«دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    الخارجية السورية تكشف تفاصيل الاجتماع الثلاثي واعتماد خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء    مبابي يقود ريال مدريد للفوز على مارسيليا في دوري أبطال أوروبا (فيديو)    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    نتائج مباريات أمس الثلاثاء والقنوات الناقلة    "فأل حسن".. ماذا قدم الزمالك بحضور الصافرة التحكيمية لأمين عمر؟    صاحبه ولع فيه بالبنزين.. مصرع سائق توكتوك حرقًا في ههيا بالشرقية    حرق من الدرجة الثانية.. إصابة شاب بصعق كهربائي في أبو صوير بالإسماعيلية    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    زيارة صرف الأنظار، ترامب يصل إلى بريطانيا ومراسم استقبال ملكية في انتظاره    ارتفاع جديد ب 340 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025 بالصاغة    موعد إعلان نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025 رسميا بعد انتهاء التسجيل (رابط الاستعلام)    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    بعد تضخم ثروته بالبنوك، قرار جديد ضد "مستريح البيض والمزارع"    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    مصرع وإصابة 3 شبان بحادث تصادم في محافظة البحيرة    90.6 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    تدريبات فنية خاصة بمران الزمالك في إطار الاستعداد لمباراة الإسماعيلي    نائب رئيس جامعة الأزهر يعلن موعد نتيجة التنسيق (فيديو)    مروان خوري وآدم ومحمد فضل شاكر في حفل واحد بجدة، غدا    أعراض مسمار الكعب وأسباب الإصابة به    4 أيام عطلة في سبتمبر.. موعد الإجازة الرسمية المقبلة للقطاع العام والخاص (تفاصيل)    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    ما زال الحبل السري متصلا بها.. أنثى حوت أوركا تحاول إنعاش طفلها الميت (فيديو)    رئيس أركان جيش الاحتلال ل نتنياهو: القوات تعمّق الآن «إنجازًا» سيقرب نهاية الحرب    كاراباك يصعق بنفيكا بثلاثية تاريخية في عقر داره بدوري الأبطال    موعد مباريات اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. إنفوجراف    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    مواليد 4 تواريخ «عندهم قدرة على التنبؤ».. يتمتعون بالبصيرة ويقرأون الأحداث مسبقًا    وفاة اللواء خالد العزازى مستشار رئيس هيئة قناة السويس للإعلام والعلاقات العامة    يوفنتوس يتعادل 4-4 مع دورتموند في أجمل مباريات دوري أبطال أوروبا    فرنسا تدين توسيع العملية الإسرائيلية بغزة وتدعو إلى وضع حد للحملة التدميرية    ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 108 خلال هجمات الاحتلال اليوم    وزير الري: ندرة المياه لا تسمح بزراعة الصحراء بالقمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي    داليا عبد الرحيم تكتب: ثلاث ساعات في حضرة رئيس الوزراء    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شاب طافية بنهر النيل في الوراق    ضبط ومصادرة 2 طن طحينة بمصنع بدون ترخيص بالمنيرة    الحماية المدنية تخمد حريق منزل في سرابيوم بالإسماعيلية    ننشر خريطة موعد بدء الدراسة للتعليم الابتدائي بمدارس الفيوم تدريجيًا.. صور    على باب الوزير    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: النيل مسألة وجودية لمصر    فلسطين.. قوات الاحتلال تعتقل من بلدة دير أبو ضعيف    وزير الدفاع السعودي وقائد القيادة المركزية الأمريكية يبحثان تعزيز التعاون الدفاعي    مي عز الدين تهنئ محمد إمام بعيد ميلاده: «خفة دم الكون»    قبول الآخر.. معركة الإنسان التي لم ينتصر فيها بعد!    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    يوفنتوس ينتزع تعادلًا دراماتيكيًا من دورتموند في ليلة الأهداف الثمانية بدوري الأبطال    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    حتى لا تعتمد على الأدوية.. أطعمة فعالة لعلاج التهاب المرارة    يؤثر على النمو والسر في النظام الغذائي.. أسباب ارتفاع ضغط الدم عن الأطفال    ليست كلها سيئة.. تفاعلات تحدث للجسم عند شرب الشاي بعد تناول الطعام    مهرجان الجونة يكشف عن برنامج مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالدورة الثامنة    أمين الفتوى يوضح حكم استخدام الروبوت في غسل الموتى وشروط من يقوم بالتغسيل    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تحريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي الاستبداد والتفرق


كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثانيا تأصيل المعروف والمنكر قرآنيا :
من تحريف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى الاستبداد والتفرق
أوّلا :الاستبداد يؤدى الى التفرق والاختلاف ونفى الآخر
1 بالاستبداد يتحول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى تسلط جهاز الحكم على الناس يخضعهم ويقهرهم ويتدخل فى حرياتهم الشخصية والدينية . والأصل أن الأمر بالمعروف لا يمكن تطبيقه إسلاميا وقرآنيا إلا فى ظل دولة إسلامية حقيقية ، أى دولة مؤسسة على الشورى أو الديمقراطية المباشرة والمساواة بين الناس ، وتفاعل الناس جميعا فى إقامة القسط وفى حضور مجالس الشورى ، وبالتالى يدخل فى تفاعلهم التواصى بالحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وحلّ الخلافات سلميا بالتفاهم وبالعدل .
