فى لحظة تختصر آلاف السنين من العبقرية المصرية، تجسدت ملامح المتحف المصرى الكبير على عملة تذكارية من الذهب والفضة، كأنما أرادت مصر أن توثق فنها الحديث بلمسة من خلودها الحضارى القديم. ومؤخرًا أصدرت مصلحة الخزانة العامة وسك العملة عملات تذكارية غير متداولة من خام الذهب والفضة توثق معالم المتحف المصري الكبير، باعتباره أحد أبرز المشروعات الحضارية التي تقدمها مصر للعالم في العصر الحديث، وقد اختيرت المسلة المعلقة التى توجد فى الساحة الخارجية للصرح العملاق المقرر افتتاحه في 1 نوفمبر 2026، لتكون وجها لإحدى العملات التذكارية. لم يكن اختيار المسلة صدفة، بل لأنها التحية الأولى التي تقدمها الحضارة لزوارها، وأول ما يلمحه القادم إلى بوابة المتحف المهيبة، حيث تمتد المساحة الهائلة كصفحة مفتوحة من التاريخ، وتنهض المسلة المعلقة كأنها توقّع باسم مصر على أبواب المستقبل. أول مسلة معلقة في العالم حين تطأ أقدام الزائر ساحة الدخول الرئيسية للمتحف، التي تمتد على مساحة 27 ألف متر مربع، تسرق المسلة الأضواء قبل أي شيء، إنها مسلة الملك رمسيس الثاني، التي جاءت من قلب مدينة صان الحجر بعد رحلة طويلة من الترميم وإعادة الاكتشاف، لتصبح أول مسلة معلقة في التاريخ. تظهر على سطحها خرطوشة الملك رمسيس الثاني بعد أن ظلت مخفية في باطن المسلة لأكثر من 3500 عام، وكأنها تعلن ولادتها من جديد أمام أعين العالم. العملة التذكارية براعة تصميم لا مثيل لها يبلغ وزن المسلة نحو 110 أطنان، وقد جرى رفعها بطريقة هندسية غير مسبوقة، إذ جهزت لها قاعدة ضخمة تزن 300 طن، مصممة لتقاوم عوامل الزمن والزلازل والاهتزازات، وتحافظ على المسلة ثابتة في مكانها لعقود طويلة قادمة. وقد أحيطت القاعدة بخندق عازل يحميها من أى تأثير خارجى، فى حين تقف المسلة مرفوعة على أربعة أعمدة نقشت عليها كلمة "مصر" بجميع لغات العالم، ترحيبًا بكل من تطأ قدماه أرض هذا الصرح الحضاري الفريد. من حجر إلى أيقونة ومن أيقونة إلى عملة لم تكن المسلة مجرد أثر مرفوع في ساحة المتحف، بل تحولت إلى أيقونة وطنية تجسد عبقرية الهندسة المصرية القديمة والحديثة معًا، ولأنها ترمز إلى الوجه الأول للمتحف، كان من الطبيعي أن تخلد على عملة تذكارية من الذهب والفضة، كجزء من مشروع يوثق معالم المتحف المصري الكبير، ويجعل من الفن والخلود وجهين لعملة واحدة. تحية من مصر إلى العالم بهذا التصميم صارت المسلة المعلقة بوابة بصرية للتاريخ المصري، ومشهدًا يلخص فلسفة المتحف الكبير فحين يمسك أحد بهذه العملة التذكارية، فإنما يمسك بجزء من الحلم المصرى المنتظر والذي جمع بين رخام سيناء، ونقوش رمسيس، وذهب سك العملة، ليصوغ حكاية بلد لا يتوقف عن صناعة الدهشة.