلي قطارات الصفوة, فما حال القطارات العادية, التي تحولت إلي وسيلة تعذيب لأهلنا في الصعيد, وصل بها الإهمال إلي وجود فئران وكل أنواع الحشرات, ولا يمكن أن نلقي كل هذا علي الإرهاب. وعندما تنزل محطة القطار تجدهم قد حطموا الأرصفة القديمة, ثم تركوا الركام متناثرا منذ أسابيع, وعندما أسأل عن السبب أجد أنهم ينوون استبدال أخري جديدة بها, واختاروا ذروة الموسم لهذا التجديد, ثم تراخوا في الانتهاء منه, وتركوا أكوام الرصيف المهدم علي حاله, بما يؤكد انعدام أي رؤية أو تخطيط, مع تراخ شديد في إنجاز أي شيء بسيط مثل رصيف محطة القطارات. تستقبل مدينة تشينزين الصينية15 مليون سائح بعد أن شيدت أهرامات مقلدة, فذهب السائح إليها بدلا من أهرامات الجيزة, لأنها تقدم خدمات متميزة للسائح, ولا توجد مضايقات من المتسولين أو المستغلين, وكل شيء في منتهي النظافة, ويلقي السائح كل الاحترام والتقدير. لقد صدمني التقرير المصور لرحالة مصري علي فيس بوك عن المدينةالصينية, وكيف يهتم الصينيون بأهراماتهم المقلدة, بينما نترك حجارة أهراماتنا عرضة للبيع والإهمال. قبل أن نلوم الصينيين علي أنهم يقلدون آثارنا, ويجذبون بها السياح, علينا أن نلوم أنفسنا عن مدي الإهمال لآثارنا وحضارتنا, فالمؤكد أن السائح يريد مشاهدة الآثار الحقيقية بعمرها المديد, لكنه يهرب من سوء المعاملة والإهمال, ليذهب لمشاهدة آثارنا المقلدة في الصين, فليس فيها قطارات تعذيب, بل قطارات فائقة السرعة والنظافة والجمال, وبسعر يقل كثيرا عنا, وبالتأكيد يربحون الكثير, بينما نحن نغالي في الاستغلال ومعه الإهمال فنخسر حتي السياحة وما ورثناه من أجدادنا الفراعنة, نبدده بكل قسوة. كانت الأقصر ومعها كل مدن الصعيد تحلم ببعض الاهتمام, خاصة مرفق السكة الحديد, الذي يعد الشريان الرئيسي للتنقل في كل الصعيد, وأن تتحسن الخدمات ليجد السائح مكانا لائقا, بما ينعش الاقتصاد, الذي سيمتد إلي كل القطاعات, وهذا المطلب سهل التحقيق, ولا يحتاج سوي القليل من الضمير المتيقظ, والفهم الجيد لمتطلبات دور المسئول ومتابعته ومعاقبته عندما يهمل أو يقصر في دوره, لكن هذا غائب تماما, فلا ضمير ولا كفاءة, لنجني الفشل والتردي, وتبقي الأقصر وكل مدن الصعيد, وكل أنحاء مصر تدفع أثمانا كبيرة لهذا الإهمال.