"الشيوخ" يناقش آليات الحكومة لمكافحة ظاهرة التنمر    تنسيق الجامعات 2025.. تعرف على تفاصيل الالتحاق بكلية التكنولوجيا والتعليم بجامعة حلوان    ارتفاع أسعار الفاكهة اليوم بأسواق الإسكندرية.. البرقوق ب55 جنيها للكيلو    بسبب قوة الدولار.. تراجع الذهب عالميا ليسجل أدنى مستوى عند 3347 دولارا للأونصة    الحجر الزراعي: استيراد 4.9 مليون طن قمح منذ بداية العام وحتى الآن.. و6.6 مليون طن ذرة صفراء وفول صويا    مسجلا 4810 جنيها للجرام.. تراجع أسعار الذهب في مصر متأثرا بانخفاضه عالميا    وزير الإسكان يوجه بسرعة إنهاء مشروعات تطوير البنية الأساسية والخدمات بقرى مارينا السياحية    خبير اقتصادي: غلق مضيق هرمز بداية كارثة اقتصادية عالمية غير مسبوقة    ألمانيا تحث إيران على «التفاوض المباشر» مع الولايات المتحدة    بوتين: العدوان المستفز ضد إيران لا يستند إلى أي مبررات أو أعذار    جروسي: إيران أبلغتني 13 يونيو باتخاذ «تدابير خاصة» لحماية المعدات والمواد النووية    ترامب: أضرار جسيمة لحقت بالمواقع النووية الإيرانية على عمق كبير تحت الأرض    بعد انتهاء الجولة الثانية لمونديال الأندية.. تعرف على الفرق المتأهلة لدور ال16    صباح الكورة.. ديانج يعلق على مواجهة الأهلي وبورتو و4 أندية تبحث عن مدربين جدد لموسم 2025    مدرب إنتر ميامي: مواجهة بالميراس لحظة تاريخية    كأس العالم للأندية.. تشكيل الأهلي المتوقع ضد بورتو البرتغالي    تاجر مخدرات.. حقيقة ادعاء سيدة باقتحام الشرطة لمنزلها وضبط زوجها دون وجه حق بالدقهلية    بالاسم ورقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ    ضبط متهمين بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني للمواطنين في المنيا    المعاينة الأولية لعقار شبرا شبرا المنهار: خالي من السكان.. وتسبب في تهشم 4 سيارات بالشارع    تامر حسني يحافظ على المركز الثاني بفيلم "ريستارت" في شباك تذاكر السينمات    د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"    البحوث الإسلامية: إنصاف الأرامل واجب ديني ومجتمعي لا يحتمل التأجيل    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش خطة الخدمات الطبية المتكاملة المقدمة    الصحة السورية: ارتفاع ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس إلى 25 قتيلا و63 مصابا    المتهم بالتعدى على الطفل ياسين يصل للمحكمة لنظر جلسة الاستئناف على الحكم    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بمحافظتى بني سويف والمنيا خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    محافظ أسيوط يسلم ماكينات خياطة وتطريز للصم وضعاف السمع    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    شركات الطيران العالمية تراجع خططها فى الشرق الأوسط بسبب حرب إيران وإسرائيل    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الأمريكي على إيران    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    في القاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23 يونيو 2025    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    حقيقة تحديد 4 نوفمبر المقبل موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تحريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي الاستبداد والتفرق


كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثانيا تأصيل المعروف والمنكر قرآنيا :
من تحريف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى الاستبداد والتفرق
أوّلا :الاستبداد يؤدى الى التفرق والاختلاف ونفى الآخر
1 بالاستبداد يتحول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى تسلط جهاز الحكم على الناس يخضعهم ويقهرهم ويتدخل فى حرياتهم الشخصية والدينية . والأصل أن الأمر بالمعروف لا يمكن تطبيقه إسلاميا وقرآنيا إلا فى ظل دولة إسلامية حقيقية ، أى دولة مؤسسة على الشورى أو الديمقراطية المباشرة والمساواة بين الناس ، وتفاعل الناس جميعا فى إقامة القسط وفى حضور مجالس الشورى ، وبالتالى يدخل فى تفاعلهم التواصى بالحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وحلّ الخلافات سلميا بالتفاهم وبالعدل .
