أعلنت الثورة قانون الاصلاح الزراعي في 9 سبتمبر 1952 أي بعد 46 يوما من قيام ثورة 23 يوليو.. ونص القانون علي الحد الأقصي للملكية بمائتي فدان.. واعترض الهضيبي الذي لم يكن له ولجماعته دور في الثورة أكثر من التأييد المعنوي.. ومشاركة عدد محدود من الضباط في التحركات.. كضباط.. وليسوا كأعضاء في الإخوان.. وطالب بأن يرتفع الحد الأقصي إلي خمسمائة فدان.. وصمم عبد الناصر علي مائتي فدان فقط.. فطالب الهضيبي عبد الناصر كشرط لاستمرار تأييد الإخوان للثورة بأن تعرض عليه قراراتها قبل إصدارها.. ورفض عبد الناصر مؤكدا أن الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها.. وهي لن تقبل أن توضع تحت وصاية أحد.. وتقدم الهضيبي خطوة فطالب عبد الناصر بتطبيق أحكام القرآن الكريم فقال له عبد الناصر إن الثورة قامت حربا علي الظلم والاستبداد السياسي والاجتماعي والاستعمار البريطاني.. وهي بذلك تطبق أحكام القرآن.. ولم يرض ذلك المرشد وطالب بقانون يفرض الحجاب ويغلق دور السينما والمسرح.. فاعتذر عبد الناصر لأن هذه المطالب لا طاقة لنا بها.. فصمم الهضيبي علي رأيه فذكره عبد الناصر بابنته طالبة الطب التي تذهب إلي كليتها سافرة.. وإذا كان هو غير قادر علي فرض الحجاب علي ابنته فكيف يطلب منه فرض الحجاب علي الدولة كلها. وبدأت التحرشات.. كان الهضيبي يعتقد أنه تخلص من السندي وجهازه السري.. وأنه شكل جهازا سريا يأتمر بأمره.. وقد قرر الإخوان التوسع في التجنيد للجهاز السري الجديد، خاصة بين ضباط الجيش والشرطة.. وراودهم القيام بانقلاب لصالح محمد نجيب.. وتجرأ سكرتير عام الإخوان فأعلن أنهم يحددون موقفهم من الثورة علي أسس ثلاثة: إما أن تعلن السلطة قيام دولة الإسلام فنعلن ولاءنا لها، ونذيب وجودنا في وجودها. وإما أن تتابع الخطوات الاسلامية تحت أسماء وعناوين اصلاحية.. وحينئذ نلتزم بتأييد الحكم.. مع استمرار تشكيلاتنا لاتمام الرسالة!! وإما أن تكتفي بالناحية السلبية، فتلتزم السلبية نحوها.. فإن أبت السلطة ذلك واستأنفت حملاتها في التنكيل بأهل الدعوة.. فنكون مضطرين إلي الدفاع عن أنفسنا.. كان عبد الناصر يتعامل مع الإخوان بصبر يصعب احتماله.. فقد صبر عليهم عندما اختلفوا علي من يمثلهم في وزارة الثورة.. وما أحاط بذلك من مشاكل.. ثم صبر عليهم.. عندما تقرر حل الأحزاب والإبقاء عليهم كهيئة ثم صبر عليهم عندما أعلنوا عن رفضهم لاتفاقية الجلاء.. وبدء اتصالهم بالانجليز وفتح قنوات سرية للتفاوض.. ولخص أحمد حمروش حقيقة العلاقات التي سادت بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة في الفترة من 23 يوليو 1952 وحتي يناير 1954، وهي علاقات تراوحت بين التعاون المحسوب والمواجهة المحسوبة.. وكانت تخفي خلفها حربا مستترة غير معلنة. كان الهضيبي وأعوانه يفاخرون بجهازهم السري الجديد.. ثم بقدرتهم علي إنهاء الجهاز السري القديم الذي كان يرأسه السندي الذي لم يحتمله المرشد الجديد لأكثر من عامين وشهر واحد.. فقد عين مرشدا في 17/1/1951 وتخلص من السندي في 23/11/1953.. وقد قام ذلك الجهاز الجديد بهجوم ضار استخدمت فيه الأسلحة النارية والقنابل وحرق السيارات.. وكان هدف