إلي كل من يريد أو يرغب، في زحزحة مصر مرة أخري إلي الخلف.. أو إلي إعادة إنتاج النظام القديم 'المعزول' أو الأقدم 'المخلوع'.. نقول له هيهات.. أنت واهم بل أنتم واهمون سواء أكنتم فلولاً أو تجار دين.. فثورة يناير كانت الخط الفاصل بين الماضي والحاضر.. وعندما قفز عليها من لا يرحمون ولا يقدرون أن الشعب المصري تغير بحق.. وأرادوا أن يصنعوا منها ولاية إسلامية.. بل ربما ولايات متعددة.، ليتمزق الوطن.. ولتظل تجارتهم بالدين هي الرابحة.. سقط الرهان وسقطوا معه.. إن الشعب لم يمهلهم سوي عام واحد، ساعده علي ذلك وحدته مع جيشه الوطني الأبي. والآن صرنا مرة أخري علي حافة خطرة.. مما يتراءي لنا جميعًا من حوادث ومواقف يقذفها المجتمع في وجه الجميع، كحمم بركانية كاوية.. وهي ليست من صنع الطبيعة ولكن من صنع الإنسان للأسف الشديد.وهي تشير إلي أن مبادئ الثورتين والموجتين المتتاليتين يناير ويونية لم تؤت ثمارها.. فالقديم يزحف وبشدة والحديث لم يتخلق بعد.. والناس في معظمهم لا يزالون متمسكين بالأمل.. لكن هناك من يسقط بفعل عوامل ذاتية خانقة ومخيفة، وأخري موضوعية أشد ظلمة وقتامة ولا تخطئها الأعين.. ونحن بصدد التلويح باندلاع فتنة كبري والمصاحف علي الحراب والأسنة وكأننا عدنا إلي الخلف وإلي عهد الخوارج!! لعل الإجماع الشعبي والنخبوي لا يؤكد علي شيء مثلما يؤكد التوحد صفًا واحدًا وقلبًا واحدًا في محاربة ذاك الإرهاب الذي يهدد مصر في الصميم، وهو يحاصرها من كل اتجاه وصوب.. ويمد أذرعه المسمومة، وأنيابه النائمة.. في قلب مصر.. يزرع قنبلة هنا، ويقوم بتفجير هناك.. وكأن البشر صاروا بالنسبة له حفنة من حجارة.. أو ليس إمامهم القديم 'سيد قطب' هو القائل إن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب نتن؟! وهكذا يرغب ذاك الإرهاب الأسود في أن يحول الوطن إلي أطلال لكي يحكم قبضته عليه.. لكن هيهات أن يظفر بهذا الحلم الذي هو في حقيقة الأمر كابوسًا لنا جميعًا.. فدروس التاريخ تؤكد أنه لم يستطع إرهاب أسود مهما أوتي من قوة وبطش وتوحش مثل بيت المقدس وداعش واليمين الديني بأطيافه.. لم يستطع أن يسقط دولة.. وبخاصة إذا كانت دولة كبري في وزن مصر.. ولديها من الإمكانات ما يمكنها من دحض هذا الوحش الأسود. لكن من المؤكد أن دحّر هذا الإرهاب 'الأسود' الموغل في المكر والخديعة يتطلب منا الحيطة والحذر.. فهو قد يفاجئنا في أي مكان، وأي لحظة، إنه يداهمك علي حين غرة.. ولهذا مهما أطلقت عليه من أوصاف لا توفيه حقه!! فهو ينافس الثعابين العملاقة، والعقارب السامة، والوحوش الضارية والدنيئة.. بعد أن بلغ من التوحش مبلغًا غير مسبوق.. فقد بدا نمطًا همجيًا فريدًا بامتيار.. إذ يذبح الإنسان 'داعش' بقلب بارد وكأنه يذبح دجاجة! هو بهذا يصدر صورة مرعبة عن الإسلام والمسلم.. صورة يتوحد فيها الاثنان وتتفوق علي صورة مصاص الدماء الأشهر في العالم صورة 'دراكولا'.. وهو ما يرتد سلبًا علي وصورتنا نحن المسلمين أمام العالم.. لتصمنا بما ليس فينا.. نعم إنها أبشع صورة للإرهاب لكنها تصدر عن بشر!! ومن المؤكد أن أمريكا وربيبتها إسرائيل وراء هذا الإرهاب المتأسلم لأن من مصلحتهم شيطنة صورة المسلم والعربي بخاصة.. إذن نحن ندور في حلقة جهنمية، هم يشيطنون الإرهاب المتأسلم.. ثم هؤلاء المتأسلمون يشيطنون بدورهم الشعوب الإسلامية ويمزقونها فرقًا، مذاهب وشيعا.. وهكذا نري الخاسر الأول والحقيقي هو المسلم الحق، والمجتمعات العربية التي يراد تقطيعها كما يقطعون 'الكيكة' بسهولة ويسر من جراء الفتن والضغائن.. وللأسف كل هذا الدمار والتوحش يتم بيد أبناء المجتمعات العربية.. وهو ما يطلق عليه الحرب بالوكالة!! أما وأن المشهد علي ذاك النحو.. فإن محاربة الإرهاب لن تتأتي بالقوة الصلدة والأمنية وحدها.. بالقطع لهما الأهمية القصوي، لكن تظل الجبهة المجتمعية هي الأولي بالاهتمام والرعاية، وبتحقيق آمال الثورتين وفي المقدمة منهما.. العدالة والحرية.. وهما جناحا الوطن للفوز في المعركة، لأنهما يمثلان الركنين الأساسيين لهذا البنيان الضخم أي 'المجتمع' الذي أصابته شروخ، من خضم صراعات السنوات القليلة الماضية.. فوق كونه يعاني بادئ ذي بدء، ميراثًا ضخمًا من الفساد رَسَّخَ قيمًا هي أقرب إلي