وطالما تتساوى الرءوس ولا يعلو أحد على أحد وطالما يقام العدل والقسط وتتاح الحرية الدينية المطلقة فى الدين وتتاح الحرية المطلقة فى المعارضة السياسية السلمية وحرية الرأى والفكر فلا مجال حينئذ لتفاقم النزاع والاختلاف . ينشأ الخلاف والشقاق عندما يتحكم فرد أو مجموعة فى بقية المجتمع فلا بد أن يعارضه بعض الناس ، فيقابل المستبد هذه المعارضة بالقهرليمنعها القهر من الظهور، ولكن لا يلبث أن تظهر وتتطوّر وقد تستعرّ حربا مسلحة.
2 والمستبد لكى يحمى نفسه مقدما لا يقتصر فقط على إرهاب الناس وتخويفهم بالتعذيب ولكن يوجّه سياسته نحو تقسيم الأمة دينيا ومذهبيا وعنصريا ، ويستأسد بكل قوته على الطائفة الضعيفة ويجعلها عدوة للأكثرية من المجتمع ،ممّا يتيح له إستعداء وتسليط معظم الشعب على أولئك الضعاف، فيحتاج الجانب الضعيف للاستنجاد بالمستبد ليحميه، ويحتاج اليه الجانب المعتدى لينجو من العقوبة ، وبهذا يشغلهم المستبد بالفتن فيما بينهم،فيعيشون فى رعب ويعيش هو فى أمن متسيدا عليهم جميعا. فرعون استعمل هذه السياسة وعلا بها فى الأرض:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )(القصص 4) . وإتّبع المخلوع حسنى مبارك هذه السياسة ، فاضطهد الأقباط والشيعة والبهائيين والقرآنيين ، وسلّط عليهم المتطرفين ، كما سلّط عليهم أجهزته الأمنية والإعلامية والقضائية.
هنا تتحوّل هذه الأقليات الى منكر يجب إزالته أوطرده لو أمكن . وقد تعرض لهذا أهل القرآن والبهائيون وبعض الأقباط . المتطرفون يجعلون المعروف فى إقصاء الآخر المختلف معهم . ويتحدون مع المستبد ضد هذا الآخر ليكتسبوا نفوذا يريدون تطويره،بينما يستخدمهم المستبد فى إرهاب الأقليات وشغلهم عنه مؤقتا بهذه الإجرام . وفى كل هذا يصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا بالتطبيق دون حاجة الى تقعيد .
ثانيا : صلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بوحدة الأمة وعدم تفرقها
1 نتكلم هنا عن الاسلام وفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيه ودورها فى منع تفرق الأمة فى دولة الاسلام المدنية الحقوقية الديمقراطية الشورية .
2 يلفت النظر أن الآية (103) من سورة (آل عمران ) تأمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا وتنهاهم عن التفرق :(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(103)، بعدها جاءت آية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) ثم بعدها جاء أيضا النهى عن التفرق والاختلاف :(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105). أى إن فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام محاطة بالأمر بالاعتصام بحبل الله والنهى عن عدم التفرق ،أى إن الأمر بالمعروف يبدأ بالأمر بالاعتصام بحبل الله جميعا ، وأن النهى عن المنكر يبدأ بالنهى عن التفرق والاختلاف .
3 والسؤال هنا عن موضوع الاعتصام بحبل الله المأمور به ، وموضوع التفرق والاختلاف المنهى عنه؛ هل هو الاتفاق فى العقيدة أى فى (الاسلام) بمعناه العقيدى القلبى (لا إله إلا الله ) أم هو (الاسلام) بمعناه السلوكى الظاهرى وهو السلام ؟ هل هو (الايمان القلبى) بالله وحده لا شريك له أم هو (الايمان )السلوكى بمعنى الأمن والأمان للجميع ؟ هل هو فرض عقيدة ( لا اله إلا الله) على الجميع ؟أم هو (لا إكراه فى الدين)وترك الحكم فى الخلاف فى (الدين) الى الله جل وعلا (يوم الدين ) ليحكم جل وعلا بين الناس فيما هم فيه مختلفون؟، وأن نعيش فى هذه الدنيا مسالمين وأخوة متعاونين ؟.
