تقول كل الشواهد إن من يتصدي للكتابة عن الإخوان يجب أن يكون في منتهي الحذر.. لأن الحقائق تختفي.. ويتم التمويه والتغيير وقلب الأوضاع عادة.. فالإخوان يحرصون علي أن يجعلوا من أنفسهم ملائكة.. وينسبون لأنفسهم كافة الأدوار.. وأصحاب المذكرات وفي مقدمتهم صلاح شادي لا يقولون الحقيقة.. وكلٌ يسعي لهدف.. وشادي نفسه يضع نفسه طول الوقت في مواجهة عبد الرحمن السندي.. ينسب إليه كل خطأ.. ويصفه بالقصور والعجز وكراهية الآخرين.. والتعالي بغطرسة القوة.. يحذو حذوه عمر التلمساني وغيره.. ويحذر التلمساني من كتابات أنور السادات عن الإخوان وعن علاقتهم بالجيش ويقول: إن ما يورده أنور السادات في جميع كتبه عن علاقة الإخوان بالضباط الأحرار ليس فيه كلمة واحدة صحيحة.. وإذا كان قد التقي بالأستاذ البنا فقد كان اللقاء بين تلميذ مع الأستاذ.. فلم يكن أنور السادات أو غيره يستطيع أن يقول للأستاذ البنا ما قاله السادات وادعاه في كتابه 'البحث عن الذات'.. وما يهمنا الآن أنه علي الرغم من تباعد تنظيم ضباط الجيش عن الإخوان، وقرار جمال عبد الناصر بقطع كافة العلاقات مع عبد الرحمن السندي.. إلا أنهما -ناصر والسندي- ظلا صديقين.. وكان صلاح شادي العدو الأول للسندي يسعي دائمًا ليجد لنفسه موضع قدم عند عبد الناصر.. وقد مرت سنوات المحنة كما يسميها الإخوان.. بعد مصرع النقراشي ثم مصرع البنا بعد أن تورط في التنكر لأصحابه.. وإدانتهم والقول بأنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين.. وتهديد الجهاز السري له - وكان السندي وقادة الجهاز محبوسين علي خلفية قضية سيارة الجيب الشهيرة.. وعلي الرغم من حل الجماعة ومطاردة أعضائها ومقتل مرشدها.. فقد كان السندي وجهازه السري الجزء الوحيد الباقي متماسكًا.. حتي قرر الملك إعادة تنظيم الإخوان بقيادة جديدة يضمن ولاءها للحد من جبروت الوفد.. حزب الأغلبية الكاسحة.. فكان السماح للإخوان بممارسة نشاطهم المعتاد تحت قيادة المرشد الجديد المستشار حسن الهضيبي عام 1951.. ومن أول لحظة أبدي الهضيبي عداءه للجهاز السري.. وعندما طلب بعض أعضاء الجهاز السري المفرج عنهم بعد عودة الإخوان أن يسجلوا اللحظة في صورة مع المرشد.. انتفض الرجل غاضبًا وقال: لا يمكنني الوقوف بين القتلة والسفاحين.. كانت مجموعة التلمساني وعبد القادر عودة وأساسًا صلاح شادي وأنصارهم قد بدأت تسعي للتخلص من السندي وأعوانه قادة الجهاز السري ومعهم الجهاز القديم نفسه.. وإيغار صدر المرشد الجديد.. وبث الخوف في نفسه من الجهاز وقائده.. وربما ساعد علي ذلك شعور الهضيبي بجفاء السندي.. الذي كان يعتبره دخيلًا علي الإخوان.. وإذا كان السندي يعتبر نفسه ندًا للبنا.. فمن يكون الهضيبي حتي يتعامل مع باعتباره المرشد؟.. كان الهضيبي حريصًا علي القول بأنه لا سرية في الإسلام.. ومن ثم فهو لا يريد جهازًا سريًا.. وبينما كانت معلومات جهاز مخابرات الجهاز السري في ذات الوقت تؤكد أنه يسعي لتشكيل جهاز سري جديد يدين له بالطاعة والولاء.. وأن