وطالما تتساوى الرءوس ولا يعلو أحد على أحد وطالما يقام العدل والقسط وتتاح الحرية الدينية المطلقة فى الدين وتتاح الحرية المطلقة فى المعارضة السياسية السلمية وحرية الرأى والفكر فلا مجال حينئذ لتفاقم النزاع والاختلاف . ينشأ الخلاف والشقاق عندما يتحكم فرد أو مجموعة فى بقية المجتمع فلا بد أن يعارضه بعض الناس ، فيقابل المستبد هذه المعارضة بالقهرليمنعها القهر من الظهور، ولكن لا يلبث أن تظهر وتتطوّر وقد تستعرّ حربا مسلحة.
2 والمستبد لكى يحمى نفسه مقدما لا يقتصر فقط على إرهاب الناس وتخويفهم بالتعذيب ولكن يوجّه سياسته نحو تقسيم الأمة دينيا ومذهبيا وعنصريا ، ويستأسد بكل قوته على الطائفة الضعيفة ويجعلها عدوة للأكثرية من المجتمع ،ممّا يتيح له إستعداء وتسليط معظم الشعب على أولئك الضعاف، فيحتاج الجانب الضعيف للاستنجاد بالمستبد ليحميه، ويحتاج اليه الجانب المعتدى لينجو من العقوبة ، وبهذا يشغلهم المستبد بالفتن فيما بينهم،فيعيشون فى رعب ويعيش هو فى أمن متسيدا عليهم جميعا. فرعون استعمل هذه السياسة وعلا بها فى الأرض:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )(القصص 4) . وإتّبع المخلوع حسنى مبارك هذه السياسة ، فاضطهد الأقباط والشيعة والبهائيين والقرآنيين ، وسلّط عليهم المتطرفين ، كما سلّط عليهم أجهزته الأمنية والإعلامية والقضائية.
هنا تتحوّل هذه الأقليات الى منكر يجب إزالته أوطرده لو أمكن . وقد تعرض لهذا أهل القرآن والبهائيون وبعض الأقباط . المتطرفون يجعلون المعروف فى إقصاء الآخر المختلف معهم . ويتحدون مع المستبد ضد هذا الآخر ليكتسبوا نفوذا يريدون تطويره،بينما يستخدمهم المستبد فى إرهاب الأقليات وشغلهم عنه مؤقتا بهذه الإجرام . وفى كل هذا يصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا بالتطبيق دون حاجة الى تقعيد .
ثانيا : صلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بوحدة الأمة وعدم تفرقها
1 نتكلم هنا عن الاسلام وفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيه ودورها فى منع تفرق الأمة فى دولة الاسلام المدنية الحقوقية الديمقراطية الشورية .
2 يلفت النظر أن الآية (103) من سورة (آل عمران ) تأمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا وتنهاهم عن التفرق :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(103)، بعدها جاءت آية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) ثم بعدها جاء أيضا النهى عن التفرق والاختلاف :(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105). أى إن فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام محاطة بالأمر بالاعتصام بحبل الله والنهى عن عدم التفرق ،أى إن الأمر بالمعروف يبدأ بالأمر بالاعتصام بحبل الله جميعا ، وأن النهى عن المنكر يبدأ بالنهى عن التفرق والاختلاف .
3 والسؤال هنا عن موضوع الاعتصام بحبل الله المأمور به ، وموضوع التفرق والاختلاف المنهى عنه؛ هل هو الاتفاق فى العقيدة أى فى (الاسلام) بمعناه العقيدى القلبى (لا إله إلا الله ) أم هو (الاسلام) بمعناه السلوكى الظاهرى وهو السلام ؟ هل هو (الايمان القلبى) بالله وحده لا شريك له أم هو (الايمان )السلوكى بمعنى الأمن والأمان للجميع ؟ هل هو فرض عقيدة ( لا اله إلا الله) على الجميع ؟أم هو (لا إكراه فى الدين)وترك الحكم فى الخلاف فى (الدين) الى الله جل وعلا (يوم الدين ) ليحكم جل وعلا بين الناس فيما هم فيه مختلفون؟، وأن نعيش فى هذه الدنيا مسالمين وأخوة متعاونين ؟.