العملية أعضاء هيئة التحرير أول الأجهزة التي أنشأتها الثورة.. وكان اليوم 12 يناير 1954 مخصصا للاحتفال بذكري شهداء الجامعة في معارك القناة.. وبعدها بيومين وبالتحديد في 14 يناير 1954 صدر قرار مجلس قيادة الثورة باعتبار جماعة الإخوان حزبا سياسيا ينطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بإلغاء الأحزاب. وتعرض القرار إلي محاولات الإخوان اختراق الجيش والداخلية لتشكيل وحدات تحت إشراف المرشد مباشرة.. وتشكيل جهاز سري جديد بعد حل الجهاز السري الذي كان يشرف عليه عبد الرحمن السندي منذ أيام حسن البنا.. كما أشار إلي المفاوضات السرية مع السفارة البريطانية.. وصاحب ذلك اعتقال الهضيبي و450 عضوا بالجماعة.. وأودعوا السجن الحربي.. وتدخل الملك سعود وقام بزيارة لمصر حتي يقوم مجلس قيادة الثورة بالافراج عنهم.. وعادت العلاقات بين الثورة والإخوان إلي حالة الهدوء المشوب بالحذر.. كان الهضيبي وجماعته يدفعون الظروف باتجاه الصدام مع الثورة.. ربما لأنهم كانوا مفتونون بالجهاز السري الذي أسسوه.. وتوسعوا فيه.. وجعلوا علي رأسه يوسف طلعت.. الذي قرر أن يجرب حظه.. وكفاءته.. وجهازه.. وفي المساء 26 أكتوبر 1954 بينما كان جمال عبد الناصر يلقي خطابًا أمام حشد كبير من المواطنين في ميدان المنشية بالاسكندرية متحدثا عن كفاح مصر الوطني معلنا تتويج هذا الكفاح باتفاقية الجلاء.. أطلق عليه محمود عبد اللطيف وهو سمكري بامبابة وعضو الجهاز السري الجديد للإخوان ثماني رصاصات.. تنفيذًا لقرار اتخذته قيادة الجهاز السري للإخوان باغتيال عبد الناصر.. وأصابت الرصاصات عددا من المحيطين بعبد الناصر إصابات طفيفة.. وكانت ضربة مباشرة للإخوان خلال أكبر حملة اعتقالات شهدتها مصر وإصدار أحكام علي 867 متهما بينها أحكام بالاعدام علي محمود عبد اللطيف ويوسف طلعت وهنداوي دوير وإبراهيم الطيب وعبد القادر عودة ومحمد فرغلي.. ومن جديد استيقظ الثأر.. وصحت العداوات.. وقاد صلاح شادي جوق الإخوان الذي لم يكف عن العزف واتهام عبد الرحمن السندي بالعمالة لجمال عبد الناصر.. وأنه الذي مكنه من الإخوان.. وانبري لهم أحمد عادل كمال نائب السندي ورئيس الجهاز السري السابق في القاهرة فقال إن شادي يحاول الصاق تهمه العمالة لعبد الناصر بالسندي بعد أن امتلأ قلبه حقدا عليه.. ولم يكن السندي من ذلك الصنف من البشر.. لقد كان رجلا بعيد النظر.. خيره والده بين ترك الإخوان واستمرار الانفاق عليه.. فاختار الإخوان والتحق بوظيفة بسيطة في وزارة الزراعة.. بالشهادة الثانوية.. وتخلي عن اتمام دراسته في كلية الآداب وتفرغ للجهاز السري.. وكان في ذلك عنيدا لا يستسلم لتعاليم الأطباء بالبعد عن الانفعال.. والراحة.. وقال زميله في الجهاز السري محمود الصباغ أحد القادة والمقرب من السندي: لقد لمسنا من عبد الرحمن طوال فترة العمل معنا وهي أكثر من اثني عشر عاما.. الصدق في اللقاء.. والصبر علي العناء.. والبذل بالمال والوقت دون حدود.. مع صفاء النفس.. ورقة الشعور.. والتزام بأحكام الدين.. حتي أحببناه حبا صادقا من كل قلوبنا.. لما جمع الله فيه كل هذه الصفات.. ومازلنا نقترب من عبد الرحمن السندي.. وعالمه..