رحيل نجم جديد عن الأهلي    رغم تعديل الطرق الصوفية لموعده...انطلاق الاحتفالات الشعبية بمولد «الشاذلي» والليلة الختامية يوم «عرفة»    ال 7 وصايا| الصيانة الدورية وتخفيف الحمولة.. أهم طرق ترشيد استهلاك وقود السيارة    أخصائية نفسية: طلاب الثانوية العامة قد يلجأون للانتحار بسبب الضغط النفسي    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالشرقية وخطوات الاستعلام برقم الجلوس (الموعد و الرابط)    اليوم.. انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة القليوبية    أسعار الفراخ والبيض في بورصة وأسواق الشرقية السبت 31 مايو 2025    400 مليون جنيه..الأهلي يتلقى إغراءات ل بيع إمام عاشور .. إعلامي يكشف    إرجاء امتحانات الشهادة الإعدادية بالبحيرة اليوم لمدة ساعة لسوء الأحوال الجوية    تشكيل باريس سان جيرمان ضد إنتر في نهائي دوري أبطال أوروبا    إسرائيل تمنع دخول وزراء خارجية عرب لعقد اجتماع في رام الله    تأجيل امتحانات جامعة الإسكندرية اليوم لسوء الأحوال الجوية    قوات الاحتلال تنفذ عمليات نسف شمالي قطاع غزة    عاصفة الإسكندرية.. انهيار أجزاء خارجية من عقار في سبورتنج وتحطم سيارتين    تأخير موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالإسكندرية بسبب العاصفة والأمطار الرعدية    رئيس اللجنة العليا للحج والعمرة: تسكين 38 ألف حاج بمكة والمدينة المنورة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة مدربة أسود سيرك طنطا في واقعة النمر    العفريت الذي أرعب الفنانين| «الفوتوغرافيا».. رحلة النور والظلال في 200 سنة    6 طرق للحفاظ على صحة العمود الفقري وتقوية الظهر    «سأصنع التاريخ في باريس».. تصريحات مثيرة من إنريكي قبل نهائي دوري الأبطال    على معلول يودّع الأهلي برسالة مؤثرة للجماهير: كنتم وطن ودفء وأمل لا يخيب    ثروت سويلم: رابطة الأندية أخطأت في موعد مباراة الأهلي والزمالك    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    ترامب يعلن عزمه مضاعفة تعرفة واردات الصلب إلى 50%    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نمنح الحصانة لأحد وسنرد على أي تهديد    ترامب يكشف موعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة    النائب أحمد السجيني يحذر من سيناريوهين للإيجار القديم: المادة 7 قد تكون الحل السحري    النيابة تستعجل تحريات واقعة مقتل شاب في الإسكندرية    ماس كهربائي يتسبب في نشوب حريق بمنزلين في سوهاج    ب62 جنيه شهريًا.. أسعار الغاز الطبيعي اليوم وتكلفة توصيله للمنازل (تفاصيل)    «تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    أحمد حلمي ومنى زكي وعمرو يوسف وكندة علوش في زفاف أمينة خليل.. صور جديدة    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    «القاهرة للسينما الفرانكوفونية» يختتم فعاليات دورته الخامسة    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    بعد تلميحه بالرحيل، قصة تلقي إمام عاشور عرضا ب400 مليون جنيه (فيديو)    رئيس «النحّالين العرب»: قطاع تربية النحل يتعرض لهجمات «شرسة» سنويًا لتشويه المنتج المحلى    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    لا تتركها برا الثلاجة.. استشاري تغذية يحذر من مخاطر إعادة تجميد اللحوم    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    لا تضيع فضلها.. أهم 7 أعمال خلال العشرة الأوائل من ذي الحجة    الجماع بين الزوجين في العشر الأوائل من ذي الحجة .. هل يجوز؟ الإفتاء تحسم الجدل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    عاجل|أردوغان يجدد التزام تركيا بالسلام: جهود متواصلة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    مدير «جي إس إم» للدراسات: فرص نجاح جولة المباحثات الروسية الأوكرانية المقبلة صفرية    «قنا» تتجاوز المستهدف من توريد القمح عن الموسم السابق ب 227990 طنًا    «أصيبت به نوال الدجوي».. ما هو مرض «الدمنشيا» وهل يختلف عن الزهايمر؟    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا    سعر الذهب اليوم السبت 31 مايو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد    مشرف بعثة الحج السياحي: إلغاء ترخيص الشركات السياحية المخالفة للضوابط المنظمة    شريف عبد الفضيل يحكى قصة فيلا الرحاب وانتقاله من الإسماعيلي للأهلى    بدء تصوير "دافنينه سوا" ل محمد ممدوح وطه الدسوقي في هذا الموعد    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة المائة يوم ويوم حول السويس
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 03 - 11 - 2013

طلب القائد العسكري الإسرائيلي وقواته علي بعد 8 كم محافظ السويس وقال له: يا خولي عليك أن تحضر ومدير الأمن إلي ' الاستاد' لتسليم المدينة وجاء الرد من القاهرة للمحافظ حاسماً لا تسلم وقاوم
بدأ الإسرائيليون يمهدّون لاقتحام المدينة بقصف جوي ومدفعي مكثف، بدا معه أن المدينة تهتزّ حجراً حجراً
دخلت القوات الإسرائيلية من شارع الجيش علي خط واحد بقوة كتيبة دبابات.. وكتيبة صاعقة وقوة مشاة
شهادة ضابط إسرائيلي 'أطلقوا علينا النار من جميع المنازل ومن جميع الشبابيك والمنافذ بالأسلحة وقنابل البازوكا والقنابل اليدوية'.
