ظواهر غريبة شهدها التاريخ الإنساني علي مر العصور تحمل بين طياتها غرائز حيوانية ورغبات مريضة تمحي العقول وتحجر القلوب، فتجد في سفك الدماء لذة وعوضا عن نواقص عميقة وخلل في النشأة الاجتماعية الأولي بدءا من آكلي لحوم البشر، مرورا بمصاصي الدماء، وأخيرا قاطعي الرؤوس والرقاب ممن يتفاخرون بأفعالهم الشاذة التي لا تحمل تهديدا كما تصور لهم أمراضهم، بينما تطلق رسالة للجميع بأنهم ليسوا سوي جماعات إرهابية اتخذت من الدين تجارة رابحة، وستارا يتخفون وراءه بحثا عن الملذات السريعة وخلق أنماط بطولية وهمية وإشباع رغبات مكبوتة لبث الرعب والإرهاب والتوهم بأنهم مالكو مصائر وأقدار البشر، فيتلذذون بالفشل والتمثيل بالجثث، وقطع الرقاب، وكلها أمور تؤكد باليقين العلمي أننا نقف أمام مرضي 'شواذ نفسيا'، بداخلهم من السادية والنرجسية ما يدفعهم إلي هذه الأفعال اللاإنسانية. لا وطن لهم ولا دين، إنهم لا يختلفون عن النازيين والفاشيين وغيرهما من الظواهر المرضية التي شهدها التاريخ، وما هم إلا فشلة يبحثون عن المغامرة والبطولات الوهمية والثراء السريع، فوجدوا في الدين تجارة رابحة، ومجالا خصبا لنزواتهم المريضة ولذة في إزهاق الأرواح والتلذذ بمشهد الدم المسال. لا شك أنها جماعات دموية إرهابية يسيطر علي سلوكها قسوة غير معقولة، وهذا دليل قاطع علي أن دعواهم لا تمت بصلة بالعقيدة الدينية، فما هم سوي تجار دين يسعون في الأرض فسادا بحثا عن غايات شاذة لا علاقة لها بأيديولوجيات دينية أو سياسية، ولابن خلدون وابن رشد مقولة شهيرة في هذا الشأن مفادها، أن العادة في المجتمعات المتخلفة فكريا تكون الاتجار بالدين باعتباره عالماً رابحاً، علاوة علي السمات الشخصية المرضية المسيطرة علي السلوك الشاذ لهذه الجماعات والتي تحركها دوافع التطرف، فينجذب صاحبها نحو الانتماء للجماعات المتطرفة التي تحمل نفس هذه السمات وغالبا ما تكون منفصلة عن الواقع الاجتماعي وتفرض علي نفسها عزلة نفسية وفكرية تحيطها بسياج من الأيديولوجيات الدينية أو السياسية المتطرفة أيضا، مثالا لذلك جماعة 'الإخوان المسلمين' والشيوعيين والنازيين والفاشيين وغيرهم من الحركات التي أفرزها التطرف علي مر التاريخ. التطرف استعداد لدي الشخص لا يرتبط بالفقر والجهل، والدليل علي ذلك ظهور شخصيات تحمل سمات التطرف والسلوك والإرهابي والرغبات الدموية الشاذة تحت عباءة الدين أمثال بن لادن والظواهري، وكلاهما من عائلات علي درجة عالية من الاستقرار المادي والوعي الثقافي، وغالبا ما ينشأ التطرف لدي أشخاص بداخلهم ميول المغامرة واصطناع البطولة ورغبة في أن يكونوا جزءا من حركة التاريخ المعاصر، وهذا يسمي علميا 'اليأس الوجودي'، بمعني أن لديهم طموحات لم توفق فيبالغون في البحث عن مسلك آخر لإثبات الذات بشكل سلبي، ومن هنا تظهر علامات التطرف والميل الشديد نحو السادية والنرجسية وحب الذات