وزارة المالية تطالب بضم 'الدار' هل يعقل أن يتم افتتاح مبني دار الوثائق الجديدة بالفسطاط ليتم اغلاقه لاحقًا؟! هل تصدق أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تطلب وزارة ماليتها ضم دار وثائقها؟! إنها المضحكات المبكيات التي في مصر، والتي سمحت بأن تغلق دار الوثائق الجديدة بالفسطاط بعد الافتتاح الذي كان مقرر له 26 إبريل الماضي والذي تم إلغاؤه دون تحديد موعد آخر، سبب الإلغاء المعلن من الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة هو عدم الانتهاء من رصف الطريق بين دار الكتب القديمة والجديدة، حيث أكد عرب أنه قام بإبلاغ ذلك إلي حاكم الشارقة الدكتور 'سلطان القاسمي' الذي قدم المبني هدية لمصر بتكلفة وصلت إلي 120 مليون جنيه. كان المبني سيفتتح بالفعل دون عمالة تقوم علي إدارته في إصرار واضح علي أن تترك الدار التي تعتبر من أحدث مباني حفظ الوثائق في العالم ليعشش بين جنباتها البوم، وهو وجه للمشكلة يشير إلي عدم تقدير من الدولة لأبعاد مشكلة ضخمة تتعرض لها وثائق مصر التي فاض مبني الكورنيش بها، بل ووصل الأمر بمؤسسات الدولة إلي حد إتلاف أو إهدار مستندات ووثائق يجب أن يتم حفظها بقوة القانون، بينما تبقي محافظات مصر بكل ما فيها من مؤسسات دون تخصيص أماكن لحفظ ما يخصها من وثائق لا يمكن استيعابها في الدار الجديدة، وفي الوقت نفسه وبما يؤكد ان الوثائق آخر ما تفكر فيه الدولة، يظل قانون الوثائق معلقا لأنه خارج أولوياتها، علي الرغم مما تتعرض له مصر من هجمات شرسة علي وثائقها من دول الجوار ومن بعض الجماعات في الداخل ممن يردن تشويه الحقائق أو تغييرها، ليتحول القانون ودور الوثائق التي يجب ان تتواجد في محافظات مصر ودار الوثائق بالفسطاط والوثائق في حد ذاتها، يتحول كل ذلك إلي معضلات تهدد ذاكرة مصر وتحيل تاريخها إلي أيد غير أمينة تدونه وفق أهوائها وتتلاعب بوثائقه كما تشاء! وهو ملف كامل نضعه أمام الرئيس عدلي منصور ليحسم الأمر فيه علي الفور فإن قدر لهذا الملف ان ينتظر 'فدون شك فإن ملف ذاكرة مصر لا يقل أهمية عن الملف الاقتصادي والأمني ولابد من أن تكون له الأولوية القصوي امام الرئيس القادم.. *** دار وثائق خالية: ويؤكد الدكتور عبد الواحد النبوي أن محاولات إيجاد عمالة لإدارة دار الوثائق بالفسطاط مازالت حتي الآن دون حلول لوقف التعيينات والتعاقدات بالدولة منذ عام 2012، باستثناء التعيينات التي يوافق عليها رئيس مجلس الوزراء، ويضيف النبوي: فشلنا في الحصول علي الموافقة علي الرغم من المكاتبات لكل الجهات المسؤولة حيث يتطلب تشغيل الدار كحد أدني 155 عاملا في مختلف التخصصات منها 'هندسة الميكانيكا والكهرباء، وحاسبات ومعلومات، وترميم، وعلوم تخصصي الكيمياء والبيولوجي' بتكلفة رواتب 3 ملايين جنيه سنويًا، علي أن يكون المعينون من الكوادر الصغيرة لاستيعاب التكنولوجيا الحديثة حيث يدار المبني بنظام البرامج الذكية، مؤكدا أن نصيب الدار من المعينين من أوائل الخريجين سنويا ضئيل جدا. وان رد وزارة المالية علي وزارة الثقافة في 26 يناير الماضي بشأن توظيف تلك العمالة هو: أن تقوم الدار باستيعاب طلبها من خلال العمالة الدائمة أو المؤقتة لديها أو بحث إمكانية النقل أو الندب من الجهات التابعة لوزارة الثقافة!! بينما تعاني الدار عجزًا في العمالة التي انخفض عددها من 235 موظفا في عام 2010 إلي 177 موظفا في 2014، ويؤكد الدكتور عبد الواحد النبوي أن العمالة المطلوبة للدار ذات تخصصات غير موجودة في وزارة الثقافة، لأن أنظمة إتاحة البيانات الحديثة وفهرسة الوثائق غير موجودة في أي مكان من الوزارة إلا في دار الوثائق التي تعاني العجز في العاملين أصلا، وكذلك الحال بالنسبة للمترجمين من لغات التركية والايطالية والفرنسية علي سبيل المثال وهي لغات وثائق موجودة في الدار. ويؤكد النبوي أن ما يحدث الآن يحيلنا إلي أزمة حفظ الوثائق في مصر كلها وهي أزمة كبري لن يحلها افتتاح هذا المبني وتشغيله علي الرغم من أهميته البالغة، مؤكدا أن المادة 68 من الدستور ألزمت جميع مؤسسات الدولة بإيداع أوراقها التي انتهي العمل عليها بدار الوثائق وأن الجهات التابعة للمحافظات يبلغ عددها 7401 جهة ويبلغ عدد الجهات المستقلة والوزارات 1200 جهة مؤكدا أن المبني الحالي علي الكورنيش لم يعد يستطيع