اضطر الإسرائيليون تحت قوة الضربات أن يقذفوا بأنفسهم من المدرعات والناقلات إلي أرض الشارع.. وبدأوا يبحثون عن مهرب
كانت المدرعة التي دمرت هي مدرعة ' يوسي' قائد القوة المهاجمة.. وقد أصيب باصابات بالغة.. كما أصيب في اللحظة نفسها قائد قوة المظلات المقتحمة بجراح خطيرة
توقف تقدم الإسرائيليين بعد أن دمرت مدرعتان تدميراً كاملا.. وأصيب ثلاث مدرعات أخري.. وتناثرت جثث الجنود فوق أرصفة الشارع.. وكان الجرحي يصرخون: 'أماه.. أريد أن أعيش'!
كان بمقدور كل الذين أطلوا علي المشهد أن يروا ضابطا برتبة نقيب وخمسة جنود يتنقلون علي محيط نصف دائرة وهم يستخدمون كل شيء لضرب الاسرائيليين: بنيران الأسلحة، القنابل، الصواريخ، حتي السلاح الأبيض قبل أن يسقط قائد المجموعة – من استطلاع الجيش الثالث – شهيدًا، وهو يصد بلحم صدره جنازير الدبابات
أعلن الإسرائيليون الذين احتموا بقسم شرطة الأربعين قبولهم بالاستسلام.. شرط أن يضمن المقاتلون المصريون حياتهم
قررت مجموعة الفدائيين أن تضع خاتمة فاجعة للمعركة، فكومت كرات مشتعلة من اللهب، ومرت علي المدرعات الإسرائيلية واحدة واحدة، وألقت في جوف كل منها كرة مشتعلة، وتوالت سلسلة انفجارات حولت الليل إلي نهار، فقد تم تدمير ثلاثين دبابة في لحظة واحدة
هرب ما تبقي من الإسرائيلين وأخذوا يجرون أجسادهم علي الطريق حتي الخروج من المدينة مسافة 4 كم.. وحسب شهادة أحدهم 'مررنا بالقرب من القوات المصرية.. سرنا بهدوء، وأخذنا نرتجف من الخوف '.
مع أول ضوء. دخلت عشر دبابات إسرائيلية من طريق آخر الي الكورنيش، قطعت الطريق كله، ومرت بمبني المحافظة، وانتهت عند بورتوفيق قرب نهاية الشاطئ اصطدمت إحدي الدبابات بلغم مجهول وانفجرت، انشغلوا بسحب الدبابات المعطوبة، وخرجوا راعهم صمت المدينة، فتصوروا أنها رفعت راية الاستسلام.
علي أبواب شركة السويس وعلي مسافة 7 كم من المدينة أطلّ العمال والموظفون علي مشهد غريب، فقد فتح الجنود الإسرائليون أغطية الدبابات وأخرجوا رؤوسهم منها وهم يصرخون في فرح هستيري.
هكذا أعلنوا سقوط السويس، وبعد وقت قصير أراد القائد العسكري الإسرائيلي أن يمارس وظيفته كحاكم عسكري، طلب المحافظ علي التليفون، وقال له:
يا خولي عليك: أن تحضر أنت ومدير الأمن إلي الاستاد لتسليم المدينة من كل جانب، فحافظ علي أرواح المدنيين.
رد المحافظ:
لا أستطيع أن أسلم المدينة إلا إذا اتصلت بالقاهرة، أمهلني بعض الوقت..
قال القائد الإسرائيلي:
سأمهلك ربع ساعة، وعليك أن تعاود الاتصال، وإذا لم تتصل سأهدم المدينة بالطيران، وأدخلها بالقوة.