4 قلنا كثيرا إنّ معنى الاسلام الظاهرى السلوكى هو السلام والمسالمة ، وأى فرد مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته . و لنا ان نحكم عليه لأنه سلوك ظاهر مرئى .أما الاسلام القلبى بمعنى الانقياد واسلام الوجه والجوارح لله جل وعلا وحده فمرجعه الى جل وعلا يحكم فيه بين البشر فيما هم فيه مختلفون ، حيث سيكون الفائز يوم القيامة هو من يجمع بين الاسلام الظاهرى والاسلام الباطنى . وللإيمان نفس المعنيين : إيمان ظاهرى بمعنى أن تكون مأمون الجانب ، وإيمان قلبى بالله جل وعلا وحده لا شريك له كما نصّت عليه آية ( أمن الرسول ) فى سورة البقرة.والمؤمن الفائز هو من يجمع بين الايمان الظاهرى والايمان القلبى .ولنا الحكم على الظاهر وهو السلوك المسالم الآمن المأمون .
وقلنا إن الشرك والكفر مترادفان:(التوبة 1 : 3 ، 17)(الزمر1 : 3)(غافر 42).وأنهما معا ينقسمان الى:كفر أوشرك سلوكى بالعدوان:(التوبة:10،12،13)(البقرة 190، 286)(الحج 38 : 40) ولأنه كفر بالسلوك فلو تخلى عن العدوان سقط عنه الاتهام بالكفر:(الأنفال 38 : 39)(البقرة 192 ، 193 )(التوبة 5 ،11 )(الممتحنة 2 ، 9). ثم :شرك أوكفر فى العقيدة:قد يكون صاحبه مسالما لا يعتدى فيجب التعامل معه بالبر والقسط (الممتحنة 8 ). وقد يجتمع الكفر أو الشرك العقيدى بالسلوكى ، وهو الذى ساد فى قريش حين اضطهدت المسلمين واخرجتهم من ديارهم، تكذيبا بالقرآن:( الممتنحنة 1 ). وعلى سنتهم يسير الوهابيون .
5 وأسّس خاتم المرسلين عليهم جميعا السلام فى المدينة دولة إسلامية تسير بالعدل والقسط والمساواة والشورى والتفاعل فى الخير . وفى الدولة الاسلامية فإن كل الأفراد مؤمنون طبقا للإيمان الظاهرى،وهم مسلمون مسالمون بالاسلام السلوكى الظاهرى ، وهم جميعا مأمورون بالتمسك بالسلام الظاهرى السلوكى:(يَاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة 208)، أى أنهم مأمورون بالاعتصام بحبل الله الذى هو السلام والقسط وعدم الاكراه فى الدين. وتحيتهم فى الدنيا (السلام عليكم) وفى الآخرة لو دخلوا الجنة تحيتهم فيها سلام :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)( يونس 9 : 10) .
6 أى إن قوله جل وعلا:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) مقصود به الاسلام الظاهرى أى إلتزام السلام بين أفراد المجتمع أو المواطنين فى داخل الدولة ، بدليل أن بقية الآية تتكلم عن سلوك عدوانى ظاهرى كان موجودا قبل ذلك فانمحى، فقد كانوا من قبل أعداء متشاكسين فأصبحوا داخل دولة الاسلام أخوة متآلفين :(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(103).
7 أما الاسلام القلبى أو الهداية للحق فليس من مسئولية الدولة إدخال الناس الى الجنة ، فهى مسئولية فردية ، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه . إن مسئولية الدولة هى توفير الأمن والسلام والعدل والحرية للأفراد ، ثم كل منهم يكون مسئولا أمام الله جل وعلا يوم الدين عن إختياره الدينى والعقيدى فى الايمان القلبى أو الكفر القلبى والعبادات . والى أن يأتى يوم القيامة فأمامهم متسع فى هذه الحياة الدنيا ليعيشوا فى سلام مع إختلاف عقائدهم .
8 والحرية فى الدين هى التى تضمن هذا السلام . ومن حرية الدين حرية الدعوة الى الحق أو الى الباطل ، وحرية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وحرية الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف . وقد تنافس المؤمنون والمنافقون فى دولة الاسلام فى المدينة فى هذا المجال ، فكان المنافقون والمنافقات يوالى بعضهم بعضا فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف، وكان المؤمنون والمؤمنات يوالى بعضهم بعضا فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) َ(التوبة 67 ، 71 ). وكفلت دولة الاسلام للمنافقين الحدّ الأقصى من حرية الدين والمعتقد وحرية المعارضة بالقول والحركة حتى حرية التآمر وحرية التقاضى خارج نطاق الدولة . كل ذلك مسموح به طالما يدور فى إطار العمل السلمى بلا لجوء الى السلاح . ولهذا لم تحدث حركات تمرد داخل دولة الاسلام فى عهد خاتم النبيين . كان الاختلاف الدينى والسياسى قائما ومحتدما ، ولكن جرى ترشيده بالحرية المطلقة فى الدين وفى العبادة وفى المعارضة السياسية ، وبالتزام العدل والاحسان .