4 قلنا كثيرا إنّ معنى الاسلام الظاهرى السلوكى هو السلام والمسالمة ، وأى فرد مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته . و لنا ان نحكم عليه لأنه سلوك ظاهر مرئى .أما الاسلام القلبى بمعنى الانقياد واسلام الوجه والجوارح لله جل وعلا وحده فمرجعه الى جل وعلا يحكم فيه بين البشر فيما هم فيه مختلفون ، حيث سيكون الفائز يوم القيامة هو من يجمع بين الاسلام الظاهرى والاسلام الباطنى . وللإيمان نفس المعنيين : إيمان ظاهرى بمعنى أن تكون مأمون الجانب ، وإيمان قلبى بالله جل وعلا وحده لا شريك له كما نصّت عليه آية ( أمن الرسول ) فى سورة البقرة.والمؤمن الفائز هو من يجمع بين الايمان الظاهرى والايمان القلبى .ولنا الحكم على الظاهر وهو السلوك المسالم الآمن المأمون .
وقلنا إن الشرك والكفر مترادفان:(التوبة 1 : 3 ، 17)(الزمر1 : 3)(غافر 42).وأنهما معا ينقسمان الى:كفر أوشرك سلوكى بالعدوان:(التوبة:10،12،13)(البقرة 190، 286)(الحج 38 : 40) ولأنه كفر بالسلوك فلو تخلى عن العدوان سقط عنه الاتهام بالكفر:(الأنفال 38 : 39)(البقرة 192 ، 193 )(التوبة 5 ،11 )(الممتحنة 2 ، 9). ثم :شرك أوكفر فى العقيدة:قد يكون صاحبه مسالما لا يعتدى فيجب التعامل معه بالبر والقسط (الممتحنة 8 ). وقد يجتمع الكفر أو الشرك العقيدى بالسلوكى ، وهو الذى ساد فى قريش حين اضطهدت المسلمين واخرجتهم من ديارهم، تكذيبا بالقرآن:( الممتنحنة 1 ). وعلى سنتهم يسير الوهابيون .
5 وأسّس خاتم المرسلين عليهم جميعا السلام فى المدينة دولة إسلامية تسير بالعدل والقسط والمساواة والشورى والتفاعل فى الخير . وفى الدولة الاسلامية فإن كل الأفراد مؤمنون طبقا للإيمان الظاهرى،وهم مسلمون مسالمون بالاسلام السلوكى الظاهرى ، وهم جميعا مأمورون بالتمسك بالسلام الظاهرى السلوكى:(يَاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة 208)، أى أنهم مأمورون بالاعتصام بحبل الله الذى هو السلام والقسط وعدم الاكراه فى الدين. وتحيتهم فى الدنيا (السلام عليكم) وفى الآخرة لو دخلوا الجنة تحيتهم فيها سلام :(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)( يونس 9 : 10) .
6 أى إن قوله جل وعلا:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) مقصود به الاسلام الظاهرى أى إلتزام السلام بين أفراد المجتمع أو المواطنين فى داخل الدولة ، بدليل أن بقية الآية تتكلم عن سلوك عدوانى ظاهرى كان موجودا قبل ذلك فانمحى، فقد كانوا من قبل أعداء متشاكسين فأصبحوا داخل دولة الاسلام أخوة متآلفين :(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً(103).
7 أما الاسلام القلبى أو الهداية للحق فليس من مسئولية الدولة إدخال الناس الى الجنة ، فهى مسئولية فردية ، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه . إن مسئولية الدولة هى توفير الأمن والسلام والعدل والحرية للأفراد ، ثم كل منهم يكون مسئولا أمام الله جل وعلا يوم الدين عن إختياره الدينى والعقيدى فى الايمان القلبى أو الكفر القلبى والعبادات . والى أن يأتى يوم القيامة فأمامهم متسع فى هذه الحياة الدنيا ليعيشوا فى سلام مع إختلاف عقائدهم .
8 والحرية فى الدين هى التى تضمن هذا السلام . ومن حرية الدين حرية الدعوة الى الحق أو الى الباطل ، وحرية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وحرية الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف . وقد تنافس المؤمنون والمنافقون فى دولة الاسلام فى المدينة فى هذا المجال ، فكان المنافقون والمنافقات يوالى بعضهم بعضا فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف، وكان المؤمنون والمؤمنات يوالى بعضهم بعضا فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) َ(التوبة 67 ، 71 ). وكفلت دولة الاسلام للمنافقين الحدّ الأقصى من حرية الدين والمعتقد وحرية المعارضة بالقول والحركة حتى حرية التآمر وحرية التقاضى خارج نطاق الدولة . كل ذلك مسموح به طالما يدور فى إطار العمل السلمى بلا لجوء الى السلاح . ولهذا لم تحدث حركات تمرد داخل دولة الاسلام فى عهد خاتم النبيين . كان الاختلاف الدينى والسياسى قائما ومحتدما ، ولكن جرى ترشيده بالحرية المطلقة فى الدين وفى العبادة وفى المعارضة السياسية ، وبالتزام العدل والاحسان .
