الاحتجاجات المستمرة بأوكرانيا من جانب المعارضة منذ نوفمبر الماضي 2013 بعد عدول الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش عن توقيع اتفاق شراكة كانت مرتقبة مع الاتحاد الأوروبي وتفضيل بقائه مع روسيا بحكم التاريخ والجغرافيا، فبعد تفكك دول الاتحاد السوفيتي واستقلال بلدانه إثر نشوب الحرب الباردة وتمكن الولاياتالمتحدة منذ عهد الرئيس الروسي جوربا تشوف من اختراق وتفكيك حلف وارسو والانتصار علي معاقل الشيوعية والاشتراكية في تلك الدول مقابل إحلال النظام الديمقراطي والرأسمالي الغربي الأمريكي والغربي مكانه بعدها تطلع الكثير من أبناء تلك الدول نحو التغيير والانفتاح علي الغرب وأمريكا التي سعت بكل حيلها لتفتيت دول الاتحاد السوفيتي سابقا ولم يعد يبقي لروسيا حلفاء غير جورجياوأوكرانيا. ففي الوقت الذي أفل فيه نجم روسيا وقل حلفاؤها في منطقة الشرق الأوسط وباقي دول العالم بسبب المخطط الأمريكي و الغربي الذي نجح في إضعافها وتفكك دويلاتها تباعا إلي أن جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فعمل علي إعادة روسيا لقوتها وهيبتها وتأثيرها القوي في مجلس الأمن واشتراكها كخصم عنيد للولايات المتحدة في وقت التصويت علي القضايا الدولية بعد هيمنة القطب الواحد، وعليه لم تعد أمريكا ولا حتي الاتحاد الأوروبي وحدهما يملكان تقرير مصير العالم والتدخل في شئونه كما سبق، وقد عمل الرئيس بوتين علي استرجاع روسيا لعافيتها ومحيطها الدولي والاقليمي وبدأ في الحد من تنامي الهيمنة الأمريكية وبدأ يحافظ علي مصالح روسيا في الشرق والغرب و محيطها الجغرافي كحفاظه علي امتداده التاريخي والاستراتيجي مع جورجياوأوكرانيا و استرجاعه لعلاقاته القوية مع الدول التي كانت خاضعة لروسيا من قبل واستخدام ما يملكه من أوراق كتلويحه بالدخول مع تلك الدول في مصالح مشتركة وإمدادها بالمساعدات اللازمة يأتي علي رأسها مدها بالغاز والبترول بأسعار زهيدة لضمان ولاء شعوبها كما كانت في الماضي. فمن الملاحظ الآن أن الدول العظمي تستخدم ما لديها من قدرات وأوراق للضغط علي الدول الأقل منها نفوذا لضمان ولائها ومحاولة اختراق نقاط الضعف فيها أو العمل علي زعزعة استقرارها لاستخدامها من أجل أهداف استراتيجية وسياسية كبري ومنها إضعاف القوي المنافسة لها في توسعة نفوذها، ولهذا لم يغب عن روسيا ما تفعله أمريكا دول بالعالم وخاصة ما تحيكه في محيطها الإقليمي ومنطقة الشرق الأوسط ودول ثورات الربيع العربي، إن روسيا لا تخشي من انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بقدر ما تخشي من محاولة أمريكا بمكيدة أوروبية ضم أوكرانيا لحلف الناتو كما فعلت سابقا بدوله. لقد نجح كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي في شحن وتعبئة الكثير من أبناء الشعب الأوكراني وإقناعه بالانضمام للاتحاد الأوروبي علي حساب الانفصال عن روسيا وهو ما أدي لخلق معارضة أوكرانية كبيرة خرجت بمظاهرات في العاصمة كييف للضغط علي رئيس الدولة والبرلمان للتوقيع علي اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، واستطاعت تلك المعارضة أن تهدد الأمن والاستقرار العام للدولة واحتلت الكثير من المباني الحكومية التي كثيرا ما استعيد بعضها بالقوة كما أجبرت المعارضة رئيس الحكومة علي الاستقالة و لم توافق المعارضة التي تعمل وفق أجندات خارجية علي كثير من التنازلات من جانب رئيس الدولة لحل تلك الأزمة واشترطت مطالب تعجيزية كالإفراج غير المشروط عن المعتقلين السياسيين وعلي رأسهم رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيمو شنكو، وإلغاء القوانين الجديدة المتعلقة بالتصدي للإرهاب والتظاهر، وإجبار رئيس الدولة علي الاستقالة أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كما تطالب المعارضة بإصلاحات دستورية عاجلة ومنها تقليص سلطة الرئيس و الرجوع إلي العمل بدستور عام 2004 المنبثق عن الثورة البرتقالية التي كانت موالية للغرب في حينه، واشتراطها تشكيل ا لحكومة والاستحواذ علي الوزارات السيادية فيها، ولهذا فقد انقسمت أوكرانيا الآن بين فصيلين متعارضين الأول يشكل النسبة الأكبر من السكان ومعه الحكومة ورئيس الدولة ويفضل البقاء مع