امتدت أزمة وزارة الثقافة الي دار الوثائق القومية. بعد قرار الدكتور علاء عبد العزيز بتغيير قيادات الدار. فقد تصاعد جدل محتدم حول كيفية حماية ملايين الوثائق والصور والمقتنيات والمخطوطات النادرة التي تمتلكها الدار من الضياع أو التلف أو التشويه أو التبديد والسرقة. ويستند الجدل علي وجود أسباب كثيرة لعل أهمها: تعدد أزمات المرحلة الانتقالية وانتشار الفوضي وتغير المسئولين. مما يثير التوجس والخوف علي الوثائق التاريخية والملفات السيادية المودعة في الدار ويعود بعضها إلي عصور تاريخية قديمة. وبعضها يرتبط بحقوق مصر وحدودها والاتفاقيات الدولية خاصة أن هناك سوابق مؤسفة تمت تسببت في تبديد وضياع ثروة لا تقدر من أندر وأهم وثائق الوطن عندما تم سرقة ديسكات ووثائق قسم الجغرافيا بكلية الآداب جامعة القاهرة منذ سنوات. بكل ما فيها من خرائط عن الثروات الطبيعية في مصر. من البترول. والمواد الخام. والمياه الجوفية. والصحاري. والأراضي الزراعية. ولم يتم حتي الآن الكشف عن المسئول عن سرقة هذه الوثائق. كارثة وثائق الحجاز التي نشر عن ضياعها منذ عام2002. وأحاطها غموض كثيف ولم تنته تحقيقات النيابة عن ثبوت ضياع الوثائق. كذلك ما حدث في فضيحة نهب قصور الرئاسة المصرية في أعقاب الثورة. والتي تشكلت لجنة علي أعلي مستوي لجرد 42 قصرا ملكيا ولكن لم تعلن نتائج عمليات الجرد التي قامت به اللجنة علي الرأي العام. ويمكن هنا أن نشير أيضا الي البيان الذي أصدره فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب. شيخ الأزهر الشريف. وطالب فيه بضرورة وقف المزاد العلني المزمع تنظيمه بمنطقة فونتينبلو بفرنسا لبيع مخطوطة نادرة من القرآن الكريم سلبت من الأزهر أيام الحملة الفرنسية واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لاستردادها. حسب المسئولين عن الوثائق في مصر فهناك أكثر من مائة مليون وثيقة. كانت غالبيتها في حالة متردية نتيجة إهمالها لسنوات طويلة. ولكن يجري منذ سنوات قليلة إعادة تأهيلها لاستعادة رونقها وبالفعل تم ترقيم أكثر من 55 مليون وثيقة. وهو أسلوب تقني في الحفظ من خلاله يمكن تلافي الإهمال في تخزينها مهما بلغت أعدادها. وأكدوا أن التوثيق الرقمي يتم بشكل علمي وهو ما يمنع علي الإطلاق ضياع أو سرقة أي وثيقة أو مستند. إذ يتم تدريب الأفراد العاملين علي طرق التسجيل الرقمي وحفظ الوثائق والمخطوطات وكذلك الترميم من خلال معامل تتبع دار الكتب مزودة بأحدث تقنيات العصر. يوضح الدكتور محمد صابر عرب. وزير الثقافة الأسبق. أن وثائق مصر موزعة بين دار الوثائق القومية والوزارات المختلفة وبحيازة الأفراد العاديين. مضيفا أن دار الكتب تمتلك أكبر مجموعة متكاملة من المخطوطات باللغات العربية والتركية والفارسية واللاتينية واليونانية. كما تم نقلها جميعا علي وسائط اليكترونية وذلك تحسبا للضياع أو التلف أو السرقة وتم نقل هذه المخطوطات الي دار الكتب القديمة بباب الخلق ونقل الميكروفيلم الخاص بهذه المخطوطات معها وعمل كتالوج اليكتروني خاص بها وقواعد بيانات لمقتنيات الدار التي تصل نحو5 ملايين عنوان. وقال الدكتور عرب : إن دار الكتب تمتلك برديات من القرن الأول الهجري ومخطوطات ترجع الي القرن الثاني الهجري وحتي القرن الثالث عشر الهجري. مشيرا الي تجهيز دار الكتب القديمة بباب الخلق بمخازن علي درجة عالية من الفنية والتقنية بالإضافة لمركز ترميم بالمبني علي أعلي مستوي بحيث يكون بمثابة مستشفي لعلاج هذه المخطوطات. كما يوجد مشروع بناء دار جديدة للوثائق بجوار متحف الحضارة بمدينة الفسطاط. قانون ضعيف أكدت سحر طه. الباحثة في الوثائق والمخطوطات بجامعة بني سويف. أن قانون الوثائق المعمول به حاليا لا يحقق الحماية لهذه الثروة الإنسانية والقومية. وأرجعت ذلك الي ضعف القانون وعدم مواكبته التطورات الحديثة كما أن القانون قديم وتعتريه عيوب وسلبيات كثيرة أهمها :عدم وجود مسئولية تلزم الجهة المقتنية للوثيقة بحمايتها. وهو ما يعرض الوثائق للإهمال من المنشأ سواء بالمصالح أو الوزارات المختلفة أو الأفراد. كما يسمح لهذه الجهات بالتقاعس عن تسليم ما لديها من وثائق مهمة للجهة المنوطة بها وهي دار الوثائق القومية. فضلا عن عدم تجريم الإهمال في حفظ الوثائق وعدم