الشغل الشاغل لعلماء النفس الآن, هو الغوص في أسرار النفس البشرية لتقويم التطرف الديني والإرهابي, وتخرج أحدث التفسيرات التحذيرية تؤكد أن الإرهاب مرض معد يتطلب معاملته كالطاعون أو الكوليرا! ويري علماء النفس, أن التطرف يعني الانحراف عن الواقع, وهو نوع من الاضطراب الفكري والسلوكي الذي يستوجب التصحيح والتعديل.. والتطرف الديني هو أسوأ أنواع الانحراف. د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة, يفسر حالات التطرف واعتناق الفكر الديني المتطرف باعتبارة من الضلالات الفكرية الوهمية الثابتة في عقل المتطرف.. وهي للأسف غير قابلة للتعديل والتصحيح.. والخطر الشديد أن هذه الضلالات قابلة للانتشار بالعدوي الي عقول وفهم البسطاء من الناس. وأضاف: مشكلة المعتقدات العقائدية الشاذة أنها تساعد أصحابها علي الانسلاخ من المجتمع, وعلي التقوقع والعزلة بما يصاحب ذلك الشعور بالتميز والاستعلاء.. والمشكلة هنا أن كل هذه المشاعر تؤدي الي اضطرابات السلوك ومعاداة المجتمع, ومحاولة فرض السيطرة والهيمنة علي الآخرين وتكفيرهم ومحاربتهم بالقوة والعدوان. والأهم من ذلك هو أن ضلالات الفكر العقائدية الخارجة عن كل حسابات المنطق, والبعيدة تماما عن صحيح الدين, تعتبر من أهم عوامل الانسلاخ من الواقع والرؤية المنطقية للأمور التي لا يختلف عليها اثنان, فإذا انسلخ الفرد عن واقع حياته الذي يعيشه ويتوافق فيه مع مجتمعه, فهذا هو الاضطراب العقلي الذي يستوجب العلاج. ولكن.. هل هذا الإنسان مريض نفسيا؟ إذا فقد الإنسان توازن عقله بأفكار ومعتقدات شاذة, وتحجرت مشاعره, وتبلدت عواطفه, واضطرب سلوكه, وفقدت إرادته, وانسلخ عن واقعه, وتاهت رؤيته للواقع حالة, وضاعت هويته في مجتمعه ووطنه, وعاش في حالة من الاغتراب والتقوقع والتشرذم.. فهنا يكمن المرض العضال الذي يستوجب العلاج. ومن مؤشرات وأعراض هذا المرض النفسي, فقدان البصيرة, بمعني عدم القدرة علي فهم حقيقة ما يدور داخل نفس الشخص من فكر ضال, ووهم شاذ, وخيال شارد بعيد كل البعد عن الواقع الدائر من حوله. وكيف يري الطب النفسي هذه الجماعات؟ إن جماعات التطرف الفكري الديني تحتوي ثلاث فئات, الأولي هي فئة القيادات التي تضع الرؤي, وتسن القوانين, وتخطط للتحرك والانتشار.. ثم تكون هناك الفئة الثانية, وهي مجموعة من الأفراد الذين يعملون بقانون الولاء والطاعة العمياء, وهم مغيبون تماما. أما الفئة الثالثة فهم من البؤساء المغلوبين والمظلومين الذين دفعتهم الحاجة المادية الي الانضمام للجماعة من أجل لقمة عيش. يتم إعداد وتهيئة الشباب للدخول في حالة التطرف, وقد يصل الحال إلي الإقدام علي قتل نفسه العملية الانتحارية وربما قتل الآخرين دون أدني شعور بالذنب, كل ذلك يعتمد علي وسائل الإقناع المتكررة بأن رسالتهم التي يدعون إليها هي رسالة سماوية, وأنهم في منزلة أرقي وأرفع من منزلة ومكانة بقية البشر, والجنة موعدهم, وهذا التكليف الإلهي يرقي إلي مستوي الرسل والصحابة, وأن قتلاهم في الجنة, وقتلي من لا يتبعونهم في النار.