طرحت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية في ظل الاضطرابات الطاحنة التي تشهدها أوكرانيا، 9 أسئلة تتعلق بأوكرانيا، قد يستشعر الحرج في طرحها أي مواطن غير أوكراني يرغب في متابعة المشهد السياسي بأوكرانيا والاطلاع على تفاصيله وما وراء التفاصيل، كما أجابت عليها، وكان نص الأسئلة التسعة وإجاباتها كالتالي: 1. ما هي أوكرانيا؟ هي الدولة التي تقع شمال قارة أوروبا بين روسيا ووسط أوروبا، وتتمتع بمساحة كبيرة، حيث تقترب مساحتها من مساحة ولاية تكساس، يعادل عدد سكانها أقل من ضعف عدد سكان تكساس، ولها تاريخ طويل من المعاناة والخضوع لقوى استعمارية أجنبية، وهو ما انعكس على اسمها الذي يرى الكثير من الخبراء أن معناه «المنطقة الحدودية»، فيما يرى آخرون أن اسمها يعني «الوطن»، حصلت على استقلالها أخيرًا، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وقبل ذلك كانت ذات حدود وطبيعة ديموغرافية مختلفتين. 1. لماذا يتظاهر الأوكرانيون؟ بدأت التظاهرات في مدينة كييف، بعدما أعلن الرئيس الأوكراني «فيكتور يانكوفيتش»، رفضه التوقيع على اتفاق تجاري كان سيقرب أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي ويساعد على اندماجها داخل المنظومة الاقتصادية للاتحاد، وهو الاتفاق الذي حظى بشعبية كبيرة، وأيده الكثيرون خاصة في كييف. ويرى الأوكرانيون أن «يانكوفيتتش» منذ توليه الحكم عام 2010، وهو يمضي قدمًا في تنفيذ سياسات غير حكيمة أضرت بالاقتصاد الأوكراني، فضلًا عن اتهاماتهم المتزايدة له بالفساد، وما أضاف إلى الغضب الشعبي، توقيع «يانكوفيتش» على قانون منع التظاهر، الذي من شأنه تقويض حرية التعبير، والإعلام، وخاصة المعارض للحكومة، وكلها عوامل أسهمت في تأجج الوضع وإشعال التظاهرات. 1. هناك مزاعم تفيد بأن الأوكرانيين يرغبون في التقرب من الاتحاد الأوروبي، فيما تخيرت حكومتهم التبعية لموسكو، هل هذا صحيح؟ إلى حد ما صحيح، ذلك أن العديد من الأوكرانيين يرغبون في توثيق علاقة بلادهم بالاتحاد الأوروبي وليس بروسيا، فيما يميل نظام «يانكوفيتش» إلى الاقتراب من روسيا، ولكن برغم تأييد الكثيرين للاتفاق الذي كان من المفترض أن تبرمه أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، فإن هذا لا ينفي أن هناك أيضًا قطاع عريض منهم رافض للاتفاق ويفضل الاقتراب من روسيا. والأزمة التي تشهدها أوكرنيا هذه الأيام برغم أنها تتعلق في الجزء الأكبر منها بسياسات «يانكوفيتش» الفاشلة، فإنها تنضوي على مشكلة آخرى تتعلق بصراع الهوية القومية المترسخ داخل اوكرانيا، حيث تتجاذبها أوروبا من ناحية، وتشدها روسيا إليها بقوة من ناحية أخرى، حيث دومًا ما اعتبرتها الأقرب لها ثقافيًا وحضاريًا وأنها الأولي بها، وهذا الصراع انعكس على الهوية القومية للشعب الأوكراني نفسه، الذي أصبح نصفه يميل لروسيا، والنصف الاخر لأوروبا. 1. إذن فكيف حدث هذا الانقسام الشعبي؟ الواقع أن أوكرانيا تعرضت للغزو والتقسيم أكثر من مرة عبر قرون مديدة، من جانب قوي مجاورة لها شملت بولندا، والنمسا، ولكن روسيا كان لها النصيب الأوفر في البقاء لفترة أطول على أراضي أوكرانيا، وخلال فترة احتلالها لها، لم تقتصر رغبات روسيا على السيطرة على مقاليد الحكم في أوكرانيا، ولكنها رمت إلى «ترويس» أوكرانيا، وصبغ ثقافتها وتاريخها بصبغة روسية، في إطار مساعي بدأت منذ 250 عام، في عهد كاثرين العظيمة، التي حكمت الإمبراطورية الروسية أواخر القرن الثامن عشر، وعرف عهدها ب «العصر الذهبي» لروسيا. ورغم أن حوالي سدس الشعب الأوكراني روسيّ العرق، فإن التأثير الثقافي الذي طبعته الإمبراطورية الروسية خلال حكمها لأوكرانيا تغلغل بعمق في الثقافة الأوكرانية، وهو ما لا يستدل عليه فقط من تحدث بعض الأوكرانيين اللغة الروسية، فعندما تولى الرئيس فيكتور يوشينكو الحكم عام 2005، كان 60% من البرامج التي تبثها القنوات الأوكرانية، بااللغة الروسية، و40% منها فقط باللغة الأوكرانية. 