والعشق للمديح، وهذا ما أكدته جميع الاختبارات التي أجريت علي المتطرفين، والتي أثبتت أنهم يكونون ضد المجتمع ولديهم حب المغامرة الاندفاعية والبحث عن كل شيء جديد، وذلك عن اللذة حتي إن وجدها في القتل والذبح، وهذا يؤكد أن التطرف ليس إفرازا للفقر والجهل، بل هو استعداد شخصي، مثال لذلك يبلغ عدد اليهود في العالم 16 مليونا، بينما لا ينزح إلي إسرائيل سوي 3 ملايين، تسيطر عليهم أفكار متطرفة. وتقودهم الرغبة في اللذة إلي شهوة القتل والذبح والتمثيل بالجثث وغيرها من السلوكيات اللاإنسانية، فهم مستهينون بالمجتمع، وبكل ما يحكمه من عادات وتقاليد، وهؤلاء يطلق عليهم 'السيكوباتيين'، وهم موجودون في كل المجتمعات والشعوب بنسبة تتراوح بين 4% إلي 6%، ويأخذ مرضهم أشكالا مختلفة كالانتحار أو الإدمان أو الجريمة. وتجد هذه الجماعات المتطرفة طريقها باستقطاب هؤلاء الشباب والسيطرة عليهم، تقنيا وفكريا، إما بالمدخل العاطفي تحت دعوي أن المسلمين ملزمون بمساندة إخوانهم في العراقوسوريا وليبيا وغيرهم لتخليصهم وتحت هذا الضغط الأخلاقي والوازع الديني المزيف، ينضم إليهم البعض وهناك فئة أخري مركزية تبحث عن الثراء السريع، والدليل علي ذلك أن الإحصائيات الأخيرة أشارت إلي أن هناك 16 ألف مقاتل في سوريا معظهم من دول أجنبية، فمنهم 600 بريطاني و300 بلجيكي و100 دنماركي، إضافة إلي الأمريكيين، وجميعهم مرتزقة يتخذون من الحرب وسيلة للثراء، وهذا ما دفع الحكومة البريطانية إلي إسقاط الجنسية عن كل من ينتمي لهذه الجماعات الإرهابية. هذه الجماعات تخلو مكوناتها التقنية من معاني الانتماء، فليس عندهم مفهوم 'الوطن' فالجماعة أهم من المواطنة والمذهب يعلو علي الدين، وبالتالي فإن المحفز الأساسي لسلوكهم هو اللذة الشديدة في المغامرة السريعة، والاستمتاع بالبحث عن الملذات الفورية بالقتل والذبح والسرقة واستحلال الموبقات تحت عباءة الدين، وهم أبعد ما يكونون عن العقيدة والشريعة السمحة، لأن الدعوة إلي الجهاد هي دعوة إلي البذل والعطاء بعيدا تماما عن التكوين الإيديولوجي التطرفي الذي تندرج تحته هذه الجماعات والذين يحاولون إخفاءه بإضفاء صبغة دينية عليه كمحاولة لاستمالة آخرين وتبرير أفعالهم وممارساتهم الشاذة ورغباتهم المريضة فيما يسمي 'إقامة دولة الخلافة' وإن كانت الدعاوي الدينية الباطلة التي يطلقونها صحيحة لجمعت صفوفهم، لكن دب الانشقاق فيهم كما حدث في القاعدة والنصرة وبيت المقدس وغيرهم. فكلهم يبحث عن مجد وهمي وثراء سريع وبطولات أسطورية ولا يهتمون بالعواقب في غمرة اللهث وراء المغامرة السريعة ولذة القتل. بالطبع مصادر التمويل تسهم في تعميق الشعور بالنشوة الغامرة والظهور، خصوصا بعد سيطرة جماعة 'داعش' الإرهابية علي 17 % من المناطق النفطية وحمايتهم لمهربي المخدرات والسلاح والسطو علي البنوك، وإضفاء الشرعية علي كل ما هو مخالف للشريعة لتبرير