مازلنا نقترب من عبد الرحمن السندي قائد الجهاز السري المسلح للإخوان وعالمه.. ومن المؤكد أننا لن نحيط علما بكل ما يمثله عبد الرحمن السندي.. وعالمه.. ولكنها محاولات واجتهاد.. وقد كثر المتقولون علي الرجل.. وجمع كل مثالب الإخوان ووضعها علي رأسه.. ولعل حقيقة ما جري مع مصرع النقراشي باشا الذي كان نقطة تحول خطيرة في مسيرة الإخوان.. ترتب عليها اغتيال المرشد المؤسس حسن البنا.. وتغييب قادة الجماعة في السجون.. واضطهادهم لسنوات.. فلم تكن للسندي علاقة بهذه الواقعة.. فقد كان هو ومعانوه: أحمد عادل كمال والصباغ وأحمد زكي وحوالي الثلاثين من قيادة الجهاز السري في السجن علي ذمة قضية سيارة الجيب.. ومن ثم أصبح سيد فايز هو المسئول داخل الجهاز السري وله حق الاجتهاد.. وقد قرر مواجهة النقراشي الذي أمر بحل الإخوان ومصادرة أملاكهم.. فكون سرية من : محمد مالك، شفيق أنس، عاطف عطية، وضابط الشرطة أحمد فؤاد، وعبد المجيد حسن طالب الطب البيطري، ومحمود كامل لقتل النقراشي باشا غيلة.. وأسند قيادة هذه السرية للضابط أحمد فؤاد.. ونجح عبد المجيد حسن في قتل النقراشي في بهو وزارة الداخلية.. وهو الحادث الذي ترتب عليه هدم الجماعة.. وحيرة البنا.. وبياناته التي هاجم فيها رجاله وجردهم من الاسلام.. وكان كل ما ذكر عن السندي بعد ذلك متناقضا.. وترجمة للخلافات التي دبت في الجماعة بعد رحيل البنا الذي كان في رأي أحمد عادل كمال داعية إسلاميًا فاهمًا ومخلصًا والتفاف مجموعة معينة حول المرشد الجديد، المشكوك في ولائه للإخوان وللدعوة.. وحرصه علي إرضاء القصر.. لدرجة قيامه بعد أيام من تعيينه مرشدا.. باصطحاب عبد الرحمن البنا شقيق المرشد السابق وعضو مكتب الارشاد ومعه صهر البنا عبد الحكيم عابدين سكرتير الجماعة وقادة الجماعة: صالح عشماوي عبد القادر عودة حسين كمال الدين محمد الغزالي عبد العزيز كامل وسعد الوليلي سكرتير البنا وكاتم أسراره.. للوقوف علي أعتاب القصر الملكي للإعراب عن الولاء لقاتل مرشدهم.. ونسيانهم لدم الإمام الشهيد ومثل هذا المناخ الملتبس لا يتيح للباحث أن يعثر علي الحقيقة بسهولة.. خاصة أنه كان بين المجموعة المقربة من المرشد الجديد من يحملون كراهية وبغضا للسندي.. والجهاز السري.. كتب محمود عبد الحليم مؤرخ الإخوان أنه في السنة النهائية في كلية الزراعة سكن في منطقة بين السرايات وهناك تعرف علي السندي القادم للالتحاق بكلية الآداب: لاحظت علي عبد الرحمن، الهدوء، والرزانة، والجد.. كما لاحظت إقباله عليَّ اقبالا يوحي بأن الدعوة التي عرضتها عليه ملكت شغاف قلبه.. وظللت أتابعه طوال عام كامل حتي وثقت فيه فقدمته للأستاذ البنا.. ليصبح رئيسا للجهاز السري.. وعندما قتل سيد فايز اتهمته المجموعة المحيطة بالهضيبي: التلمساني صلاح شادي وغيرهما بأنه وراء الحادث.. فيما انفعل محمد مهدي عاكف الذي أصبح المرشد السابع وقال: من قال إن عبد الرحمن السندي هو قاتل سيد فايز.. كاذب.. والحقيقة أنه لم تكن هناك أي شبهة حول السندي في هذا الأمر.. وقد حققت الحكومة أكثر من مرة.. وكذلك كانت تحقيقات الإخوان والتي أكدت كلها عدم مسئولية السندي في هذا