1. وبعد هذا التعقيد، هل من استراحة نستمع فيها إلى الموسيقى؟ بالفعل تتمتع أوكرانيا بميراث موسيقي زاخر، ومن أروع كلاسيكيات الموسيقى الأوكرانية تلك التي ألفّها الموسيقي ميكولا ليزينكو. 1. طالما أن روسيا اعتادت أن تحكم أوكرانيا في الماضي ولم تعد تفعل ذلك الآن، فلماذا إذن المزاعم التي تفيد بسيطرتها على شؤون الحكم في أوكرانيا اليوم؟ تلك المزاعم سببها تعنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الضغط على أوكرانيا من أجل رفض الاتفاق الأوروبي، والانضمام بدلًا من ذلك للمعسكر الاقتصادي الأوروبي الأسيوي بقيادة موسكو، حتى بلغ الأمر حد التهديد بفرض العقوبات، وهو ماحدث قبل ذلك عام 2004 و2006 حين وقف بوتين تصدير الغاز لأوكرانيا. والأكثر من ذلك أن «بوتين» حين يقصي أوكرانيا عن شئ، يعوضها بدلًا منه، فبعد أسابيع معدود من رفض «يانكوفيتش» للاتفاق عرض «بوتين» مساعدات مالية قدرت ب 15 مليار دولار، بالإضافة إلى خصم 33% على واردات أوكرانيا من الغاز الطبيعي الروسي، ما يجعل «يانكوفيتش» غير قادرًا على التخلى عن الاحتماء بروسيا والانحياز لها. 1. لماذا كل هذا الاهتمام الروسي بأوكرانيا؟ هناك أساب ظاهرية لذلك الاهتمام، تتعلق بالروابط الثقافية المترسخة بين البلدين، فضلًا عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستطيع مقاومة رغبته في الاقتراب من بلد يربطه بروسيا إرثا كبيرًا من التاريخ المشترك، والأكثر من ذلك أن أوكرانيا تعد مستودعًا للغذاء الذي تستورده منها روسيا، ومعبرًا استراتيجيًا لصادرات روسيا من الطاقة. 1. لماذا لم تتدخل الولاياتالمتحدة أو أوروبا لإصلاح هذا الوضع؟ الواقع ان القوى الغربية لم يكن بإمكانها الضغط على «يانكوفيتش» لتعديل سياساته وتوجهاته الروسية، أو التوقف عن أفعاله السلطوية التي يمضي فيها قدمًا منذ اندلاع الأزمة، ويبدو أن «بوتين» والأوكرانيين هم من يملكون قوة التغيير، وليس هناك شئ واضح بخصوص ما يمكن للغرب القيام به. بالإضافة إلى ذلك فإن ثمة مخاوف تساور الغرب من أن يسفر أي موقف قوي يتخذه عن تداعيات لا يحمد عقباها، قد تزيد الصدام وقد تزيد الوضع تدهورًا. 1. إذن فما المتوقع أن يحدث بعد ذلك؟ نجح البرلمان الأوكراني في استبعاد أجزاء كثيرة من قانون التظاهر الذي أغضب الشعب الأوكراني، كما ضمن للمتظاهرين العفو عنهم حال مغادرتهم للمباني الحكومية التي تجمعوا عندها واعتصموا بها. وعلى الجانب الآخر قام «بوتين» بتعليق المساعدات المالية التي اعتزم تقديمها، ما قد يمنح «يانكوفيتش» فرصة جيدة للتراجع عن موقفه وقبول الاتفاق الأوروبي. وحتى الآن لازالت التظاهرات مستمرة وفي تزايد حتى شملت المناطق التي يتحدث أهلها الروسية، وهي التظاهرات التي تجاوزت في دوافعها مسألة الاتفاق الأوروبي، والانقسام الثقافي، وقانون التظاهر، وصارت الآن أكثر تأججا وارتباطًا بسياسات «يانكوفيتش»، «البشعة» في التعامل مع الأزمة الدائرة منذ شهرين، وجعلته في مأزق صعب.