بينما تأخر الوقت كثيراً في اللعبة، فإنه لم يفت بالنسبة لعودة أوكرانيا لمسار التكامل الأوروبي. يواصل مئات الآلاف من الأوكرانيين، الغاضبين بسبب رفض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش مؤخراً التفاوض بشأن اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، احتجاجاتهم على اتجاه "يانوكوفيتش" الواضح نحو موسكو علاوة على الفساد في حكومته. وهناك خطر كبير من تصاعد المظاهرات، مما ينتج عنه إراقة الدماء، وانكشاف الديمقراطية الهشة في أوكرانيا. من ناحيتها، تقوم إدارة أوباما بعمل جيد فيما يتعلق بإدارة الأزمات- حيث تؤكد على الحاجة إلى احترام حرية التجمع السلمي، وتحث على التزام الهدوء- ولكن هذا لا يكفي. فمن الضروري للولايات المتحدة ممارسة قيادة قوية، لتعكس اتجاه "يانوكوفيتش" تجاه موسكو، وحث أوكرانيا على الانخراط مجدداً في الاتحاد الأوروبي، احتراماً لخيار الشعب الأوكراني الحضاري الواضح. كما يتعين على الإدارة التأكد من أن الدول المجاورة لأوكرانيا - وأهمها بولندا على وجه الخصوص- ترى قرار "يانوكوفيتش " ككارثة استراتيجية ودعوة لمزيد من سوء التصرف من قبل موسكو في المنطقة، ولكن حتى في أثناء قيامهم بذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين بذل أقصى جهودهم في روسيا. أما بالنسبة للتكتيكات الروسية - حيث فرض الرئيس فلاديمير بوتين عقوبات تجارية وهدد بقطع إمدادات الغاز، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية كبيرة - فقد كانت أكثر من اللازم بالنسبة ليانوكوفيتش، الذي تعاني بلاده من أزمة مالية. والخطوات التالية هي ما يهم، لأن أوكرانيا تهم. فهي عبارة عن أرض بمساحة فرنسا، ذات موقع استراتيجي حيث تقع على مفترق الطرق في أوراسيا، مع عدد سكانها البالغ 46 مليون نسمة وإمكانياتها الاقتصادية الهائلة. وقد أشار الرئيس السابق بيل كلينتون ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون إلى فهمهما لهذه الأهمية الاستراتيجية في سبتمبر عندما ناشدا الحكومة الأوكرانية لمقاومة الضغط الروسي وتوقيع اتفاقية الاتحاد الأوروبي. وخلال مؤتمر يالطا السنوي حول الاستراتيجية الأوروبية، وصف آل كلينتون ببلاغة المخاطر الكبيرة لكل الأطراف المعنية، وقالا: "لا يجب على أوكرانيا الاختيار بين روسيا والاتحاد الأوروبي." وحتى الآن، فان تصرفات روسيا لم تكلفها أي شيئاً فيما يتعلق بعلاقتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، فإن موقف إدارة أوباما، الذي يهتم بالأعمال كالعادة، نحو روسيا قد تم تأكيده من خلال الزيارة التي قام بها مؤخراً النائب الأول لرئيس الحكومة الروسية "إيجور شوفالوف" لواشنطن ولقائه مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية لمناقشة آفاق معاهدة الاستثمار الثنائية. هذا يجب أن يتغير، فتهديدات موسكو بالإضرار باقتصاد أوكرانيا تعد انتهاكاً لالتزامات روسيا فيما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية، وكذلك الاتفاقيات الأخرى التي تعد روسيا طرفاً فيها. ويجب الطعن في هذه التهديدات بقوة باعتبارها غير قانونية. ويجب إخطار روسيا، أولاً على نحو خاص وبعد ذلك علانية، أن الولاياتالمتحدة ستمارس ضغوطاً لاتخاذ حزمة كبيرة من الإجراءات، من بينها عقوبات منظمة التجارة العالمية، وطرد روسيا من مجموعة الثماني، وحتى مقاطعة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية لعام 2014 من قبل الزعماء السياسيين إذا لم تتخلَ روسيا عن التكتيكات العنيفة نحو كييف. وستهدد جميع هذه التدابير مكانة بوتين الدولية التي يقدرها كثيراً. وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تواصل الاعتماد على المناشدة القوية للمحتجين من أجل إبرام الاتفاقية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، كما يتعين على إدارة أوباما أن تعمل مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لرسم مسار للعمل من شأنه توفير الحوافز المالية المناسبة لكييف، الإعفاء من الرسوم عند الدخول لأسواق الاتحاد الأوروبي. كما ينبغي إشراك صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية لوضع حزمة مساعدات لأوكرانيا لتعويض المساعدات، التي طرحتها موسكو. وقد أشارت أوكرانيا إلى رغبتها لقبول مجموعة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، لذا فإنه يجب إعادة بدء مفاوضات حول كيفية القيام بهذه الإصلاحات. كما يجب أن تشمل هذه الإصلاحات طلب الاتحاد الأوروبي من أوكرانيا بالإفراج عن "يوليا تيموشينكو"، رئيسة الوزراء السابقة والعدو الرئيسي ل"يانوكوفيتش"، من السجن. ويتعين على الإدارة كذلك التوضيح ل"يانوكوفيتش" أنه سيفقد شرعيته إذا استسلم للضغوط الروسية. وهناك من الأسباب ما يدعو للتصديق أن يانوكوفيتش، بينما يتعاطف مع روسيا، إلا أنه يرحب بفرصة لمواصلة استراتيجيته السابقة في الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا. ومن ناحية أخرى، ينبغي على المسؤولين الأميركيين استعادة استراتيجيتهم التي استخدموها عام 2004، عندما تحدى الرئيس الأوكراني "ليونيد كوتشما" ضغوط موسكو للتمسك بنتائج الانتخابات المزورة وأتاح طعناً قانونياً من قبل المعارضة، مما نتج عنه إجراء انتخابات جديدة. ومما يثير السخرية أن هذه الانتخابات تعاطفت مع يانوكوفيتش، الذي كانت تفضله موسكو، ضد فيكتور يوشينكو الموالي للغرب بشدة. ويرجع السبب الرئيسي في النجاح إلى الدبلوماسية الحازمة لكل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة بولندا. وقد يرغب "يانوكوفيتش"، الذي يشعر بالجزع بسبب احتجاجات الشعب الأوكراني المستمرة، إلى إعادة النظر في قراره. تلك الاحتجاجات يجب أن تكون الملهم للاستياء الدبلوماسي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. مستقبل أوكرانيا السياسي والاقتصادي وقدرة الاتحاد الأوروبي على توفير الاستقرار في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي يتقابلان في كفتي الميزان. بولا دوبريانسكي زميلة بمركز بيلفر للشؤون الدولية بجامعة هارفارد، ووكيلة وزارة الخارجية للشؤون العالمية في إدارة جورج دبليو بوش نوع المقال: سياسة دولية الاتحاد الاوربى-شمال اسيا