الأمر.. وأما أحمد عادل كمال نائب السندي ورئيس الجهاز السري في مدينة القاهرة فيقول: الحقيقة أن السندي كان رجلا مخلصا.. وكان متشبعا بفكرة النظام الخاص الجهاز السري مما لا يسمح معه بكلام في أي مجال آخر ولا شك أنه مثل كل البشر كانت له أخطاء.. منها مثلا أنه لم يرجع للامام البنا ليتأكد من قرار البنا في تصفية الخازندار.. لكنه كان مؤمنا إيمانا لا حدود له بفرضية الجهاد في سبيل الله.. وحبب ذلك إلي قلبه فأفرغ ذلك الإيمان في النظام الخاص.. أخلص له كل الإخلاص.. كان يعشقه ويغار عليه.. وضحي في سبيل ذلك بكل غال.. وكان يربط كل تكليف بتوقيت.. وكان سؤال التقليدي: متي؟ ثم يتبع متي ب لماذا؟ ومع أنه كان في منتهي الصرامة.. وصاحب قبضة حديدية.. فإن قلبه قلب طفل.. ومع أنه كان مرهقا بشكل دائم في متابعته.. فإنه كان عاطفيا لأبعد الحدود.. وقد اتهمه التلمساني المرشد الثالث في جميع المناسبات بالعمالة لجمال عبد الناصر.. وعمل مع صلاح شادي علي تشويه صورته.. قالا ومعهما الأتباع: إن جمال تمكن من السيطرة عليه.. وقام بتعيينه في شركة 'شل' بقناة السويس.. وأفرد له فيللا.. وسيارة وأثث له منزلا.. فأطلعه السندي مع بالغ الأسف علي الكثير من أحوال الجهاز السري، وأسماء أعضائه مما مكن جمال من أن يسيء لهذا الجهاز إساءة بالغة.. هكذا تكلم التلمساني وأتباعه.. فيما قال المستشار الدمرداش العقالي عضو الجهاز السري إن علاقة وثيقة كانت تربط بين عبد الناصر والسندي.. ويؤكد أن عبد الناصر كان الرجل الثالث في الجهاز السري بعد البنا والسندي.. وكان ذلك من وصايا البنا.. وكنا في الجهاز السري نؤيد عبد الناصر ضد الهضيبي الذي كان مترددا.. غير مستقر.. متعنتًا مع رجال الثورة دون أي داع.. أما أحمد عادل كمال فقد جري بيننا حوار يوم 16 ابريل 2014 أي منذ أيام.. وهو نائب السندي، والوحيد الباقي من القادة القدامي طال عمره وحسن عمله، ومتعه الله بالصحة قال إنه لا يمكن قبول كلام التلمساني واتهامه لعبد الرحمن السندي.. وكل ما قاله لغو في لغو.. فالسندي مثلنا كان يشعر بتدهور القيادة بعد رحيل البنا وظهور الهضيبي.. وكان متألما لعشوائية السلوك والتصرفات والتصريحات.. ثم إنه كان صديقا لعبد الناصر.. ويقدر فيه رصانته.. وذكاءه.. وقدراته.. وإذا كان التلمساني وتوابعه يقولون إن الجهاز السري قد أنشئ لمحاربة الانجليز وتحرير مصر من الاحتلال.. ثم نسوا ذلك.. فإن السندي تمسك به ولم يغفل عنه.. وعندما صدر قرار الهضيبي ومكتب إرشاده.. بطرد قادة الجهاز السري من الإخوان.. وحل الجهاز.. ليخلو لهم الجو مع جهازهم السري الهيكلي.. لم نعترف نحن بذلك.. وظل الجهاز السري بقيادة السندي متماسكًا.. حتي الإعلان عن معاهدة الجلاء.. وتحرر مصر من الاحتلال.. فتقرر حل الجهاز لانقضاء هدفه.. وقام السندي بإبلاغ ذلك لعبد الناصر.. وأخذ منه الأمان لرجاله.. وفجر يوم 29 يوليو 1962 عاد عبد الرحمن السندي إلي بيته الذي لم يغيره في شارع سليمان جوهر بالدقي بعد صلاة الفجر في مسجد قريب كعادته.. وجلس يقرأ القرآن حتي يحين موعد خروجه.. ثم وجدته أسرته مائلا علي جنبه والمصحف بين يديه.. يرحمه الله