التحالف الروسي، والثاني تشكله المعارضة ويفضل الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي مقابل مده بالمساعدات، يحدث ذلك في الوقت الذي تمد فيه روسيا يد العون والمساعدة لأوكرانيا ومنها منحها 15 مليار دولار سلمت منها ثلاث مليارات والباقي مؤجل لحين إجراء أوكرانيا التغيير الحكومي المرتقب مع مدها بالغاز والبترول بمبالغ رمزية، وفي المقابل نجد أمريكا والاتحاد الأوروبي سببا رئيسا في نشوب تلك الأزمة و شريكين أساسيين فيها والدليل علي ذلك زيارة أشتون يوم الثلاثاء الماضي لأوكرانيا بحجة تقريب وجهات النظر وحل تلك الأزمة من خلال تقديم حزمة مساعدات والتقت خلالها بالرئيس الأوكراني وطالبته بالمزيد من ضبط النفس والتعاون لحل الأزمة، كما التقت أيضا بقادة المعارضة وممثلين عن المجتمع المدني، وقد اتضح أن حزمة المساعدات تلك ستكون مشروطة بدخول صندوق النقد الدولي علي المحك وكعادته مشترطا هو الآخر حزمة من الشروط التعجيزية من أوكرانيا مبتغاة منها تحقيق هدف أمريكا والغرب بانضمام أوكرانيا إليهما ولأجل نفس الهدف فإن ألمانيا هي الأخري تنشط الآن في استقبال قادة المعارضة الأوكرانية ومسئولين غربيين كبار بها، وقد لوح وزير خارجيتها بفرض عقوبات علي الحكومة الأوكرانية ما لم تتوصل إلي حل سياسي مرضٍ مع المعارضة، ورغم ما يفعله الاتحاد الأوروبي لصالح أمريكا فقد اكتشف مؤخرا من خلال بعض التسجيلات الخاصة لتصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكية فيكتوريا نورلاند سخريتها من الاتحاد الأوروبي مما أثار غضب المستشارة الألمانية ميركل، وفوق كل تلك المؤامرات التي تعمل علي انفصال أوكرانيا عن روسيا لإضعافها فقد لاحظنا مؤخرا نشاط الجماعات الإرهابية والجهادية وعملياتها المتصاعدة في روسيا وتهديدها بالعمل علي افشال الأولمبياد الشتوية المقامة في سوتشي لزعزعة الأمن والاستقرار في روسيا وهوا الأمر الذي ناقشه بوتين مع الرئيس الأوكراني علي هامش افتتاح البطولة التي نجحت فيها روسيا نجاحا كبيرا وبحضور كبير لرؤساء العالم غاب عنه الرئيس الأمريكي والفرنسي والألماني والبريطاني. وبالنظر إلي ما يحدث الآن ويحاك من جانب المخططات الصهيونية الأمريكيةوالغربية في مصر ودول الربيع العربي نجده يتشابه إلي حد كبير مع ما يحدث في أوكرانيا وبخاصة بعد أن أفشلت مصر المخطط الصهيوني بإسقاطها للتنظيم الإرهابي الدولي الذي كان يسعي لانتشار مفهوم الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما تصدت له مصر وخاصة بعد ثورة شعبها في الثلاثين من يونيو بوعي وطني وبمساعدة من الجيش المصري وخلعها للنظام الإخواني بلا رجعة مما أدي إلي تعرض مصر للانتقادات الدولية وممارسة أمريكا تهديداتها المختلفة للضغط علي مصر والتدخل في شئونها وسيادتها وعدم اعترافها في البداية بتلك الثورة، ساعدها في ذلك الكثير من الدول الغربية والدول التي تؤوي وتساعد التنظيمات الإرهابية التي كانت تسعي إلي تحقيق أجندات خارجية تعمل علي إسقاط الجيش المصري وإضعاف وتقسيم البلاد كما حدث في الدول المجاورة ومع فشل المخطط الصهيوني الأمريكي الغربي في ذلك اتجهوا مؤخرا إلي ممارسة خطة بديلة وهي خلق ما يسمي بالفوضي الخلاقة والصراعات الدموية في بلدان الربيع العربي ومنها مصر وهو ما نلحظه مؤخرا من قيام الجماعات الإرهابية بالكثير من عملياتها الإجرامية في جميع المدن المصرية بمساعدة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والتركية والقطرية، ولولا الوطنية الواعية عند المصريين ولولا حرص وإخلاص ووعي جيشنا العظيم ودعم أجهزة الشرطة وتصديهم معا لكل تلك المؤامرات التي تحاك ضدنا لكانت مصر قد ضاعت منا إلي الأبد، لهذا علينا أن نستفيد مما يحدث في أوكرانيا الدولة القوية التي تساندها روسيا بعتادها ورغم ذلك تحاصرها الذئاب من كل جانب، ولهذا فعلينا الآن أن نواصل خطانا وألا نغفل عما يدبره أعداؤنا وألا نفقد الثقة في جيشنا العظيم الذي يوجه ضرباته بضراوة واستبسال لكل الذئاب التي تهاجم مصر لدرجه اقترب فيها بالمساندة الشعبية المصرية من توجيه ضربته القاضية لأعدائنا لفرض سيادة مصر وإرادة شعبها علي العالم و مخلفا بذلك الخزي والعار لتلك الدول الشيطانية.