المشرف العام علي إدارة المخطوطات بدار الكتب والوثائق القومية لا جدال في أن المخطوطات تمثل السجل الأوفي للإبداع العقلي المكتوب عند أمة ما في مجالات المعرفة. وأن مصر تمتلك ثروة هائلة من المخطوطات رغم ما ضاع منها إبان عصور الاحتلال الذي طال تراثها وآثارها كما طال اقتصادها. كانت المخطوطات بمثابة الآنية التي تحمل العلم والمعرفة, وكانت ثقافة امتلاكها تشبه ثقافتنا في امتلاك الكتب, فيتملكها الراغب والقادر أو تحتفظ بها دور العلم في مكتباتها بطريق الوقف وفقا لنظم إعارة محددة. لكن انتشار الطباعة في مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر أحدث ثورة تقنية لحساب الكتاب المطبوع وإن برزت مكانة المخطوط كإرث حضاري ثمين بادر كثيرون لاقتنائه. وبمرور الزمان والإهمال ونهم المستشرقين, التفتت الدولة للمخطوطات. كانت البداية أواخر عهد محمد علي وإن تطورت في عهد إسماعيل, وبدأت الدولة في الحفاظ علي ما تبقي منها بعد جمعها من بعض مكتبات الجوامع والمدارس وإيداعها أماكن للحفظ, فكانت بداية الحفاظ عليها بشكل رسمي. علي أن الدولة عندما فعلت ذلك لم تحرم علي الأشخاص اقتناء المخطوطات فاقتناها العديد من العلماء والمثقفين وإن تصرف بعضهم بعدها بأريحية وتبرعوا بها لمؤسسات عامة كدار الكتب. وفي إطار اهتمام الدولة وخوفا من أن بقاء المخطوطات بيد الأفراد دون رقابة قد يفتح الباب لدي البعض للتصرف فيها, كان القانون رقم8 لسنة2009 بشأن حماية المخطوطات وتقنين حيازة الأفراد لها للحفاظ علي هذه الثروة من التلف أو الضياع. وأهمية القانون تنبع من أنه يبيح للأفراد الاحتفاظ بما لديهم من مخطوطات قبل صدور القانون شريطة إبلاغ الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق, بل يتيح لحائز المخطوط إمكانية ترميمه علي نفقة الهيئة التي ليس لها الحق في نسخه أو تصويره إلا بإذن كتابي من حائزه. في الوقت نفسه يشجع القانون الراغبين في بيع ما لديهم من مخطوطات للهيئة في مقابل تعويض عادل تقدره لجنة دائمة وبما يحقق المصلحة للجميع. وبهذا فالقانون كفيل بتشجيع حائزي المخطوطات علي التقدم بها للهيئة: إما لتسجيلها حتي يعرف رصيد مصر من التراث المخطوط, أو لترميمها للحفاظ عليها, أو لبيعها للهيئة لتضاف إلي مقتنياتها. ومع أسف فالتجاوب مع القانون ضعيف. وفي اعتقادي أن ذلك يعود لسبب رئيسي هو غياب ثقافة حيازة المخطوطات. فمن المعروف لدي الجميع أن المخطوط من الآثار الثمينة ماديا, ولكن ألا يجب أن يكون معروفا أيضا أن قيمته الحضارية والعلمية تفوق بمراحل قيمته المادية والتي لا يمكن الحصول عليها إلا بما يتنافي والقانون والأخلاق واحترام التراث, لأن المخطوط من الآثار التي يحظر بيعها لكونه ثروة حضارية وطنية لا يجوز لحائزه الاستفادة منه كسلعة إلا في الأطر التي وضعها القانون. من ناحية أخري فإن بقاء المخطوط في حوزة الأفراد قد يعرضه للتلف. وإذا اتفقنا علي أن أهمية التراث من الناحيتين الحضارية والعلمية تكون بجمعه لا بتشتيته, أدركنا ضرورة أن يفكر حائز المخطوط من منطلق أن قيمة ما يحوزه تتضاءل بالمقارنة مع قيمته إذا امتلكته مؤسسة وطنية كدار الكتب.