انخفاض جديد في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    طن اليوريا يصل إلى 26 ألف جنيه، أسعار الأسمدة اليوم في الأسواق    قوات الاحتلال تداهم عدد من المنازل خلال اقتحام قرية تل غرب نابلس    تعرض منزل النجم الأمريكي براد بيت للسطو وشرطة لوس أنجلوس تكشف التفاصيل    مروحيات تنقل جرحى من خان يونس وسط تكتم إسرائيلي    30 مليار دولار مقابل نووي بلا تخصيب.. تفاصيل خطة «ترامب» السرية لإعادة إيران لطاولة المفاوضات    ليوناردو وسافيتش يقودان الهلال ضد باتشوكا فى كأس العالم للأندية    لقاء الحسم.. تشكيل الهلال الرسمي أمام باتشوكا في كأس العالم للأندية    تفوق متجدد للقارة الصفراء.. العين يُدون الانتصار رقم 14 لأندية آسيا على نظيرتها الإفريقية في مونديال الأندية    العلامة الكاملة وانتصار غائب منذ 49 عامًا.. مان سيتي يحكم مونديال أمريكا    «فرصتكم صعبة».. رضا عبدالعال ينصح ثنائي الأهلي بالرحيل    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    مصرع طالبة وتلميذ غرقًا في نهر النيل بقنا    من مصر إلى فرانكفورت.. مستشفى الناس يقدّم للعالم مستقبل علاج العيوب القلبية للأطفال    عطلة الجمعة.. قيام 80 قطارًا من محطة بنها إلى محافظات قبلي وبحري اليوم    تعيين الدكتور عبد المنعم السيد مستشارًا ماليًا للاتحاد العربي للفنادق والسياحة    نشرة التوك شو| "الأطباء" تحذر من أزمة في القطاع الصحي وشعبة الدواجن تدعو للتحول إلى الخلايا الشمسية    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    «أثرت بالسلب».. أسامة عرابي ينتقد صفقات الأهلي الجديدة    نقيب الأشراف يشارك في احتفالات مشيخة الطرق الصوفية بالعام الهجري    إعلام إسرائيلي: حدث أمني صعب في خان يونس.. ومروحيات عسكرية تجلي المصابين    تفاصيل الحالة الصحية للبلوجر محمد فرج الشهير ب"أم عمر" بعد تعرضه لحادث مروع (صور)    السيطرة علي حريق مصنع زيوت بالقناطر    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    مايا دياب أنيقة ومريام فارس ساحرة .. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    دعاء الجمعة الأولى في السنة الهجرية الجديدة 1447 ه    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    وزير الأوقاف يشهد احتفال الطرق الصوفية بالعام الهجري الجديد بمسجد الحسين    أيمن أبو عمر: الهجرة النبوية بداية جديدة وبشارة بالأمل مهما اشتدت الأزمات    الشارع بقى ترعة، كسر مفاجئ بخط مياه الشرب يغرق منطقة البرج الجديد في المحلة (صور)    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    موجودة في كل بيت.. أنواع توابل شهيرة تفعل العجائب في جسمك    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    حسام الغمري: معتز مطر أداة استخباراتية.. والإخوان تنسق مع الموساد لاستهداف مصر    الخارجية الأمريكية: الموافقة على 30 مليون دولار لتمويل "مؤسسة غزة الإنسانية"    رويترز: قادة الاتحاد الأوروبي يتفقون على تمديد العقوبات المفروضة على روسيا    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    صلاح دياب يكشف سر تشاؤمه من رقم 17: «بحاول مخرجش من البيت» (فيديو)    رجل يفاجأ بزواجه دون علمه.. هدية وثغرة قانونية كشفتا الأمر    بمشاركة مرموش.. مانشستر سيتي يهزم يوفنتوس بخماسية في مونديال الأندية    الأهلي يضع شرطا حاسما لبيع وسام أبوعلي (تفاصيل)    «30 يونيو».. نبض الشعب ومرآة الوعي المصري    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    البحوث الإسلامية: الهجرة النبوية لحظة فارقة في مسار الرسالة المحمدية    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم سيارة ملاكي مع نصف نقل بالجيزة    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    مفتى الجمهورية: الشعب المصرى متدين فى أقواله وأفعاله وسلوكه    قصور ثقافة أسوان تقدم "عروس الرمل" ضمن عروض الموسم المسرحى    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 27 يونيو 2025    السياحة: عودة جميع الحجاج المصريين بسلام إلى مصر بعد انتهاء الموسم بنجاح    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآثار السلبية للتطرف الفكري (الحلقة الثانية)
نشر في بص وطل يوم 06 - 07 - 2012

استعرضنا في الحلقة الأولى من "التطرف الفكري.. خطر يهدد المجتمعات والحضارات"، وكيف ينشأ وينتشر في المجتمعات..
