تأتى اخبار انخفاض العملة الأوكرانية فى مواجهة الدولار ضمن تقارير اقتصادية كثيرة عن تأثر عملات الاسواق الناشئة بتخارج الولاياتالمتحدة من خطة «التيسير الكمى» التى اتبعتها لمواجهة تداعيات الازمة المالية، الا ان قصة تراجع ال«هيرفنيا» الاوكرانية تنطوى ايضا على خفايا الصراع السياسى بين روسيا ودول الاتحاد الاوروبى، والاحتجاجات الشعبية ضد الرئيس الاوكرانى فيكتور يانكوفيتش، والتى ساهمت جميعها فى تفاقم ازمة عملة هذا البلد. خلال العام الذى لانزال فى بدايته فقدت العملة الاوكرانية نسبة من قيمتها، ضمن مسلسل الازمة الاقتصادية الذى تفاقم منذ نهاية 2013 مع تصاعد التظاهرات ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش، حيث احتل المتظاهرون ميدان الاستقلال فى قلب العاصمة كييف منذ نوفمبر الماضى ونشروا حركات معادية للحكومة عبر البلاد. ويساهم عدم وضوح المستقبل السياسى فى زيادة الضغوط على المؤشرات المالية لأوكرانيا، فمؤسسة فيتش خفضت تصنيف ديونها بالعملة الاجنبية إلى تصنيف أقل من اليونان، واحتياطيات النقد الاجنبى انخفضت إلى 17.8 مليار دولار، حتى يناير 2014، وهو اقل مستوى لها منذ عام 2006، فى ظل ضعف النمو الاقتصادى الذى بلغ 0.4% فى 2013. ويحاول البنك المركزى الاوكرانى مساندة الهيرفنيا سواء بالتدخل ببيع الدولارات فى سوق النقد، لتخفيض سعره امام العملة الوطنية، او بفرض قيود على حركة صعود الاموال، وهى الاجراءات التى ساعدت على تماسك الهيرفنيا امام الدولار وصعودها بشكل محدود فى بعض الاوقات. وتعود جذور الازمة السياسية إلى عزوف يانكوفيتش عن التقارب مع اوروبا، حيث اعلن فى نوفمبر 2013 عن توقف المحادثات مع الاتحاد الاوروبى بخصوص اتفاق تجارى والاتجاه إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع روسيا، وهو ما أشعل الصراع بين انصار اوروبا ومؤيدى النفوذ الروسى فى البلاد. روسيا بدورها لم تتأخر عن مساعدة اوكرانيا مع تصاعد الازمة السياسية فى كييف، حيث قدمت مساعدات بقيمة 15 مليار دولار انقذت البلاد من التعثر فى ديسمبر الماضى، ولكن موسكو علقت الحزمة الثانية من المساعدات حتى يتضح من سيكون رئيس الحكومة الجديد بعد استقالة ميكولا ازاروف، المقرب من روسيا، تحت ضغط المظاهرات الشعبية. وينفى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ان يكون هناك ارتباط بين مساعدات بلاده واية شروط سياسية، ويؤكد ان المساعدات موجهة للشعب وترتبط فقط بتطبيق اصلاحات هيكلية، لأن «الناس فقط هم من يعانون وقت الصراع على السلطة» كما نقلت عنه الفاينانشيال تايمز. وفى ظل الضغوط المالية التى تتعرض لها اوكرانيا يشعر الكثير من المراقبين بالقلق من امكانية تعثر الحكومة فى سداد مديونياتها، خاصة وأن لها تجربتين غير بعيدتين فى التعثر فى عامى 1998 و2000، لكن التقرير الاخير لبنك اوف امريكا عن اوكرانيا اعتبر ان الازمة المالية الحالية تختلف عن سابقتها وانها بلد مهم لدرجة تضمن لها اتاحة المساعدات. فالدول الغربية هى الاخرى تترقب شكل الحكومة الجديدة ونوعية انحيازها، وقد صدرت تصريحات من الاتحاد الاوروبى والولاياتالمتحدة عن تطلعها إلى مساعدة الحكومة الاوكرانية الجديدة، ووفقا لتوقعات بنك اوف امريكا ففى حالة سيطرة المعارضة على الحكم قد تعيد روسيا النظر فى مساعدتها للبلاد، ولكن البديل الغربى سيكون متاحا.