كان عام 4591 هو عام الصراعات في مصر.. حيث احتدم الصراع داخل الإخوان.. وكان وقوده عبد القادر عودة ممثلًا للهضيبي وجناحه.. وصالح عشماوي ممثلًا للقيادات التاريخية للإخوان مؤسس الجهاز السري وقائده عبد الرحمن السندي.. ثم كان الصراع بين الإخوان وقادة ثورة 32 يوليو 2591.. أما الصراع الثالث -إن جاز التعبير- فكان داخل الثورة نفسها.. بين محمد نجيب من ناحية وجمال عبد الناصر ومجموعة الضباط الشبان أعضاء مجلس قيادة الثورة.. وكان واضحًا أن الهضيبي وفريقه وعلي رأسه عبد القادر عودة يغذون ذلك الصراع داخل الثورة ويؤيدون محمد نجيب ويدفعونه لاتخاذ مواقف حادة من الآخرين.. رغم عمليات المداهنة التي قام بها ذلك الفريق لحضوم نجيب.. وللحد الذي قال فيه الهضيبي لجمال عبد الناصر في اجتماع ودي حضره الكثير من الضباط والإخوان: إذا شعرت بقلق من الإخوان فتفضل بإبلاغي.. ووقتها سوف أسلمك مفتاح المركز العام للإخوان.. حتي تغلقه بيدك.. وينتهي قلقك.. أما الفريق الآخر.. فريق صالح عشماوي وعبد الرحمن السندي والبهي الخولي.. وأنصارهم فكانوا مؤيدين لجمال عبد الناصر ومجموعة الضباط أعضاء مجلس القيادة.. وفي هذه الأثناء زار الملك سعود مصر ل'تهدئة النفوس' والوساطة بين الأطراف المتنازعة.. فيما سمي بأزمة مارس 4591.. وصرح عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية وقتها لجريدة 'المصري' الوفدية يوم 52 مارس 4591 بأن الملك سعود تكلم مع عبد الناصر وقال له: إن مصر وهي زعيمة الدول العربية والإسلامية لا يجدر أن يكون الإخوان فيها في المعتقلات ولا يباشرون نشاطهم في الدعوة الإسلامية.. واستجابة لهذه الوساطة، ولظروف أخري متعددة.. أفرجت الداخلية عن الهضيبي والإخوان.. وألغي قرار الحل.. في ظل انتهاء أزمة مارس بانتصار تيار عبد الناصر.. وقرار مجلس قيادة الثورة بأن يأخذ علي عاتقه مسئولية الحكم كاملة، وكان أول قراراته حظر التظاهر.. وعاد الهدوء الظاهري المشوب بالحذر بين الثورة والإخوان الذين وعد قادتهم ب'حسن التصرف.. والجنوح للسلبية.. والابتعاد عن الاشتراك في أي مظاهرة معادية لمجلس قيادة الثورة'.. ونبحث عن عبد القادر عودة في ذلك الخضم فلا نجده.. نسمع به فقط قائدًا للمظاهرة الكبري المؤيدة لعودة نجيب والمنددة بديكتاتورية عبد الناصر.. ومجلس القيادة والداعية لاعتقالهم ومحاكمتهم.. ثم نسمع به في الاعتقال.. والإيذاء.. ولا شيء أكثر من ذلك.. لم نسمع به في المواقف الأساسية.. ولم يظهر له دور في الأحداث المهمة.. وكأن كل علاقته -الحديثة- بالإخوان.. كانت علاقة بالمستشار حسن الهضيبي المرشد العام.. يوجهه فينفذ.. يوحي إليه.. فيتحرك.. وقد استغلوا فيه اندفاعًا ورعونة وجلدًا وقوة تحمل.. ربما.. فعندما قررت الثورة تشكيل حكومة برئاسة محمد نجيب بدلًا من علي ماهر.. خصصت للإخوان وزيرين.. ورشح الهضيبي للوزارتين الشيخ الباقوري وأحمد حسني وكيل وزارة العدل في 7 سبتمبر 2591، ولم يرشح رجله الوفي عبد القادر عودة.. وبعد ساعات 'جاء لمبني القيادة حسن العشماوي ومنير الدلة ممثلين للإخوان -بعد التعديل- في الوزارة' ولم يظهر -للمرة الثانية- اسم عبد القادر عودة.. وعندما بدأت العلاقات السرية مع الإنجليز، والمفاوضات من وراء ظهر الحكومة ابتداء من مايو 3591، قام بالمهمة حسن العشماوي، ومنير الدلة، وصالح أبو رفيق.. ثم حسن الهضيبي.. وأيضًا لم يظهر اسم عبد القادر عودة.. وعندما تشكلت لجنة الاتصال بالحكومة من الإخوان.. للإسراع بإزالة أي التباس.. لم يكن عبد القادر عودة عضوًا فيها.. وقد عاد اسمه للظهور مع المشاكل والصدامات.. يقول حسن دوح في مذكراته: إنه بعد تدخل الملك سعود.. والإفراج.. انهمك الإخوان يعدون عدتهم للمواجهة الحاسمة مع عبد الناصر.. فاستعادت الأجهزة السرية تشكيلاتها وتنظيماتها.. وهنا عاد اسم عبد القادر عودة للظهور.. بعد أن قرر الهضيبي شنَّ حملة ضارية علي اتفاقية الجلاء التي بدأت تتضح خطوطها الأساسية.. من خلال المفاوضات التي أدراها بحنكة جمال عبد الناصر.. وكان هدف الهضيبي وإخوانه أن يحرم عبد الناصر من هذا الشرف التاريخي.. وألا ينجح فيما فشلت فيه كل الزعامات المصرية علي مدي أكثر من سبعين عامًا.. وتتحرر مصر من الاحتلال الإنجليزي علي يديه.. وساعتها.. ووسط حماقات.. ومؤامرات.. وأنواع من البغض اللئيم.. احتاج الهضيبي ومكتب إرشاده لضحية حمقهم وتآمرهم.. عبد القادر عودة.. وتم تكليفه بتناول اتفاقية الجلاء التي وقعها عبد الناصر.. تناولًا قانونيًا.. وصرخ سيد قطب في الاجتماع ببيانه الحاد 'هذه الاتفاقية لن تمر' ووافق المجتمعون علي إصدار البيان.. وكان المعني والهدف واضحين أمام عبد القادر عودة الذي اندفع -كعادته- وأعد دراسته علي عجل لترضي الهضيبي ومكتب إرشاده.. ولتؤكد -بالقانون- للعيان 'ما تجري الاتفاقية علي البلاد من استبقاء الاحتلال البريطاني مُقَنَّعًا مع منحة حسنة الاعتراف والشرعية'.. ومن جديد اشتعل الصراع بين الثورة والإخوان.. حول 'مشروع اتفاقية الجلاء' ونشرت صحف في الخارج والداخل هجوم الهضيبي علي الثورة ومشروع الاتفاقية.. وبدأت الحكومة حملتها العنيفة لتنفيذ هجوم المرشد علي الاتفاقية وكشفت عن مفاوضاته السرية مع الإنجليز ورغبته في توقيع معاهدة 'سرية' تتنازل فيها عن الكثير من حقوق مصر.. ثم قطع عبد الناصر خط الرجعة علي الإخوان وهجومهم الضاري علي الاتفاقية المستند إلي دراسة عبد القادر عودة.. ووقع علي 'معاهدة الجلاء' في 91 أكتوبر 4591.. وهنا لم يجد الإخوان بُدًّا من العمل.. وبطريقتهم الخاصة جدًا.. وما زلنا مع عبد القادر عودة.. ومحيطه الإخواني