للأسف، ورغم ما كشفته الأيام ومجرياتها من تفاصيل وأحداث تؤكد خيانة تنظيم الإخوان للوطن، مازال هناك من يتعامل معهم كفصيل 'وطني' وصل للسلطة ثم أطيح به منها، لفشله في إدارة شئون البلاد!!. وهناك من لا يمل من طرح المبادرات تلو الأخري، للخروج من الأزمة، متصورًا أن المصالحة مع هذا التنظيم غير الوطني قد تمثل حلا لما تمر به مصر هذه الأيام. وأنا هنا، ومع الهجوم الشديد الذي تعرض ويتعرض له د.حسن نافعة نتيجة مبادرته الأخيرة، وقبل أن أتناول ما طرحه من حل، أود أن أفرق بين عدة أمور، ليس دفاعًا عن الدكتور نافعة أو هجومًا عليه، وإن كنت ضد مبادرته جملة وتفصيلا. البعض يطرح المبادرات بحثًا عن دور أو مكان في برامج 'التوك شو'، والبعض الآخر يطرحها ليظل الإخوان داخل المعادلة السياسية وبالتالي يبقي المشروع الأمريكي قائمًا وإن كان مؤجلا. آخرون يطرحون المبادرات بدافع الحرص علي مستقبلهم السياسي، فمن تورطوا مع الإخوان منذ البداية وشكلوا ما يسمي ب'تحالف دعم الشرعية' اكتشفوا الآن خاصة بعد نتائج الاستفتاء أنهم يسيرون بسرعة كبيرة نحو الهاوية، لذا يسعون للخروج من أزمتهم بصيغة ما، تحفظ لهم الاستمرار في الحياة السياسية.. ومنهم مثلا 'الجماعة الإسلامية' و'حزب البديل الحضاري' وغيرهما.. كل يغني علي ليلاه!!. وهناك من يدفعه حسه الوطني، وتستفزه العمليات الإرهابية ومناظر الدماء وعدم استقرار الأوضاع إلي البحث عن مخرج للأزمة، ومن بين هؤلاء أمثال د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. ولهذا بدأت مقالي بكلمة 'للأسف'، فهؤلاء من أصحاب النوايا الحسنة، ب'طيبة قلوبهم' وبما يطرحونه من مبادرات لعودة الإخوان إلي الحياة السياسية، يسمحون ببقاء المشروع الأمريكي الصهيوني لتفتيت المنطقة علي أسس مذهبية، قائمًا ومؤجلا، ويسمحون أيضًا لمن تلوثت أيديهم بدماء المصريين بغسلها من الدماء، والعودة إلي صفوف الوطن مواطنين صالحين!!. طرح د.حسن نافعة في سياق رؤيته للحل تشكيل 'لجنة الحكماء' برئاسة الأستاذ محمد حسنين هيكل، وحرص د.نافعة أن تضم اللجنة المستشار طارق البشري ود.محمد سليم العوا وفهمي هويدي 'ظنا منه أن لهؤلاء كرامة عند الإخوان بوصفهم أصحاب هوي إخواني'، بالإضافة إلي د.جلال أمين ود.زياد بهاء الدين ود.مصطفي حجازي المستشار السياسي للرئيس عدلي منصور.. وأوكل د.نافعة إلي اللجنة مهمة التوفيق بين السلطة الانتقالية الحاكمة في مصر وتنظيم الإخوان. وحدد د.نافعة في مبادرته مجموعة من القواعد العامة لا يختلف عليها اثنان لكنها تبقي مجرد عبارات إنشائية لا جدوي من ورائها ولا داعي لمناقشتها، مثل: 'تخلي كافة الأطراف عن العنف أو التهديد باستخدامه، ونبذ الإرهاب والتنديد به، وفك الارتباط مع كل من يلجأ إليه، وتجريم كل فعل وقول يكفّر أو يخوّن الآخر'، وغيرها. نأتي لمربط الفرس أو مضمون المبادرة، فقد طرح د.نافعة التوصل عبر لجنة الحكماء إلي 'هدنة للتهدئة تستهدف وقف المظاهرات والاحتجاجات والقصف الإعلامي المتبادل مقابل الإفراج عن القيادات، التي لم يثبت تورطها في جرائم يعاقب عليها القانون'. وهنا من حقنا أن نسأل د.