قيم المجتمع 'المتصحر'.. إذا كنا أنجزنا دستور '2014' الذي يشرح ويقنن لقيم جديدة تبغي تحديث المجتمع وإصلاحه.. إلا أنها للأسف الشديد غير مفعلة.. بل غير معمول حتي وقتنا هذا!! ويتم تجاهلها تحت تبريرات شتي.. وبحجة أننا لم ننجز بعد المرحلة الثالثة من خارطة المستقبل وهي الانتخابات البرلمانية!! لعل الحوادث الجسام التي أفرزها المجتمع حممًا في عيوننا في الأسابيع القليلة الماضية.. تجعلنا نتوقف بشدة حيالها.. لأنها تحمل للجميع ناقوس خطر.. هل هي كمن 'يؤذن' في عقول الجميع.. لكي يصنعوا فجرًا حقيقيًا للناس والمجتمع وهذا الشعب الذي ظل عقودًا طوال وهو يحلم بالتغيير والإصلاح يحلم بالحرية، والعيش، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، ثم الاستقلال الوطني وهو الشعار الذي أضافته ثورة يونية إلي ثورة يناير؟! وقد نتوقف أمام الطالب الجامعي الذي قبض عليه لأنه يحمل رواية 'جورج أورويل 1984' التي مضي علي تاريخ كتابتها أكثر من نصف قرن.. وقد كتبت لتشرح النظام الديكتاتوري والمجتمع البوليسي المغلق، الذي يفتش في النوايا، ويتحول فيه المواطن إلي فرد ذليل مراقب محروم من نعمة الحرية التي صارت إحدي قسمات القرن الحادي والعشرين في ظل ثورة المعلومات والاتصالات.. فهل نردد حيال هذه الواقعة ما ردده البعض: بأن المعني في بطن الشاعر؟! أم نبحر مع الآخرين؟؟؟؟.. خاصة بعد أن أفرج عن هذا الطالب قبل أن تستفعل الواقعة وتتحول إلي فضيحة 'أمنية' أو كما ورد في رواية أورويل القديمة 'جريمة فكر' تقوم بها 'شرطة فكر'!! إن 'شرطة فكر' تقفز أمامنا في واقعة ثانية وهي تفتش في النوايا.. وللأسف في نوايا كاتب فرنسي وقد كان رئيس تحرير 'لوموند ديبلوماتيل' الفرنسية آلان جريس وبينما كان الرجل يجلس علي مقهي مع إحدي صديقاته المصريات -وهو بالمناسبة من أصول مصرية- حيث والده هو 'هنري كوريل' مفكر يساري يهودي مصري شهير فالرجل من هنا غير منفصل عن الهموم المصرية والشأن العام فيها.. وبالتالي هو يناقش ذلك ويدردش علي المقهي.. فإذا بإحدي العابرات تتنصت للدردشة وتعقب في استهجان وسرعان ما تستدعي له الشرطة التي تستجيب للوشاية بالرجل.. ثم تقوم باستجوابه بطريقة أقل ما يقال عنها الاستهانة والعجرفة.. ويخرج الرجل ليذيع ما تم معه ليزيد التشوه تشوهًا، وليشعر العالم بأن سقف الحرية في مصر انخفض بشدة، بل إن إنتاج النظام الأسبق في القبضة الأمنية يعود وبقوة!! لا أريد أن أطيل في هذا الاتجاه، ولا في عدد الحوادث، ولا أريد أن أطيل في عدد الصيحات التي تأتي من المحبوسين ظلمًا من جراء 'قانون التظاهر'.. هذا القانون الذي يطبق علي شباب الثورة دون سواهم!! كما لا أريد أن أطيل في سرد الحوادث التي أقبل فيها بعض المواطنين علي الانتحار سواء كان عاملًا فقد وظيفته وحاصرته الديون دون أمل أو أفق.. أو فلاح فقير يحرق محصول القطن بعد أن فشل في تسويقه!! ثم ها هي الفتاة زينب المهدي التي ترنحت في انتماءاتها ما بين اليمين الديني ثم رفضته وخلعت الحجاب وانتمت لما يسمي بالتيار المدني.. فإذا بها تفقد إيمانها بالاثنين معًا وتقرر في فورة الشباب المندفع والمتحمس إلي النموذج والمثال.. تنتحر وهي تسب الجميع وتكفر بالجميع.. لتفجر فينا أسئلة عديدة في مقدمتها قضايا الشباب.. هل صارت عَصيَّة علي الحل.. وفي جزء منها شباب ثورة يناير الذي لايزال وراء الغضبان.. لكن تظل هذه القضايا وهذه الوقائع غير منفصلة عن قضايا الإصلاح والتغيير.. عن قضايا الحرية والعدالة أو إقامة القانون وتفعيله بالعقول المستنيرة لا الأيادي المرتعشة!! من يقرأ هذه الوقائع وغيرها الكثير.. قراءة متأنية وعميقة لصالح الوطن.. سيشعر بأن شعار الثورة مستمرة.. مازال ساري المفعول.. لأنه مطلب شعبي ضروري وملح.. وأن من يتغافله يتغافل حقائق الواقع ومتطلباته.. وهو بهذا يصنع المشاكل.. ويضع العصا في الدواليب.. بل يضع من جديد العربة أمام الحصان!! قديمًا قالوا: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. أما بعد الثورتين فإن المواطن المصري يقول بملء فيه: إن الخبز والحرية صنوان لا يفترقان وبينها الكرامة والعدل.. وإن هذه المطالب لن يفرط فيها.. وهي إن تعلموا الدرع الواقية والحامية للوطن ضد الإرهاب الأسود..