وفي هذه الحلقة الثانية والأخيرة نستعرض الآثار السلبية على التطرف الفكري، فلا شك في أن التطرف الفكري إذا كان عبارة عن مجانبة الاستقامة في الفكر والاعتدال في الفهم، فهو أمر سلبي لا مجال للنقاش في سلبيته؛ لكننا لن نكتفي بإدراك سلبية التطرف الفكري على نحو الإجمال، وإنما نريد أن نعرض آثاره السلبية، كي نمارس عملية التوعية التي يحتاجها الفرد والمجتمع لتجنب السقوط في منحدر التطرف، والمحافظة على منهج الاستقامة والاعتدال.
وتتلخص الآثار السلبية فيما يلي:
أولا: الأثر الذاتي على المتطرف نفسه
لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعله سويّ الخلقة سويّ الذهن والإدراك، وميّزه على مخلوقاته بالإرادة وبالعقل الذي ينبغي أن يقوده إلى الاستقامة في التفكير، ولا شك في أن التطرف الفكري يجعل الشخص خارجا عن الاستقامة مخلّا بموازينها، فيحدث الانفصام بين ما هو عليه، وما ينبغي أن يكون عليه، الأمر الذي يترك عليه آثارا نفسية سيئة غائصة في اللاشعور النفسي، كما يصدّع العلاقة بينه وبين المجتمع، وتتغير نظرته إلى مجتمعه وإلى أهل الاستقامة وتنقلب عنده الموازين والقيم، وينظر إلى الواقع نظرة شاذة خاطئة لا تتصف بالموضوعية.. وبالتالي فالتطرف الفكري مرض يصاب به الفكر، وحالة سقيمة تجعل الإنسان في وضع غير طبيعي وغير سويّ، وكما أن الإنسان يعمل على المحافظة على صحته العقلية والجسمية، ويدرك أن اعتلال العقل أو الجسم حالة مرضية، كذلك يجب أن ينظر إلى التطرف الفكري باعتباره انحرافا عن الاستقامة في الفكر والاعتدال في الفهم، فهو حالة مرضية يعتلّ فيها الفكر، ويخرج بها الإنسان عن طبيعته.
ومن زاوية دينية، فإن التطرف الفكري يؤدي إلى انحراف الإنسان عن المنهج الديني الصحيح، الأمر الذي ينعكس خللا في العقيدة، وإثما في السلوك يسقطه عن رضى الله عزّ وجلّ، ويجعله في معرض الحساب والعقاب الأخروي، وكفى بذلك خسرانا مبينا.
ثانيا: الأثر السلوكي
من المقرر في علم الاجتماع وفي علم النفس أن السلوك البشري مظهر للثقافة وانعكاس للفكر، ومعنى ذلك أن التطرف الفكري لن يقف عند حدود الفكر، وإنما سينعكس على السلوك.. وإذا كان التطرف الفكري حالة مرضية غير سوية في الفكر، فإن انعكاسه السلوكي سيكون بلا ريب مظهرا سلوكيا غير سويّ أيضا.. وهذا المظهر السلوكي المرَضِي مضافا إلى تداعياته السلبية في المحيط والمجتمع، سيكون قابلا للعدوى والانتشار الذي يوسع دائرة التداعيات، وينفتح على مضاعفاتها، وفي ذلك خطر كبير على المجتمع.
ثالثا: الأثر السلبي على الأمن المجتمعي
إن العناصر المعيارية هي الأساس في تشكيل النظام الاجتماعي، وفي استمراريته بحالة مستقرة، والعناصر المعيارية كما تلعب دورا إيجابيا بوجهها الإيجابي، كذلك تلعب دورا سلبيا بوجهها السلبي فيما إذا كانت المعايير سلبية أو غير متوازنة.
والتطرف الفكري يخلّ بالنظام الاجتماعي وبالأمن المجتمعي؛ لأنه يستند إلى معايير سلبية بحكم انحرافه عن الاعتدال في الفهم والاستقامة في التفكير، وهو يحمل المعايير السلبية أيضا، فيكون له أثر تخريبي حيث تلعب المعايير السلبية دورها في النظام الاجتماعي، ويشكّل خطرا على العناصر المعيارية الإيجابية التي هي الأساس في نظام اجتماعي مستقر، وفي أمن مجتمعي واقعي.
رابعا: الأثر السلبي على المنظومة الفكرية والاجتماعية
حينما يشقّ التطرف الفكري طريقه في المجتمع، ويتحوّل من حالة فردية إلى حالة مجتمعية قد تأخذ شكل تيار في المجتمع أو فرقة أو تنظيم أو ما شاكل، فإنه يلعب دورا سلبيا في خلط الأوراق، والتشويش على الحقائق، والتضليل وضرب نسق القيم والمعايير، وهذا ما يسبب إشكالية قد تتحول إلى فتنة في المجتمع، ربما تكون فتنة دينية أو سياسية أو ثقافية، ويوجّه ضربة لما يسمى في علم الاجتماع بالإثنوميثودولوجي أي منهجية الجماعة.