نافعة: من في رأيك يمتلك الحق في تحديد من هو المجرم، أو غير المجرم؟!!. أعتقد أنه.. لا أنت ولا غيرك ولا أي لجنة أو حكومة من شأنها تحديد من هو المجرم ومن هو البريء، ولا أنت ولا غيرك من حقه أن ينصِّب من نفسه قاضيًا، ويقف يصنف الناس هذا بريء وهذا مدان!!.. لا أنت ولا غيرك يستطيع من خلال مشاهدة التليفزيون وقراءة الصحف ومتابعة البيانات أو من خلال دراسته كأستاذ للعلوم السياسية أن يحكم في قضايا منظورة أمام النيابة أو القضاء. ما جدوي المبادرة أو تشكيل 'لجنة الحكماء' إذن؟!!. لا أعتقد أن هناك عاقلا يري الحل في أن نمنح القضاء إجازة ونترك الأمر للتفاوض بحيث تتوقف الجماعة الإرهابية عن إرهابها، في المقابل تقرر السلطة الانتقالية الإفراج عمن تحددهم لجنة الحكماء!!. لقد أدهشني كلامك يا د.نافعة عندما قلت: 'إن سيناء تحولت إلي ساحة حرب حقيقية يخوضها الجيش المصري وأجهزة الأمن معًا ضد جماعات إرهابية مسلحة متحالفة مع القوي التي أبعدت عن سلطة الحكم، وأن الجبهة الداخلية باتساع مصر كلها أصبحت أشبه بساحة للكر والفر بين معسكرين يسعي كل منهما لكسر إرادة الآخر وإملاء شروطه كاملة عليه، فسالت دماء غزيرة وامتلأت السجون بالمعتقلين'!!!. ولا أدري.. كيف تري يا أستاذ العلوم السياسية أن الحل في رضوخ الدولة المصرية لهذه الجماعات الإرهابية المسلحة المتحالفة مع تنظيم الإخوان، من خلال عقد صفقة معهم؟!!.. وكيف تحاول أن تمرر لعقول البسطاء أن التصالح مع الإرهاب هو أفضل وسيلة للاستقرار؟!!. لعلك تري إذن، أن عودة الأمور إلي ما كانت عليه مع واشنطن واستقرار العلاقات مع البيت الأبيض وعودة المياه إلي مجاريها والمعونات إلي سابق عهدها تكون بالرضوخ للرغبات الأمريكية!!.. خصوصا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أقوي إلي حد ما من جماعة 'أنصار بيت المقدس' و'ميليشيات خيرت الشاطر'، فلماذا لا نرضخ للإدارة الأمريكية، 'وأهو كله استقرار'؟!!. أنت تؤجل المعركة يا د.نافعة!!.. بل تسهم دون أن تدري في أن يبقي الخنجر المسموم في ظهر الوطن. ما يجب أن يحكمنا جميعًا هو دولة القانون، وبغير ذلك أنت تجرّنا دون أن تدري وربما تدري إلي 'شريعة الغاب'، أو 'شريعة الألتراس'، وتروِّج لأن ترضخ الدولة لأعمال العنف والإرهاب، وتعقد صفقة مع هذه الجماعة ومن يدعو لذلك في تقديري هو من يقوض الدولة ويهدمها. الحل في تطبيق القانون، ولو هناك شخص واحد، قيادة إخوانية أو مواطن عادي، محبوس أو محتجز دون وجه حق فدورنا أن نطالب بالإفراج عنه سواء توقفت المظاهرات أم لم تتوقف، استمر العنف أم لم يستمر، فلا معني لبقاء بريء مقيد الحرية. كل ما يجب أن نطالب به ونحارب من أجله هو عدم توسيع دائرة الاشتباه، وسرعة الفصل في التحقيقات، وتخصيص دوائر خاصة لقضايا الإرهاب، ومحاسبة من يتجاوز من أجهزة الدولة، وأعتقد أن د.نافعة تابع، مثلما تابعنا جميعًا، حكم محكمة جنايات شمال القاهرة الذي قضي ببراءة 62 متهمًا من الإخوان، في أحداث العنف التي شهدتها منطقة رمسيس منتصف شهر يوليو الماضي، والمعروفة بأحداث 'رمسيس الأولي'. ومع أحكام القضاء يجب أن تخرس كل الألسنة وتتوقف 'تجارة المبادرات'.. فلن يقبل المصريون بغير حكم القضاء بديلا. الأهم في تقديري من مناقشة 'مبادرة نافعة' أو غيرها من المبادرات هو: هل يمكن أن يكون هناك مصالحة مع تنظيم الإخوان؟!!