السرقة فعل مجرم قانونا وشرعا. ومخالفة القوانين ونهب حقوق الآخرين والجور على أملاك الدولة التى هى فى الأساس ملك لكافة أبناء الشعب هو أمر محرم فى كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعيه، وفى كل دول العالم من الطبيعي أن يحاكم السارق وخاصة فى الملكية العامة بأشد العقوبات التى لاتردعه هو فقط،بل تردع كل من تسول له نفسه الإقدام على هذا الفعل. أقول هذا بمناسبة التعديلات التى أدخلت مؤخرا على قانون الكسب غير المشروع، والتي تتيح لمن سرق وأفسد من رجال الاعمال ورموز نظام مبارك التصالح مع الدولة، ودفع الغرامة المقررة، ومن ثم اسقاط العقوبات عنه؛ حيث تم بالفعل خلال الايام القليلة الماضية التصالح مع ثلاثة من هؤلاء كان آخرها مع محمود الجمال، الذى سدد 238مليون جنيه مقابل إغلاق ملفات الفساد المتورط فيها، على ان يتم التنسيق مع النيابة العامة لاتخاذ الاجراءات القانونية، والمتعلقة بتعامل الدولة معه فى إجراءات وضعه على قوائم ترقب الوصول والتحفظ على امواله. وكان قد تم التصالح ايضا مع رجل الاعمال الهارب حسين سالم، وبلغت قيمة التصالح معه 5مليارات و800 مليون جنيه، وتم نقل 95%من أصول ممتلكاته العينية الى الدولة . ويبدو أن الحكومة التي تتعامل بالمثل القائل «الخواجة» لما يفلس يدور فى دفاتره القديمة» لم تكتف بهذا القدر من تقنين للسرقة والنهب للمال العام، ولكنها فى طريقها ايضا كما أوصت اللجنة الاقتصادية لدراسة بيان الحكومة بمجلس النواب الى تقنين أوضاع واضعي اليد على أملاك الدولة وتقنين أوضاع كافة مخالفات المباني على الاراضي الزراعية والاصلاح الزراعي وأراضي الاوقاف والري وغيرها، على أن توجه الحصيلة الناتجة عن التصالح مع المخالفين لسد العجز فى موازنة الدولة. لست أدري ماهو المنطق فى تقنين السرقات ومنح أصحابها صكوك البراءة المجانية، فإذا كانت الدولة جادة بحق فى محاربة الفساد، فلايجب أن يكون هذا نهجها؛ لأن هذا الطريق اذا اعتمدناه وباركناه سيسير على دربه آلاف الفاسدين الذين سيأمنون العقوبة، وبالتالي يتمادون فى أخطائهم، وإذا كان شعار المتحمسين لنوبة التصالح، هوالحرص على مصلحة الدولة وجلب الاموال لسد العجز فى الموازنة العامة، فإن هذا المنطق مغلوط، كان يمكن البحث عن طرق أخرى أنظف من هذا الطريق. «اسرق» ثم ادفع لتغسل نفسك من فداحة الجرم، هو نهج لايتفق مع القانون المستمد أساسا من الشريعة الاسلامية التى تحرم السرقة، ورسولنا الكريم قال «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»..كما أن هذا النهج يفسد كل قيم الحق والعدالة والاستقامة والنزاهة التى يجب أن يكون عليها أولو الأمر، وبين الناس أيضا، والتى يجب أن تظل قيما مثلى تحفظ للمجتمع تماسكه. فى اعتقادي أن صكوك البراءة التى تمنح لناهبي أموال الدولة من رجال الاعمال ومواطنين، لن يكون لها إلا الأثر بالغ السوء، على شرفاء فى هذا الوطن، ظنوا-وياللأسف- أنهم فى دولة قانون، فلم يجدوا إلا دولة تكافئ سارقيها.