استيعاب المزيد من الوثائق حيث تبقي فيه القليل جدا من الأمتار لحفظ الوثائق مع العلم أن الرقمنة لا تجعلنا نتخلي عن الأصول وأن قيمة المكان في احتفاظه بالأصول. *** أزمة مزدوجة ويشير النبوي إلي أننا نواجه أزمة مزدوجة، فمن ناحية لا نجد أماكن لحفظ الوثائق ومن ناحية أخري فإنه بمطالبة بعض الجهات بما لديها من وثائق وفقا للقانون اكتشفت الدار أن الوثائق غير موجودة إما بسبب الإهمال وإما أنها أعدمت أو أي مبرر آخر مشيرا إلي أن اختفاء تلك الوثائق يشير إلي كارثة مستقبلية في الأرشيف الوثائقي لمصر، وهو ما يدعو إلي المطالبة بضرورة إصدار قانون حفظ الوثائق الذي يضع عقوبات صارمة لتوفير الردع للحفاظ علي الوثائق التي تشكل تراثا حضاريا للدولة، ومن تلك العقوبات الحبس والغرامة أو بإحدي العقوبتين، لكل من تخلف عن إبلاغ الدار عن الوثائق العامة او الخاصة التي في حيازته، وتكون عقوبة الحبس والغرامة وجوبية في حالة الوثائق العامة. ويؤكد النبوي ضرورة إيجاد حلول لأرشفة وحفظ الوثائق في الجهات البعيدة عن القاهرة مشيرا إلي أن الدار طالبت باستخدام بعض مقرات الحزب الوطني في المحافظات لإيجاد أماكن لحفظ وثائق كل محافظة أو علي الأقل تحديد مقرات في المحافظات الكبري، لكن طلب الدار لم يلتفت له مؤكدا أن كل ذلك يحدث في الوقت الذي تعاني فيه دار الوثائق قلة المخصصات المالية لأنها بحكم القانون إحدي الإدارات التابعة لدار الكتب والوثائق القومية، وهو ما يعطلها عن أداء مهامها الجسيمة، مطالبا بفصل الدار عن دار الكتب وتحديد ميزانية مستقلة وهو ما يتمثل في 'مشروع إنشاء الهيئة العامة لدار الوثائق والمحفوظات' وذلك بفصل الإدارة المركزية لدار المحفوظات المصرية عن وزارة المالية وفصل الإدارة المركزية لدار الوثائق القومية عن الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ودمجهما معا في هيئة واحدة، وهو مطلب تقدمت به وزارة الثقافة لمجلس الوزراء وقد ارتأت وزارة المالية ان تصبح الهيئة الجديدة حال الموافقة علي إنشائها تابعة لوزارة المالية وان تسمي هيئة الأرشيف الوطني نظرا لأهمية دار المحفوظات لوزارة المالية لما بها من وثائق للأطيان الزراعية والمباني. *** حكاية المالية: ويؤكد النبوي أنه لا توجد دولة في العالم يتبع أرشيفها وزارة ماليتها، موضحا أن الأرشيف يتبع في معظم دول العالم رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء بينما يتبع في بعض الدول المجالس النيابية أو المحاكم العليا وفي حالات نادرة يتبع وزارة الثقافة مؤكدا أن مصر وكندا فقط هما الدولتان اللتان تم فيهما دمج دار الكتب والوثائق معا وان كندا في طريقها لإجراء عملية الفصل بينهما. ويوضح النبوي أن الفصل بين الدارين يوفر استقلالية القرار وسرعة إنجاز المهام وتقليل الإجراءات الإدارية ويوفر نوعا من الدعم لمهام الدار للقيام بدورها بشكل قوي، كما ستكون المخصصات المالية لدار الوثائق دون شركاء كما يتيح الفصل تطوير قدرات العاملين وإنشاء مراكز متخصصة بدار الوثائق، وتقوية دور الدار في المؤسسات الدولية علي اعتبار أنها كيان قائم بذاته، ويوضح كيف تعاني الدار في ظل تبعيتها لدار الكتب التي تلتهم المخصصات ولا يبقي للوثائق إلا الفتات موضحا أن دار الكتب بها 1800 موظف بينما دار الوثائق بها فقط 177 موظفا، وان لدار الكتب 28 مكتبة فرعية بينما دار الوثائق ليس لها فروع وبالتالي فإن دار الوثائق ليس لها مخصصات مقارنة بدار الكتب ويقول النبوي: حرام ما يحدث لنا بينما نحن الجهة التي تحافظ علي ممتلكات الدولة، ذاكرا كيف استطاعت الدار بالتعاون مع هيئة الرقابة الإدارية إنقاذ 230 فدانا كان سيتم الاستيلاء عليها في المنتزه مؤكدا التعاون مع جميع مؤسسات الدولة في الحفاظ علي أوراق الهوية المصرية وحقوق المواطن، كما يؤكد الدور بالغ الأهمية التي لعبته الدار في إنقاذ 22 جوالا تم إخراجهم في شهر 10 عام 2012 من جهاز تصفية الحراسات الخاصة التابع لوزارة المالية التي تريد الآن أن تضم دار الوثائق حيث كانت الأوراق ستهرب للأردن ومنها لإسرائيل وقد قدمت دار الوثائق تقريرا عن تلك الأوراق ومازال خروجها من الحراسات الخاصة محل تحقيق حتي الآن وقد حدث ذلك في وقت تحدث فيه القيادي بالإخوان الإرهابية عصام العريان عن إعادة أملاك اليهود في مصر.