، بمعني آخر.. هل تملك الجماعة من أمرها شيئًا لإبرام اتفاق ما، أو الالتزام بهذا الاتفاق؟!. حقيقة، ما طرحه د.نافعة وضعني في حيرة شديدة، وكنت أظن أن أستاذًا للعلوم السياسية يستطيع أن يدرك قبل غيره حقيقة الأوضاع وتعقدها وتشابكها، ويفهم أن المشكلة ليست مع تنظيم الإخوان، فالجماعة هنا مجرد أداة في يد الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسعي لتنفيذ مشروعها في المنطقة العربية. وكأن د.نافعة مع كامل احترامي وتقديري لشخصه الكريم وقف أثناء مشاجرة بالأسلحة، يطالب المطاوي والسكاكين والبنادق الآلية بالتوقف عن الذبح والقتل!!. المعركة الدائرة حاليًا ليست صراعًا بين فصيلين سياسيين، الأول كان في السلطة والثاني أطاح به من فوقها، كما يحاول أن يصورها الإخوان أو من يحركهم، بل نحن أمام دولة تواجه إرهابًا ومؤامرة أمريكية، فكل المؤشرات والمقدمات والنتائج، تؤكد أننا بصدد معركة استقلال وطني في مواجهة مخطط أو مشروع أمريكي تسعي إدارة أوباما لإقراره في المنطقة.. وقراءة الأحداث المتصاعدة في مصر بمعزل عما يجري في العراق وسوريا وليبيا والسودان والخليج العربي، تحمل سذاجة مفرطة. وهو المشروع الذي انقسمت إزاءه الأطراف الفاعلة في المنطقة إلي محورين: الأول: 'تركي قطري صهيوني' يهدف لتقسيم المنطقة علي أسس عرقية ومذهبية إلي دويلات متناحرة، والثاني: 'مصري سعودي إماراتي' تنحاز إليه روسيا والصين، يهدف لبقاء الوضع كما هو عليه، وفق الحدود السياسية التي أقرتها معاهدة 'سايكس بيكو'. وقبل أن يتهمني أحد بأنني أعتمد علي نظرية المؤامرة في تفسير الأمور، أقول: إن تاريخ البشرية أو العلاقات بين الدول سلسلة من المصالح والمؤامرات، وما جري بعد الحرب العالمية الثانية من اتفاقات وتفاهمات وترتيبات بين الدول الكبري لترتيب المجتمع الدولي، معروف للجميع.. ومن لم يفهم بعد لماذا ضربت أمريكا والغرب المشروع الناصري في حرب 1967.. فلا أعتقد أن يدرك ما تمر به المنطقة العربية هذه الأيام. نحن أمام صراع إرادات، وكل طرف يريد أن يفرض إرادته، ولن ينتهي الأمر إلا بانتصار إرادة علي أخري.. أما التنظيم الدولي للإخوان فهو مجرد مخلب قط. يا د.نافعة.. لقد وجهت مبادرتك في الاتجاه الخاطئ، فالإخوان لا يملكون من أمرهم شيئا.. فإن كانت لديك القدرة علي إقناع الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها الأوربيين ومن يسير في ركابهم بالتخلي عن مشروعهم في المنطقة، فافعل.. وإن لم تستطع فما عليك إلا أن تساهم بما تقوله وتكتبه في فضح هذا التنظيم السرطاني أمام البسطاء. إن كنت تؤمن كما نؤمن وكما قلت في مبادرتك بأن الحل الأمني وحده لا يكفي، فدورك ودور القوي الوطنية والسياسية هو تبصير الناس بحقيقة هذه الجماعة والكشف عن تاريخهم الأسود وحاضرهم الأكثر سوادًا أمام من خدعتهم الابتسامات المصطنعة والكلمات البراقة عن الدين والشريعة. وأخيرًا أقول لك ما قلته من قبل للدكتور أحمد كمال أبو المجد: الحياد في المعارك يضعك في خانة لا نحب أن تضع نفسك فيها.