9 فى هذا الجو أثمرت دعوة المؤمنين للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وفشلت دعوة المنافقين للأمر بالمنكر والنهى عن المعروف . وهى حقيقة لا جدال فيها : أن الحق يفوز فى وجود الحرية الدينية ولا يحتاج إلّا إلى مجرد التعريف به ، ومجرد التعريف به ينعش العقل ويحفزه للتفكير . أمّا الباطل فهو محتاج الى سلطة تجبر الناس على الايمان به ، وتخيفهم من نقده ومناقشته . ولذلك فقد انتشرت دعوة الاسلام بالقرآن فقط خارج المدينة ، واستطاع القرآن بحجته القوية إقناع العرب بعبثية تقديس الموتى والأصنام والأنصاب فدخلوا فى دين الله أفواجا ، حتى إضطروا قريش والأمويين الى الدخول فى الاسلام حتى لا تسبقهم الأحداث وتتجاوزهم.
10 ومع هذا فلقد تلاشت بالتدريج دولة الاسلام بفعل السياسة . بدأ الأمر ببيعة السقيفة وتعيين حاكم يعلو على الناس يبايعه الناس على السمع والطاعة المطلقة ، ثم دخل الصحابة فى الفتوحات والفتنة الكبرى فتأكّد التناقض بنهم وبين الاسلام ، وتلاشت معالم الشورى والديمقراطية لتتحول الى حكم وراثى استبدادى عسكرى قبلى ( نسبة للقبيلة ) فى الدولة الأموية ، ثم تحولت الى دولة دينية كهنوتية فى الخلافة العباسية. وعلى هامش ذلك كله انتشرت النزاعات والانشقاقات وقامت الأحزاب سياسية فى البداية ، ثم تحولت الى تعزيز موقفها دينيا فتولدت مبكرا أديان أرضية للمسلمين ، وحدث ما حذّر ب العزة منه ، وهو التفرّق فى الدين بعد الصراع الحربى السياسى . لقد قال رب العزة فى الوصية الأخيرة من الوصايا العشر : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)( الأنعام 153 ). أى أمر بالتمسك بالقرآن وحده ونهى عن إتباع الأحاديث لأنها تقوم على التفرق والاختلاف والمذاهب ..وهذا ما حدث فعلا ( شفويا ) فى الفتنة الكبرى والعصر الأموى ، ثم تمت كتابته فى العصرين العباسى والمملوكى حيث ظلّوا يؤلفون الأحاديث وينسبونها للنبى بعد موته بقرون. وقد أعلن رب العزة مقدما براءة خاتم النبيين من هؤلاء الذين سيصنعون أحاديث ينسبونها لخاتم النبيين بعد موته وتجعلهم تلك الأحاديث المصنوعة يختلفون فى دينهم ، فقال جل وعلا فى نفس سورة الأنعام المكية:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)( الأنعام 159)، وقال جل وعلا أيضا للمؤمنين فى سورة مكية أخرى :( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )( الروم 30 : 32 ). أى إن الاختلافات السياسية الناتجة عن الاستبداد والفساد تتحول الى أحزاب متصارعة وطوائف متحاربة ، وينتهى بهم الاختلاف السياسى الى كفر وتفرق فى الدين . وهذا هو موجز تاريخ المسلمين . فلا عجب حينئذ تحول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى سوط عذاب يتسلط به الظالمون على ظهور الناس.!!
أخيرا
الظالمون نوعان : نوع إيجابى يمارس الظلم أو يؤيد الظالم ويقنّن له الظلم ، ونوع سلبى هو ذلك المظلوم الذى يركع للظالم مستكينا خاضعا فيشجّع الظالم على أن يركبه وأن يعذّبه..
لو إنتفض المظلوم لكرامته إنتهى الظلم . هذا المظلوم الظالم لنفسه هو السبب الأساس فى قيام الظلم واستمرار الظلم . هذا الشعب السّاكت عن الحق الراضى بالظلم العاجز عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو الذى يخلق من داخله فرعونا . وبعونه جل وعلا سننشر حلقات عن (صناعة الفرعون ) بعد هذا الكتاب ، فمصر والمنطقة العربية تتأهب الآن لصناعة فرعون وهابى بعد خيبة الربيع العربى .!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.