9 فى هذا الجو أثمرت دعوة المؤمنين للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وفشلت دعوة المنافقين للأمر بالمنكر والنهى عن المعروف . وهى حقيقة لا جدال فيها : أن الحق يفوز فى وجود الحرية الدينية ولا يحتاج إلّا إلى مجرد التعريف به ، ومجرد التعريف به ينعش العقل ويحفزه للتفكير . أمّا الباطل فهو محتاج الى سلطة تجبر الناس على الايمان به ، وتخيفهم من نقده ومناقشته . ولذلك فقد انتشرت دعوة الاسلام بالقرآن فقط خارج المدينة ، واستطاع القرآن بحجته القوية إقناع العرب بعبثية تقديس الموتى والأصنام والأنصاب فدخلوا فى دين الله أفواجا ، حتى إضطروا قريش والأمويين الى الدخول فى الاسلام حتى لا تسبقهم الأحداث وتتجاوزهم.
10 ومع هذا فلقد تلاشت بالتدريج دولة الاسلام بفعل السياسة . بدأ الأمر ببيعة السقيفة وتعيين حاكم يعلو على الناس يبايعه الناس على السمع والطاعة المطلقة ، ثم دخل الصحابة فى الفتوحات والفتنة الكبرى فتأكّد التناقض بنهم وبين الاسلام ، وتلاشت معالم الشورى والديمقراطية لتتحول الى حكم وراثى استبدادى عسكرى قبلى ( نسبة للقبيلة ) فى الدولة الأموية ، ثم تحولت الى دولة دينية كهنوتية فى الخلافة العباسية. وعلى هامش ذلك كله انتشرت النزاعات والانشقاقات وقامت الأحزاب سياسية فى البداية ، ثم تحولت الى تعزيز موقفها دينيا فتولدت مبكرا أديان أرضية للمسلمين ، وحدث ما حذّر ب العزة منه ، وهو التفرّق فى الدين بعد الصراع الحربى السياسى . لقد قال رب العزة فى الوصية الأخيرة من الوصايا العشر : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)( الأنعام 153 ). أى أمر بالتمسك بالقرآن وحده ونهى عن إتباع الأحاديث لأنها تقوم على التفرق والاختلاف والمذاهب ..وهذا ما حدث فعلا ( شفويا ) فى الفتنة الكبرى والعصر الأموى ، ثم تمت كتابته فى العصرين العباسى والمملوكى حيث ظلّوا يؤلفون الأحاديث وينسبونها للنبى بعد موته بقرون. وقد أعلن رب العزة مقدما براءة خاتم النبيين من هؤلاء الذين سيصنعون أحاديث ينسبونها لخاتم النبيين بعد موته وتجعلهم تلك الأحاديث المصنوعة يختلفون فى دينهم ، فقال جل وعلا فى نفس سورة الأنعام المكية:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)( الأنعام 159)، وقال جل وعلا أيضا للمؤمنين فى سورة مكية أخرى :( وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )( الروم 30 : 32 ). أى إن الاختلافات السياسية الناتجة عن الاستبداد والفساد تتحول الى أحزاب متصارعة وطوائف متحاربة ، وينتهى بهم الاختلاف السياسى الى كفر وتفرق فى الدين . وهذا هو موجز تاريخ المسلمين . فلا عجب حينئذ تحول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى سوط عذاب يتسلط به الظالمون على ظهور الناس.!!
أخيرا
الظالمون نوعان : نوع إيجابى يمارس الظلم أو يؤيد الظالم ويقنّن له الظلم ، ونوع سلبى هو ذلك المظلوم الذى يركع للظالم مستكينا خاضعا فيشجّع الظالم على أن يركبه وأن يعذّبه..
لو إنتفض المظلوم لكرامته إنتهى الظلم . هذا المظلوم الظالم لنفسه هو السبب الأساس فى قيام الظلم واستمرار الظلم . هذا الشعب السّاكت عن الحق الراضى بالظلم العاجز عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو الذى يخلق من داخله فرعونا . وبعونه جل وعلا سننشر حلقات عن (صناعة الفرعون ) بعد هذا الكتاب ، فمصر والمنطقة العربية تتأهب الآن لصناعة فرعون وهابى بعد خيبة الربيع العربى .!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.