إن المتتبع للتاريخ يجد أن المجتمعات المتنوعة لطالما عانت من انشقاقات ضربت وحدتها وتماسكها في الصميم نتيجة للتطرف الفكري.. إن تاريخنا الإسلامي حافل بالمعاناة من انشقاقات أحدثها التطرف الفكري تصدع منها شمل الأمة الإسلامية.
لقد أوجد الإسلام أمة رسالية صاغها على عين تعاليم الرسالة الإسلامية، واستمدت ثقافتها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فقامت هذه الأمة على أساس ثقافة الأمة الواحدة، ولم يلتحق رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالرفيق الأعلى حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة إذ ألّف قلوب المسلمين وجعلهم إخوانا، فنزل قوله تعالى في عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، ورحل النبي الأكرم عن أمته وقد تركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد بيّن القرآن الكريم أساس وحدة الأمة فقال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، وحذّر من التفرق، ونهى عنه نهيا أكيدا مشددا، قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا، واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}، وقال تعالى: {إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}، وقال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}، كل هذه الآيات البيّنات جاءت تأكيدا على ثقافة الأمة الواحدة المستمدة من الكتاب والسنة النبوية، والتي هي أساس وحدة الأمة، فدبّ التطرف الفكري إلى عقل الأمة، ونسج عقائد وفلسفات ليس لها وجود في ثقافة الأمة الواحدة، ولم تقم بها الحجة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فأحدث ذلك انشقاقات مريرة أخذت صيغة الفرق {من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا}، {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون}، فكم عانت الأمة ولا تزال تعاني من هذه الانشقاقات التي تطرفت عن جماعة المسلمين، وكان التطرف الفكري عاملا رئيسا في الفرقة والتصدع، ولولا التطرف الفكري الذي شق طريقه لبقيت الأمة على ما كانت عليه زمن الرسول الكريم وخلفائه الراشدين لا سيما أبي بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما- حيث لم تظهر بعدُ معالم الفتنة، ولم تتفاعل عوامل نشوء التطرف الفكري.
إن التطرف الفكري بما ينجم عنه من آثار تخريبية على المنظومة الفكرية والمجتمعية، يترك أيضا أثرا سلبيا على الكيانات السياسية، فقد يكون من عوامل إضعافها أو إسقاطها، كما يترك أثرا سلبيا على الكيانات الحضارية وعلى المسيرة الحضارية للأمم والشعوب، لأنه يعرقل هذه المسيرة أو يتسبب في حرفها أو قصورها.
خامسا: الأثر السلبي للتطرف الفكري من وجهة نظر دينية.
قال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، ما أجمل وأعظم المعطى الفلسفي والتربوي لهذه الآية الكريمة، فهي تبيِّن أن الهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب ووضع المعايير والقيم هو قيام الناس بالقسط، أي أن يكون المجتمع البشري مجتمع العدل والاستقامة، ولا يقوم الناس بالقسط إلا من خلال قيم العدل وشريعة العدل وسلوك العدل، ويعبّر القرآن الكريم عن ذلك بالصراط المستقيم، ومن خلال إدراكنا لهذه الحقيقة نُدرك أن التطرف عن الصراط المستقيم هو انحراف خطير يتجه خطره إلى الدنيا والآخرة، فإن الهدف الذي وضعته السماء للبشرية في الدنيا هو قيام الناس بالقسط، والانحراف عن الصراط المستقيم خروج عن العدل والقسط وإخلال به، وإعاقة عن قيام الناس بالقسط، وأخرويا فإن الموصّل إلى سعادة الآخرة ونعيمها هو سلوك الصراط المستقيم، فالتطرف عنه ضلال يهوي بالإنسان إلى الشقاء والعذاب.
إن التطرف هو النقيض للعدل، وهو انحراف عن الوسطية التي أرادها الله تعالى للمسلمين، وهي لا تتحقق إلا بالالتزام ببينات الكتاب والسنة النبوية، فهما البوصلة التي تضبط حركة المسلم على الصراط المستقيم، وما شطّ عنها فهو تطرف يحرف الإنسان عن الصراط القويم.
هذه جملة من المحاور الرئيسة التي تلخص لنا الآثار السلبية للتطرف الفكري.
إن التطرف الفكري انحراف خطير لا بد أن ينهض المجتمع لمعالجته، وأن توضع الأبحاث والدراسات الناضجة التي تبيِّن سبل العلاج المجدية. ونحن كأمة إسلامية -يتحرك فيها التطرف الفكري بفعل مجموعة من العوامل- بحاجة ماسّة إلى معالجة هذا المرض الوبيل الذي ينخر الجسم الإسلامي من الداخل، ويعيق مسيرة الأمة ويشوه سمعتها.
__________________
** الموضوع مقتبس من بحث للمرجع الإسلامي البحريني حسين المؤيد، أُلقي في مؤتمر للأئمة والخطباء والدعاة التي أقامته وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بالبحرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.