أودعت محكمة القضاء الاداري بالاسكندرية الدائرة الاولي بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة حيثيات حكمها المثير في قضية ضم المساجد لاشراف وزارة الاوقاف اكدت المحكمة ان الدولة ادراكا منها لرسالتها في دعم التوجيه الديني في البلاد علي وجه محكم, وتأكيدا لمسئوليتها في التعليم والارشاد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة لجميع المساجد والزوايا في المدن والقري تستهدف نقاء المادة العلمية وسلامة الوجهة التي يعمل بها الخطباء والمدرسون بما يحفظ للتوجيه الديني اثره, ويبقي للمساجد الثقة في رسالتها, بعد ان لوحظ ان عددا كبيرا من المساجد لا يخضع لاشراف وزارة الاوقاف وهذه المساجد يسيطر عليها الارتجال ويترك شأنها للظروف ولا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والارشاد من المتخصصين في علوم الدين, ولما كان بقاء هذه الحال قد ينقص من قيمة التوجيه الديني ويضعف الثقة برسالة المساجد ويفسح الطريق لشتي البدع والخرافات التي تمس كيان الوطن واستقراره, خصوصا وان ما يقال فوق منابر المساجد انما يقال باسم الله, لذلك فان الامر يقتضي وضع نظام للاشراف علي هذه المساجد بحيث يكفل تحقيق الاغراض العليا من التعليم الديني وتوجيه النشئ وحمايتهم من كل تفكير دخيل او جهيل وذكرت المحكمة ان قرار وزير الاوقاف بضم المساجد والزوايا لاشراف وزارة الاوقاف لا يمس حق الملكية, لان المسجد متي اقيم واذن للناس فيه بالصلاة يخرج من ملكية العباد الي ملكية مالك الملك الله سبحانه وتعالي ولا يعود الي ملك بانيه ولا ترد عليه تصرفات البشر ويقوم بالاشراف عليه ولي الامر, فضلا عن ان الامة قد اجمعت علي ان البقعة اذا عينت للصلاة خرجت عن جملة الاملاك الخاصة بصاحبها وصارت عامة للمسلمين, كما ان قرار وزير الاوقاف المشار اليه لا مساس فيه بحرية العقيدة فهذا القول يعد مفهوما مغلوطا يستعصي علي القبول, لان قرار وزير الاوقاف يتعلق بضم المساجد لاشراف الوزارة بقصد الاحتفاظ للتوجيه الديني باثره واستبقاء الثقة في رسالة المساجد, بعد ان سيطر عليها الارتجال والغياب ممن يحمل مسئولية التعليم والارشاد من المتخصصين في علوم الدين, وكل اولئك لا تدخل فيه في العلاقة القائمة بين العبد وربه واضافت المحكمة الي انه لا يفوتها ان تشير - وهي جزء من نسيج هذا الوطن - انه علي ضوء التجارب المريرة التي عاشها الوطن من جراء استخدام المساجد في استغلال البسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين بين التيارات الدينية المختلفة مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة بين ابناء الوطن الواحد التي ادت الي التنابز اللفظي والعنف المادي مما تسبب في ضياع كثير من ارواح المواطنين وتخريب الممتلكات نتيجة لتطرف الفكر المتشدد المتحجر, فانه لا يجوز مطلقا استخدام منابر المساجد لتحقيق اهداف سياسية او حزبية او للدعاية الانتخابية لما في ذلك من تعارض مع قدسية المسجد والاضرار بالمصالح العليا للبلاد, فاحترام حرمة المسجد امر واجب, ولا يصح ان تكون بيوت الله محلا للزج بها في الخلافات التي تنشب بين التيارات الدينية المتصارعة علي امور دنيوية لا ترقي الي جلال المساجد ورسالتها المضيئة علي نحو يؤدي الي انقسام الامة التي قال عنها القران الكريم ' كنتم خير امة اخرجت للناس '' الاية 110 من سورة ال عمران ' او بث روح البغضاء بين ابناء الوطن الواحد فالمسجد له من السمو والقدسية لتجميع الناس لا تفريقهم ولم شمل الامة بشعب الايمان والفضائل لاداء حقوق الله واستلهام الرشد واستمداد العون منه جل شأنه ' وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا ''الاية 18 من سورة الجن ' بما يجعله منزها عن كل دعوات التشدد او الاستغلال السياسي باسم الدين, خاصة وان المنبر هو طريق المؤمن الي القبلة فيخلع نعليه وكل رداء دنيوي خارج المسجد ليقف خاشعا متضرعا يبتغي وجه الله الكريم كما اكدت المحكمة انه بحكم ما وسده اليها الدستور والقانون تسجل انه نتيجة لاقدام غير المتخصصين من اهل العلم والفتيا علي اصدار الفتاوي غير المسندة وما ترتبه من اثار خطيرة سيئة علي الاجيال الحالية واللاحقة لما تتضمنه من الاخبار عن حكم الله في مسألة ما, فلا ترقي الي مستوي الاجتهاد وتوصم بالدعوة الي الضلال والظلام بما يصيب المجتمع من خلل وتفكك واضطراب وفوضي لا يعلم مداها الا الله سبحانه وتعالي ووقي الله البلاد من اخطارها, فانه يتعين قصر الافتاء علي دار الافتاء المصرية, فشروط الافتاء ليست بالامر اليسير في الفقة الاسلامي حتي يمارسه العوام وانما هو امر بالغ الصعوبة والدقة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعي يقتدر به علي استخراج الاحكام الشرعية من ماخذها واستنباطها من ادلتها علي نحو يشترط في المجتهد شروطا للصحة اهمها ان يكون عارفا بكتاب الله ومعاني الايات والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية وكيفية دلالة الالفاظ وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص وحقيقة ومجاز واطلاق, ومعرفة اصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه وهي مسائل دقيقة للغاية تغم علي عموم الناس من ادعياء الدين وطالبي الشهرة ومثيري الفتنة والدين منهم براء وهي في الحق تستلزم التأهيل في علوم الدين كما اهابت المحكمة بوزارة الاوقاف العمل علي الارتقاء بالمستوي العلمي للخطباء لديها وزيادة عددهم وتأهيلهم والنظر في رواتبهم حتي يفوا باحتياجات المساجد والزوايا في جميع انحاء الجمهورية طقعا للطريق علي غير المتخصيين من اعتلاء المنابر, وتبادل الخبرات والتفاعل مع العالم الاسلامي