أثار الحكم الخاص بمنع رموز الحزب الوطني المنحل من خوض الانتخابات البرلمانية والمحليات والذي أصدرته محكمة الأمور المستعجلة بعابدين منذ أيام جدلاً كبيرًا بين فقهاء القانون والسياسة، خاصة بعد الانتقادات التي واجهها الحكم من جانب رجال القانون الذين وصفوه بغير الدستوري، لأنه خالف أحكام دستور مصر الجديد الصادر في 2014 الذي أقر بحق كل مواطن في ممارسة حقوقه السياسية ما لم يرتكب أي جريمة فساد تمنعه من ممارسة هذا الحق. وأوضح آخرون أن فكرة العزل السياسي تثبت عدم جدواها في كثير من الدول، خاصة أنها اختراع من جانب بعض الأنظمة الشمولية، ولم تعد الفكرة قائمة في أي من الدول الآن. وكانت المحامية تهاني إبراهيم قد رفعت دعوي تطالب بمنع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح للرئاسة والبرلمان، واختصمت في دعواها التي حملت رقم 910 لسنة 2014، كلًا من رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، والنائب العام. وقالت المحكمة في أسباب حكمها: إن الحزب الوطني منذ تأسيسه عام 1978 لعب الدور السياسي في اختيار الحكومات الفاسدة وتحرير القوانين المتناقضة مع الدستور، وتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية. وأضافت أنه في 16 أبريل من عام 2011، أصدر مجلس الدولة حكمًا بحل الحزب الوطني وتصفية أمواله وضمِّها لخزانة الدولة، واستند في ذلك إلي ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 التي أزالت النظام السياسي وأسقطته وأجبرت رئيس الجمهورية الأسبق وهو رئيس الحزب الوطني، علي التنحي في 11 فبراير، وبذلك فإنه قانونًا يكون الحزب قد أزيل من الواقع السياسي المصري، رضوخًا لإرادة الشعب، ولا يستقيم عقلاً أن يسقط النظام دون أداته وهو الحزب. وقالت المحكمة: إن في ترشح قيادات الحزب الوطني المنحل وأعضاء لجنة السياسات وأعضاء مجلسي الشوري والشعب للانتخابات التي ستجري مستقبلاً، ما يثير ضغينة الشعب المصري وحيث إن مصر مقبلة علي عهد جديد، يتطلع فيه الشعب إلي حياة كريمة تبتعد عن الفساد والاستبداد اللذين شهدهما مع النظامين السابقين، ومن ثم فإنه من الأجدر حفاظًا علي ما يبغيه الشعب في تطلعاته وما تمر به البلاد من ظروف استثنائية والابتعاد بها عن أي خطر يحدق بها فقد تقرر منع ترشح قيادات الحزب الوطني المنحل وأعضاء مجلسي الشعب والشوري وأعضاء لجنة السياسات لأي انتخابات. إلا ان فقهاء القانون رأوا أن الحكم يثير كثيرًا من الجدل واللغط، فيري الدكتور عاطف سالم 'أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس' أنه مبدئيًا هناك فكرتان اساسيتان واضحتان أولاهما أنه لا يمكن عزل أحد سياسيًا. والفكرة الثانية أن العزل أثبت فشله في مصر، ولم يتم فعليًا تنفيذ العزل السياسي إلا في عهد السادات عندما منع المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد من ممارسة أي عمل سياسي. ويضيف سالم: إن فكرة العزل السياسي انتهت واقعيًا من العالم كله، خاصة إنها كانت تستخدم كسلاح في أيدي السلطات الدكتاتورية ضد معارضيهم للتقييد عليهم ومعاقبتهم علي توجهاتهم السياسية المعارضة للحكام والأنظمة الشمولية. وأعرب سالم عن استيائه من إقحام القضاء المصري في الأمور السياسية وإشغاله بتلك القضايا عن الأمور الحياتية التي تهم المواطن المصري وتأجيلها لعدة سنوات.. وطالب بضرورة أن ينأي القضاء المصري بنفسه عن هذه الأمور والقضايا السياسية، خاصة أن كثيرًا ممن يقومون برفع تلك القضايا هم طلاب شهرة بالدرجة الأولي!! وأوضح أن القضاء المستعجل ليس له حجية في تنفيذ أحكامه، ومن حق الدولة ألا تنفذ الحكم المشار إليه إلا بعد أن يستنفد مراحله القضائية المعروفة. فضلاً عن أن محاكم الأمور المستعجلة ليست مختصة بهذه النوعية من القضايا. وطرح الدكتور عاطف سالم تساؤلاً مهمًا قال فيه مَنْ يمتلك الآن أدلة قاطعة علي أن فلانًا أو غيره كان عضوًا في الحزب الوطني؟ خاصة بعد الحريق الذي أتي علي كل المستندات والأوراق التي كانت في مبني الحزب الوطني وألتهمها بالكامل.. حتي جمال مبارك نفسه لا يمكنك أن تعطي دليلاً للمحكمة علي أنه كان عضوًا بالحزب الوطني، لأن المحاكم لا تعترف إلا بالأوراق الثبوتية والكشوف الرسمية التي تؤكد أن فلانًا كان عضوًا بالحزب الوطني ولديه كارنيه يؤكد هذه العضوية من عدمه. وأشار إلي أن الترشح للانتخابات الرئاسة انتهي فعليًا، وأمامنا أيام قلائل لإعلان الرئيس الفائز.. أما الانتخابات البرلمانية فلم يصدر بشأنها قانون ينظمها حتي الآن، وبالتالي فلا محل لتنفيذ الحكم في أي منهما. من جانبه يؤكد الفقيه الدستوري المستشار محمد حامد الجمل 'رئيس مجلس الدولة الأسبق' أن الدستور الجديد الصادر عام 2014 يتضمن نصوصًا تقرر عدم جواز تقييد القوانين للحريات العامة للمواطنين، ويأتي علي رأس تلك الحريات العامة: حق ممارسة الحقوق السياسية للمواطن ما لم يرتكب أي جريمة فساد أو مخلة بالشرف تمنعه من ممارسة تلك الحقوق. أضاف: الأمر الثاني أن من حق كل مصري طبقًا لأحكام الدستور أن يتمتع بحقِّه في مباشرة جميع حقوقه السياسة من ترشيح وانتخاب، ولا يجوز بحسب الدستور حرمان أي من الأشخاص من هذا الحق إلا بموجب حكم قضائي يدينه بجريمة تمس الشرف. وأشار رئيس مجلس الدولة الأسبق إلي أن الأسباب التي استندت إليها محكمة الأمور المستعجلة جاءت مرسلة، وقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن أصدرت حكمًا في هذا الشأن واعتبرت ان هذا الإقصاء غير دستوري.. فضلاً عن أن هناك جانبًا شكليًا أصاب الحكم بالعوار وهو مدي اختصاص محكمة الأمور المستعجلة بهذا الأمر، خاصة أن القضاء الإداري هو صاحب الاختصاص القانوني بمثل هذه القضايا.