قال فضيلة الشيخ يحيي عبد المعين غنيمي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ردا على حلقة عمرو أديب الذي تناول فيها الأمر بالمعروف إنه خلط بين الأمر وبين تنفيذه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضرب من ضروب الجهاد في سبيل الله عز وجل وهو أحد سبل نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وسوء الأخلاق في المجتمع المسلم وهو فرض على كل مسلم حسب طاقته وهو صمام أمان للمجتمع وعاصم له من الوقوع في المحرمات التى نهي الله سبحانه وتعالي عنها وتوعد أصحاب الذنوب والمعاصي وتوعد أيضا من لم ينههم عن ولوغها والوقوع فيها بجانب كون هذه الشعيرة العظيمة من أهم العواصم من الفتن والقلاقل التى تهدد المجتمع فهي ليست مختصة بمواجهة فاعلي المنكرات والشهوات الظاهرة وإنما يتعدي أختصاصها ذلك لمواجهة الأفكار المنحرفة والتصرفات المتطرفة التى قد تصدر من مشوهي العقول سواء كانوا ذات اليمين حيث الأفكار التفجيرية والتكفيرية التى تهدد أمن الناس واستقرار أمرهم. أم ذات الشمال حيث الأفكار التحريرية المنفلته من الدين وتبيح زواج المثليين والمتع الحرام التى تؤثر سلبا في حياة الناس وتبعدهم عن دينهم وشريعة ربهم بل وتشتت أسرهم الأمر الذي يجعلهم فاسقين ويستحقوا العقوبة التى ربما تشملهم في الحياة الدنيا قبل الآخرة بزعزعة أمنهم فيها وزوال نعمتهم وفي ضوء ذلك فأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له فعالياته في القضاء على الكثير من الأمراض التى تهدد أمن وسلامة المجتمع. وفي الحد من الكثير من الأمراض المجتمعية الخطيرة التى حيرت المفكرين والمصلحين لأيجاد حل لها.
أن القائمين الحق على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يسلموا من محاولات العبث والتشويه المتعمدة من جانب البعض الذين يقلقهم قمع الباطل وأهله ودحر الشهوات لأن هؤلاء المعارضين للأمر بالمعروف في بلاد الإسلام والأنحلال والتفلت من القيم يسعون لنشر مبادئ الحرية المطلقة العارية عن كل قيد شرعي واتخذوا من المسلك الخاطئ الذي ينتهجه البعض سبباً لأنكار التكليف بالأمر بالمعروف كلية.
والجدير بالذكر أن الفوضي والأضطراب في المجتمعات جاءت حينما استبدلت الذي هو أدني بالذي هو خير واستباحت المحرمات من الزنا والخمر والميسر واظهار المفاتن حيث أبعدت الشريعة عن الوجود والحكم فلم تعد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذات جدوي وشاعت الفوضي وظهر التخبط والأنحلال والفجور ولم يعد هناك من يأخذ على يد الظالم ولا من يحث العاصي عن منعه من مزاولته عصيانه فزالت خيرة الأمة التى هي رهن بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي مناط قول الله تعالي " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".
وليست مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعلقة برقاب أناس معينين وإنما يمتد الواجب الكفائي للأمر والنهي إلي كل مسلم على وجه الأرض حسب طاقته فمن رأي منكم منكرا فليغيره كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه". وسئل ابن مسعود منّ ميّت الاحياء قال الذي لا ينكر منكر".
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله " من لم يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر سلط الله عليه من يأمره وينهاه بما يضاد الشريعة".
ويقول الحسن البصري " مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر وإلا كنتم موعظة لغيركم". وقول الله في حق المؤمنين " والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".
وقال تعالي " والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف". وقال الله في حق رسوله "ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" وقال سيدنا لقمان وهو يوصي أبنه " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأصبر على ما أًصابك أن ذلك من عزم الأمور". ربما يقول البعض بوجوب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ينتج عن ذلك من ضلال الآخرين لا يضرنا مادمنا نؤدي شعائر ديننا ونقوم بما أوجبه علينا ويستدلون على ذلك بقوله سبحانه وتعالي " يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم إلي الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعلمون" وهذا الفهم مردود عليه فقد أجاب عنها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قال أيها الناس أنكم تقرأون هذه الآية وأنكم تضعونها على غير موضعها وأني أيها الناس سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "إن الناس إذا رأو المنكر ولا يغيروه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه" رواه الامام أحمد.
فهذا يدل على بطلان الاستدلال بهذا الدليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاقتصار على النفس حسب دعوة عمرو أديب أنه إذا قابله أحد ووجه له النصح سيصيح فيه ( أنت مين).
ولقد جاء في كتاب التوابين لأبن قدامة أن بني اسرائيل قد أصابهم القحط والفقر والجفاف جاءوا إلي نبي الله موسي وقالوا له يا نبي الله أدعوا الله لنا أن يسقينا الغيث وفقام معهم وخرج إلي الصحراء ومعه سبعون ألفا أو يزيدون فقال اللهم اسقنا الغيث وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالاطفال الرضع والشيوخ الركع والبهائم الرتع فما ازدادت السماء إلا تقشعا وزادت حرارة الشمس وذهب السحاب فقال سيدنا موسي يارب استسقيناك ولم تسقنا فقال الله عزو وجل يا موسي أن فيكم عبدا يبازني بالمعصية منذ أربعين عاما فمره أن يخرج من بين أظهركم فبشؤم ذنبه منعتم القطر من السماء قال يا رب عبد ضعيف وصوتي ضعيف أين يبلغ وهم سبعون ألفا أو يزيدون فأوحي الله إليه منك النداء وعلينا البلاغ فقال سيدنا موسي يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية منذ أربعين عاما أخرج من بين أظهرنا فبشؤم ذنبك منعنا القطر من السماء فيوحي الله عز وجل إلي سيدنا موسي أن العبد تلفت يمينا وشمالا فلم يخرج أحد فعلم أنه المقصود بالنداء فقال العبد في نفسه إن خرجت استضحت على رؤوس بني إسرائيل وأن بقيت هلكت وهلكوا الجميع بالقحط والجدب فما كان منه إلا أن قال يا رب عصيتك أربعين وأمهلتني واليوم أقبلت إليك طائعا نادما تائبا فاقبلني واسترني بين الخلق يا أكرم الأكرمين فاستجاب الله توبته فعلت السماء سحابة بيضاء فأمطرت مطرا غزيرا فقال موسي لربه يارب سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد فقال سبحانه وتعالي يا موسي سقيتكم من بالذي منعتكم به فقال سيدنا موسي يا رب أرني العبد التائب النادم قال عز وجل يا موسي لم أكن لأفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني. ويبقي السؤال إذا منع الله الغيث عن رسوله موسي عليه السلام ومن معه ولم يستجب لدعائهم لوجود فرد واحد يجاهر الله بالمعصية فما الذي سيفعله الله مع مصر وفيها مثل عمرو أديب كثيرون يجاهرون بالمعصية إلي درجة أن أديب قال في برنامجه " اللي هيكلمني هقول له مين أنت أنا دماغي توزن بلد" ورفض فكرة وجود الأمر بالمعروف كليةٍ وقد يقول قائل أن عمرو خلط بين التكليف من الله بالأمر بالمعروف وبين خطأ بعض الأشخاص في تنفيذه ذلك لأن هذا مردود عليه بأن عمرو كان بوسعه أن يبين ذلك وهو ما لم يفعله فهل ما نحن فيه من ضيم هو بسبب أمثال عمرو أديب. وفي النهاية ندعو الله لهم ولنا جميعا بالهداية.