المقربين منه يسيرون بسرعة لاستمالة بعض عناصر الجهاز القديم للاستفادة من خبراتهم.. وأنهم بدأوا دق الأسافين بين قيادات وأفراد الجهاز القديم.. ويسعون لتصفية ذلك الجهاز والتخلص من السندي ومعاونيه.. وظل الموقف يتأرجح بين رغبة المجموعة التي يتزعمها المرشد الجديد.. وقوة السندي.. والجهاز السري.. خاصة أنهم كانوا علي علم بعلاقة السندي بعبد الناصر الذي يدبر للقيام بثورة.. ويدفعون صلاح شادي لعمل علاقة موازية.. في حين أن عبد الناصر كان قد قرر استبعاد الإخوان من مخططاته تمامًا.. وإن كان لا يمانع في الاستفادة من قوتهم.. وكان يلعب بذكاء السياسي علي العداء الشديد بين شادي والسندي.. وتؤكد كافة الوقائع أن السندي رغم إحساسه بجفاء القيادة الجديدة كان يعمل لصالح الإخوان.. وكان يتصرف أيضًا كسياسي.. وإخواني.. في تعامله مع صديقه عبد الناصر.. ونضرب مثالًا: فقد كان عبد المنعم عبد الرءوف أهم قيادة إخوانية في الجيش يعمل في العريش ونزل إلي القاهرة في إجازة في يوليو 1952 أي في شهر الثورة.. وقبل أيام من قيامها وذهب مع زميله في الجيش والإخوان أبو المكارم عبد الحي إلي عبد الرحمن السندي وأخبراه بإحساسهما أن الضباط الأحرار يعدون لشيء قريب.. فقد زادت تحركاتهم هذه الأيام.. فصحبهما السندي إلي بيت عبد الناصر.. وأبلغوه بما يعلمون.. واستفسروا عن الأمر.. ولم ينف عبد الناصر وصارحهم بأنهم يعدون للثورة.. وأنه يطلب عون الإخوان.. وتأكد أنه في ظل القيادة الجديدة للإخوان.. فإن الأمور لا تسير سيرها الطبيعي.. ولا تعرف أي نوع من الضبط أو التنسيق.. وأن اتصال الإخوان بتنظيم الضباط الأحرار لم يكن متفقًا عليه من أصحاب القرار.. وكان عبد الناصر يدرك ذلك الخلل ويلعب عليه.. وقد حاول السندي في ذات المقابلة وبعد معرفته بكل ما يجري.. وطلب العون.. حاول الضغط علي عبد الناصر وابتزازه للحصول علي أكبر مكاسب للإخوان مقابل تأييدهم للأحرار.. قال السندي - ردًا علي طلب العون - إن الضباط الأحرار تنظيم صغير، والإخوان تنظيم كبير.. وإذا كانت المغامرة جائزة بالنسبة لكم فإنها لا تجوز بالنسبة لنا، لأن فشلها يعني تشريد آلاف الأسر.. ومن ثم فلكي يقدِّم الإخوان عونهم يلزم معرفة الخطوات والاتفاق عليها.. وأيضًا الاتفاق علي الهدف، لأن الإخوان غايتهم إقامة حكم الله وهم لا يجازفون لغير هذه الغاية.. ضحك جمال عبد الناصر وقال له: يبدو أنك لم تعد من الإخوان يا عبد الرحمن.. واستفسر السندي ومعه زميلاه.. فقال لهم جمال: لأن الإخوان اتفقوا معنا ولم يشترطوا ما ذكرت.. وسأل السندي وهو أخطر قيادات الإخوان ومعه عبد المنعم عبد الرءوف مؤسس مجموعة الضباط الإخوان وأبو المكارم عبد الحي.. مع من من الإخوان اتفقت؟.. قال عبد الناصر: ألم أقل لك إنك لم تعد من الإخوان؟. واشتعل الحريق داخل الإخوان.. وارتفعت حرارة الصراعات القديمة وهي تشير إلي أن صاحب الاتفاق كان صلاح شادي رئيس قسم الوحدات.. وغريم السندي.. وما زلنا نقترب من عبد الرحمن السندي.. وعالمه.