الأقصر هشام الصافورى في المرحلة الجامعية، ومنذ أكثر من عشرين عاما، كانت رحلتي الأولي إلي صعيد مصر، ذهبت إلي هناك محملا بشوق العاشقين، متيما بقصص وحكايات قرأتها في كتب التاريخ عن الملكة حتشبسوت وتوت عنخ آمون ورمسيس الثاني وتحتمس وأمنحتب وآمون رب طيبة، ومعبد الأقصر والكرنك وفيله وأبو سمبل ووادي الملوك والملكات. وفي أول لقاء يجمعنا، وجدت درة مصر وتاجها في أبهي صورها، كعروس تجملت ليوم الزفاف، رأيتها لأول مرة كزاهدة عابدة في محراب التوحيد بين المعابد وعلى الجدران في انتظار مريديها وعاشقيها. لكن كان هناك علي الجانب الآخر جزء مظلم لم نره جيدا في نشوة الانبهار بحضارة مصر الفرعونية التي سطرها الأجداد علي أرض المحروسة. بعد كل هذا الزمن الذي قارب الربع قرن علي زيارتي الأولي لعروس مصر، ذهبت فوجدت الجانب المظلم كما هو بل ربما ازداد سوءا ، لكني أيضا وجدت العروس قد ترملت، والزاهدة العابدة قد هجرها العشاق والمريدين، مسحة حزن ودمعة ساخنة علي وجه الجميلة الفاتنة تحكي لك ما آل إليه حال العروس، وكما يقول محمود الجرجاوي من سكان مدينة الأقصر، إن حالة الجدل الصاخبة حول السرقات الأثرية التي تتعرض لها كنوزنا الأثرية في الأقصر وتثير تساؤلات حول سبل ردع للراغبين في الثراء وحماية التراث المصري من السقوط في أيديهم وتمكينهم من المتاجرة فيه بثمن بخس لا تنقطع، وكذلك حالة الإهمال في عدة مناطق أثرية بمدينة الأقصر لا تنتهي، حيث تحول بعضها إلى إصطبلات للحيوانات، وأخرى تحولت إلى مقالب للقمامة بمناطق الكرنك وأبوالجود وأرمنت، وخلف معابد الكرنك من ناحية طريق الكباش، مضيفا أن أساليب التأمين البدائية التي تعتمد على خفراء الآثار غير المؤهلين لحماية المعابد الأثرية، خصوصا معبدين كبيرين مثل معبدي الأقصر والكرنك، بالإضافة إلى المعابد الموجودة في القرى ونجوع الأقصر، لم تعد تجدي. وحذر الجرجاوي من حالة الإهمال التى يتعرض لها معبد الطود الأثرى - جنوبالمدينة - الذى يرجع تاريخه إلى أوائل الأسرة الخامسة فى مصر الفرعونية، مؤكدا تدهور حالة المعبد وحاجته لترميم عاجل بجانب تقوية أسواره وتبليط أرضياته. وطالب بإعادة فتح بوابات المعبد الأصلية ورصف الطريق المؤدى له، وإعداده للزيارة، ووضعه على الخريطة السياحية للأقصر. لكن الحاج نجم الدين مدني، الغفير بمعبد الكرنك، والذي نحت الدهر في وجهه قسمات تشبه الي حد بعيد ملامح المصري القديم، فيقول متفائلا: الحال أفضل من الأول بكثير، والعرب والأجانب بدأوا يتوافدون علي الأقصر والأماكن الأثرية، داعيا الله أن يهدي الحال في البلد عشان السياحة تستقر. مشيدا في ذات الوقت بالإنجاز الذي تحقق بعمل كوبري فوق طريق الكباش لتمهيد الطريق بين معبدي الأقصر والكرنك، لجذب السياح. وعاد الحاج نجم الدين ليطالب الحكومة بعمل صرف صحي بمنطقة سكنة بنجع الترعة، لأن البيارات تمتلئ وتغرق الشوارع، ومسئولى الري يررون لهم محاضر وغرامات، وهم فقراء ولا يتحملون. وبطيبة الصعيدي الأصيل، قال الحاج نجم الدين تعليقاً علي سؤالي له عن علاقة السياسة وما يحدث في البلد بما آلت اليه حال السياحة: يا بيه إحنا مالناش في السياسة، أهم حاجه عندنا نأكل ونشرب، وإحنا بنقول ربنا يخلي لنا السيسي لأنه وفر لنا الأكل والبطاطس والطماطم، وكل شىء. تركت الحاج نجم الدين وذهبت إلى شاب يتناول مشروب التمر هندي من أحد البائعين الجائلين أمام معبد الكرنك، اقتربت منه وسألته: السياحة أخبارها إيه؟ فرد قائلا: هو حضرتك صحفي؟ فقلت له نعم، فسارع قائلا: أنا اسمي محمد منصور فتحي من شارع التليفزيون بالأقصر، وأنا طالب بمعهد الأكاديمية السويسرية بالغردقة، وأنا غاوي تمثيل، وسافرت إلي القاهرة للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، لكن كل شيء هناك يتم بالواسطة، وأنا معنديش واسطة ورفضوني. فكررت عليه السؤال: بس كلمنى الأول عن السياحة؟ فأجاب السياحة بدأت ترجع بشكل تدريجي، والحكومة تؤمن الأفواج السياحية كويس، بس فيه بطالة بين الشباب ومفيش شغل، فتدخل بائع التمر هندي في الحوار وقال: أنا اسمي شادي عبد الحفيظ من شارع المدينةالمنورة، وعاوز أوصل صوتي للمسئولين، لأن الشرطة هنا بطاردنا وإحنا عاوزين نأكل عيش، فياريت يوفروا لنا أكشاك نبيع فيها، عشان يبقي شكلنا حضاري، لأن إحنا ما عندناش وظيفة، وتقدمنا للمحافظة عشان يعملوا لنا أكشاك بس رفضوا، لأن كل حاجة عندنا هنا بالواسطة، وإحنا ناس غلابة، ومعظم السياح هنا من المصريين، والأجانب والعرب قليلين، والأسعار غالية ومحدش بيشتري حاجة. وقال بائع التمر: الأقصر فيها ثلث آثار العالم ورغم كده مش موجودة علي خريطة السياحة العالمية، بسبب غياب الأمن، ومافيش نظافة، والإعلام بيخوف السياح ينزلوا مصر، لأنهم ليل ونهار يتكلموا عن الإرهاب، وبيخوفوا الناس، ويوم 28 اللي فات خوفوا الناس تنزل الشارع وفي الآخر محصلش حاجه ، طيب السائح هايجي إزاي؟ ولما هممت بالانصراف، نظر إلي محمد منصور الذي يهوي التمثيل، قائلا: ما تنساش تشوف لي واسطة عشان أنا نفسي أمثل، تركته وليست عندي إجابة، وتوجهت لأستقل إحدي المراكب للذهاب إلي البر الغربي بالأقصر، حيث معبد حتشبسوت ووادي الملوك، فقابلت أحمد محمد السيد، مراكبي، والذي اشتكي أيضا من البطالة والحال الواقف من ساعة الثورة، فسألته عن السياحة وتأثرها بالمظاهرات والإرهاب؟ فقال لي: الأقصر ما فيهاش مظاهرات ولا فيها إرهاب، بس السياح خايفين ييجوا من اللي بيسمعوه في التليفزيون، الإعلام هو اللي صنع عفريت الإرهاب، وإحنا لو نعرف إرهابي هنا هانسلمه فورا، وآدي أنت شايف الحال، أجرة النفر في المركب خمسين قرش ومع ذلك مش لاقيين ركاب، لأن الحال نايم ، وأضاف "المراكبي" عاوزين نرجع زي زمان، والحكومة اتكلمت عن الشباب وتوفير فرص العمل ومافيش حاجة حصلت، ومركزين في بحري وناسيين جنوب الصعيد خالص. وقبل أن تكتمل رحلتي إلي غرب الأقصر اقترب مني مراكبي آخر يدعي بدوي جلال، وقال: تراخيص المراكب واللانشات متوقفة تماما، ومحدش من المسئولين بيرد علينا، والحكومة اخدت المراسي الخاصة بينا وأعطوها للعبارات النهرية، وأصحاب اللانشات والمراكب مش لاقيين مراسي، ومش لاقيين شغل، وبيعملوا لنا محاضر وغرامات، وطالب بدوي بعمل مكتب للملاحة النهرية بالأقصر، لأن هناك مكتبا في القاهرة ومكتبا في أسوان فقط، وبنضطر نسافر كتير لأن معندناش مكتب. وفي طريق العودة تقابلت مع عمر فوزي المنسق بجمعية الأورمان وأحد أبناء محافظة قنا، والذي أكد علي ضرورة محاكمة مبارك ورجاله في قضايا الفساد السياسي، مشيرا إلي ضرورة إلغاء قانون التظاهر، والعمل علي مصالحة شاملة بين كل أبناء الوطن، حتي يعم الاستقرار وتعود الطمأنينة وتنتعش السياحة. وأبدي فوزي تخوفه من عودة الصراعات القبلية في الصعيد بسبب قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، خصوصا بين قبائل الهوارة والعرب، بسبب اتساع الدوائر الانتخابية، خصوصا في الدوائر الفردية. وطالب فوزي الحكومة بتوفير منطقة صناعية في الصعيد لتشغيل الشباب، وتوفير القروض للمشروعات الصغيرة، بضمانات بسيطة، لأن الضمانات الحالية تكاد تكون مستحيلة التحقيق. وأشار إلي ضرورة تفعيل الأجهزة الطبية بالمستشفي الجامعي بقنا، حيث إنهم يضطرون للسفر إلي أسيوط في بعض الحالات الحرجة، وضرورة الانتهاء من كوبري المعنا العلوي بالمحافظة، وإصلاح الطريق الصحراوي الشرقي الواصل بين الأقصروأسيوط وتغييره إلي حارتين بدلا من حارة واحدة، والذي يتسبب يوميا في كثير من الحوادث. أما عيسي محمد حسن والموظف بإحدي شركات البترول والمقيم في إسنا بمحافظة الأقصر، فحدثنا عن خط الغاز الطبيعي الذي يمر بالطريق الصحراوي، ولا يخدم إسنا، وضواحيها، مشيرا إلي نقص كمية السولار المخصصة للمحافظة. وقال عيسي: إن مشروع إقامة مساكن اقتصادية للشباب في الظهير الصحراوي لم يفعل حتي الآن، مضيفا أن إهمال المناطق الأثرية كان سبباً رئيسيا في عزوف السياح، وأنهم يحتاجون شخص ذو كفاءة لإعادة المنظومة السياحية كما كانت، وأن ظاهرة انتشار الباعة الجائلين بشكل عشوائي وغير منظم يسيء إلي المنظر الحضاري الذي تعبر عنه هذه المناطق. وأوضح أن انتشار بيع تذاكر قطارات الصعيد في السوق السوداء قد أثر سلبا علي المنظومة السياحية الداخلية، فتذكرة قطار القاهرةالأقصر 45 جنيها، في حين يصل ثمنها في السوق السوداء إلي 120 جنيها، وذلك الأمر يتم عن طريق موظفي شباك التذاكر مع بعض السماسرة.