المعاقبة علي الإهمال في وثيقة ما أو تدميرها أو فقدها. وضعف والعقوبات لحد الهزل فالعقوبة بأي فعل يساهم في ضياع أو فقد الوثائق لا يتعدي الغرامة من20 الي100 جنيه. وأشارت إلي إصدار قرار لرئيس مجلس الوزراء قبل الثورة يلزم كل وزارة ومصلحة حكومية بإنشاء مركز لحفظ ما تحوزه من وثائق إلا انه لم يفعل ولا يعلم أحد ماذا تفعل هذه الجهات بما لديها من وثائق. وشددت علي أن تزايد الأخطار التي تتعرض لها الوثائق التي لا تقدر بثمن يفرض صدور قانون جديد لحماية الوثائق وذاكرة الأمة من التبديد والضياع. وذكرت أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماماً واضحاً بحماية الوثائق والعمل علي تلافي ما قد تتعرض له من عمليات نهب وسرقة وضياع. مشيرة إلي وجود عدة مشروعات قوانين لحماية الوثائق قامت دار الوثائق نفسها بإعداد أحداها وأرسلته للجهات المعنية غير أنه ظل مجرد حبر علي ورق ولم يتم اتخاذ أي خطوات لمناقشته وإصداره. وقالت سحر طه : إن مشروع القانون الذي أعدته دار الوثائق تميز بوضع قواعد قانونية وإجرائية تؤدي الي حماية الوثائق. مؤكدة أن المشروع حرص علي وجود علاقة قانونية بين دار الوثائق المصرية باعتبارها الجهة المسئولة وبين جميع الجهات المنشئة للوثيقة. كما تم تحديد دقيق للمسئولية القانونية وتغليظ العقوبة في حالة الإهمال أو السرقة حيث تصل العقوبة الي السجن10 سنوات في حالة الإهمال أو البيع أو الاتجار في الوثائق للمسئولين عنها. وبينت سحر طه أن حماية الوثائق تحتاج الي توضيح القواعد الفنية والآلية العلمية لعلاقة دار الوثائق بالمؤسسات والوزارات والمصالح المختلفة بالدولة. مضيفة أن المشروع حدد هذه العلاقة بدقة وحرص علي أن يذكر مدة الإفراج عن الوثائق. وجعل بعضها يفرج عنه بعد5 سنوات وهي التي تتعلق بالإدارة أو الاقتصاد أو التعليم والإدارة المحلية وجعل مدة الوثائق السياسية والعسكرية تصل الي ثلاثة عقود دون الإفراج عنها. وراعي خصوصية الوثائق التي لها علاقة بالأمن القومي سواء كانت عسكرية أو سياسية. عمليات نهب يؤكد الدكتور سعد بدير. المحقق وأستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر .أن مصر لديها ثروة هائلة من المخطوطات والوثائق التاريخية النادرة مما جعلها مطمع لتجار المخطوطات والجهات الخارجية التي لها مصالح في الحصول عليها لإثبات حقوق ما أو تأكيد نظريات ومقولات تاريخية أو حتي نفيها. وأكد أن مصر تعرضت لعمليات نهب منظم خلال الحقبة الاستعمارية وبعدها استهدفت المخطوطات المصرية بكل الحقب التاريخية. وهناك فرق كبير بين المخطوط والوثيقة يجب أن ننتبه اليه عند التعامل الجدي مع القضية. فالمخطوط إما مصحف أو فرمانات أو آيات قرآنية منفصلة أو خطوط أو رسومات وأهميته فنية وتاريخية لأنها تعد بحق السجل الثري للإنتاج الفكري والأدبي للأمة العربية والإسلامية علي امتداد أربعة عشر قرنا ومصر لديها أقدم مخطوط في العالم وهو قرآن كريم كتب بالخط الكوفي علي الجلد وهو محفوظ بدار الكتب. ويضيف أن الوثائق فهي تصدر من جهات عديدة ومختلفة داخل الدولة وتجمع بين الأهمية السياسية والاجتماعية بعضها كتب علي ورق البردي والورق الياباني وتسجل قدرا مهولا من الأحداث التاريخية في العالم العربي ومصر. ويري أن احدي المشكلات التي يجب التعامل معها حرية تداول المعلومات حول الوثائق. موضحا أن هناك وثائق محفوظة لا يعلم أحد عنها شيئا. لافتا الي ضرورة تغيير هذا الوضع وجعل مدة حجب الوثائق بين 30 و50 عاما يتم بعدها الكشف عن كل هذه الوثائق ما لم تتعارض مع السياسة العليا التي تحددها لجنة مختصة ويمكن الاستفادة بمعايير المجلس الدولي للأرشيف علي غرار ما يحدث في الدول المتقدمة. وأضاف أن الوثائق ثروة نفيسة غير قابلة للتقدير وهي تراث وذاكرة الأمة الذي يعتبر ملك للأجيال القادمة ويجب أن تكون مملوكة للدولة ولا يجوز أن تكون في حوزة أفراد أو مؤسسات. مطالبا بسرعة إصدار القوانين التي تحميها وتضرب علي أيدي العابثين. كما يجب أن تبذل الدولة كافة الجهود التي تضمن حمايتها وحفظها من خلال احدث الأساليب العلمية في الرقمنة. وأيضا من المهم فصل دار الوثائق عن دار الكتب حتي يكون لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة وميزانيتها الخاصة.