جرائمهم، فالدين تجارة رابحة بالنسبة لهم. وفي رأيي هذه الجماعات منبثقة من الإخوان المسلمين الذين يدعون الوسطية كنوع من المراوغة واستمالة الآخرين باسم الدين، وهم أبعد الناس عنه، فالحقيقة أنهم تلامذة سيد قطب الذي دعا في كتابه 'معالم الطريق' إلي استحلال الدماء والأعراض وتغيير الأنظمة بالقوة، وهذه المدرسة الدموية أفرزت جميع الأشكال والجماعات الإرهابية التي نعانيها اليوم، ونجد أن هذه الجماعات لا تعرف ثقافة التسامح، وهذا أمر يتعارض مع روح الدين الإسلامي السمحة فمن أين لهم أن يبرروا أفعالهم، لذا يلجأون إلي أماكن منفصلة عن المجتمع لممارسة تدريباتهم القتالية، ويضربون سياجا من العزلة علي أفرادهم وخصوصا الشباب لإيهامهم عبر عمليات غسيل مخ منظمة تفرغ عقولهم من كل ما هو تنويري وتوهمهم بالقوة والسيطرة والثروة، ودخول التاريخ من باب المجد الديني، فهم لا يسمعون سوي أبواقهم وأصواتهم، كما حدث في رابعة العدوية العام الماضي لا يرون سوي الجزيرة لا يسمعون سوي ضلالاتهم التي تزين لهم ما يفعلون بعقيدة الشهادة المزعومة وغيرها من الخرافات كنزول الوحي في رابعة العدوية، وأن يتكفن بصورة مرسي سينجو من عذاب القبر وتفتح له الجنة أبوابها، وبذلك تسيطر العزلة المجتمعية علي كل أفراد هذه الجماعات، تخلو حياتهم من أجندات معرفية ثقافية تنويرية بل يحرمونها في أغلب الأحيان فينطبق عليهم القول 'إذا رأيت مثقفا أتحسس مسدسي'، وهذا يعكس ما بداخلهم من دمار ورغبة في التدمير، فالحرمان من المنبهات التنويرية والتثقفية يقود إلي التصرف، إما للشهادة أو للثراء. الأمن وحده لا يكفي لمواجهة عمليات الاستقطاب الممنهجة التي تمارسها هذه الجماعات الشاذة حيال أبنائنا وشبابنا، فالأمر يتعدي هذا بكثير فهو قضية مجتمعية بالدرجة الأولي يجب أن تتكاتف لمواجهتها جميع الأطراف والأجهزة وتحتشد لها الطاقات لخلق منظومة فكرية وأيديولوجية طويلة المدي لتحقيق أهداف تنويرية راسخة في العقل والوجدان، وبالتالي تكون حائط صد ومانعا لتوغل هذا الفكر التطرفي، والتنوير ليس معناه التعلم، والتعليم، فإذا لاحظنا أن معظم معتنقي هذه الأفكار والادعاءات الدينية حاصلون علي درجات علمية وضيعة، ولكن التنوير يعني إطلاق الحريات للعقل والفكر والانفتاح علي الإشعاعات المعرفية والبؤر الثقافية مع الحرص علي الخطاب الديني الصحيح المنسوب إلي مصادره الحقيقية من كتاب الله وسنة نبيه ومواجهة الإرهاب ليس بالعمليات الأمنية فقط، ولكن بتحريك العقول وإزاحة النقاب عن المسكوت عنه، فالمكاشفة بداية للحركات التنويرية اخيرا لقد اساءني كثيرا أنه مازال هناك شباب كانت لتتفاخر بهم مصر، طاقات امل لكنهم ارادوا ان يدخلوا في تحد غير حقيقي لجيش الوطن الدرع الحامية لأرواحهم لولا هذا الجيش لكانت رؤوسهم مقطعة ممثل بجثثهم، لست بصدد الدفاع ولكن أتعجب أين رؤيتهم الحقة للمشهد المحدق بهم؟!