مرت الدقائق بسرعة، لا أحد يعرف علي وجه اليقين إذا كان المحافظ قد اتصل بالقاهرة في هذا التوقيت أم بعده، أي في صباح اليوم التالي، لكن المؤكد أن الاتصال قد حدث، والمؤكد أن المحافظ قد قدّم بالتليفون للقاهرة، حصرًا بالماء والمئونة التي تتوافر داخل السويس.. وأن هذا الحصر كان يؤكد أن المدينة لا تستطيع الصمود تحت الحصار غير أيام قليلة جدًا..
جاءه الرد من القاهرة حاسمًا وحازمًا: لا تسلّم.. قاوم
مرت الدقائق الخمس عشرة، التي أعطاها القائد الإسرائيلي كمهلة للمحافظ.. لم يتصل المحافظ، فعاود الإسرائيلي الاتصال. قال:
ياخولي، أنت كذبت عليّ.. سلِّم المدينة فورًا..
قال المحافظ:
علي أي أساس أسلِّم المدينة..؟
رد الإسرائيلي:
علي أساس أنك والمدينة تحت الحصار.. وحفاظًا علي المدنيين.
أغلق المحافظ، التليفون.. ، حاول الإسرائيليون الاتصال للمرة الثالثة.. ،
رد هذه المرة سيد قناوي مدير مكتب المحافظ، قال سيد قناوي: المستشار العسكري علي إسلام يرفض تسليم المدينة، ثم انقطع الاتصال.
أثناء ذلك، وفي تمام الساعة 9.15 رأي الفدائيون المتحصنون في أكمنتهم، سيارة المحافظ، قادمة من اتجاه الكورنيش، في طريقها إلي قلب المدينة، أو إلي حي الأربعين..
بعد دقائق كرر الإسرائيليون تهديدهم بقصف المدينة، وتدميرها، إذا لم ترفع المناديل البيضاء.. لم يرد عليهم أحد.. بدأوا في تنفيذ تهديدهم..
اشتعلت السماء بقصف جوي مركّز، وبقصف مدفعي مكثّف، حتي بدا أن المدينة كلها تهتز حجرًا حجرًا.. كانوا يمهدون للهجوم الكبير بالمدرعات.
عند مداخل المدينة، كانت هناك ثلاث مجموعات من الفدائيين كل مجموعة تتكون من 3-4 أشخاص، وكان في حوذتهم جميعاً 2 قذيفة 'آر. بي. جي' وعدد خمس طلقات فقط لا غير، وكان عليهم في تمام الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة. أن يواجهوا كتيبة كاملة من الدبابات الإسرائيلية، وكتيبة من قوات الصاعقة.. ويمنعوهم من اقتحام المدينة..
هكذا تحققت المعجزة
علي مشارف مدينة السويس في ذلك الصباح الباكر من يوم 24/10. كانت قوة المدرعات الإسرائيلية وقوة المظليين الإسرائيليين تنهب الطريق الأسفلتي، الذي ينحدر إلي قلب المدينة قريبًا من خط السكة الحديد.
قال أحد القادة الإسرائيليين لجنوده داخل المصفحة:
'أخيرًا نستطيع أن نري تحصيناتنا علي رصيف الميناء من الجانب المصري.. لقد كنت ذات مرة قائد التحصين وكنت أطل علي مدينة السويس كل صباح، والآن سيمكنني أن أشاهد الرصيف من داخل المدينة.
كان الصيد يبدو سهلاً وثمينًا في آن واحد.وكانت نهاية الرحلة تبدو دانية ومجزية..
اعتقد الإسرائيليون - حسب وثائقهم – أن سكان السويس هربوا منها خوفًا من اللهيب الذي يطرق أبواب مدينتهم، وأنهم جرّوا بقاياهم، واتجهوا إلي قمم جبلي جنيفة، وعتاقة المطلين علي المدينة، وتعلقوا في الفراغ البعيد طلبًا للخلاص.
وكما بدا الطريق إلي المدينة خاليًا، بدت المدينة مهجورة، وأحس الإسرائيليون بزهو مضاعف، فقد كانت المدرعات الإسرائيلية التي تتدحرج في اتجاه قلب المدينة، ملأي بمظليين وصفوهم بأنفسهم أنهم.. 'متمرسون في القتال، بينهم من حرر القدس القديمة، خلال حرب الأيام الستة. ومن نال النياشين وحظي بشهرة فائقة'..
اتجهوا جنوبًا، وتحركوا في طوابير ثلاثة، كانت الدبابات في المقدمة وفي المنتصف بعض الناقلات التي تحمل المظليين، وفي النهاية 'قول' من ناقلات الجنود.
قبل دخول المدينة تأكد الإسرائيليون أن الطريق لم يكن خاليًا، فعلي مسافة بضعة كيلو مترات: 'ساد هدوء ممتع فعلاً، وفجأة مر صاروخ 'ساجر' فوق رؤوسنا وانزلق فوق رتل المجنزرات علي ارتفاع منخفض، وقد قطعت زعانف الصاروخ، إصبعين من أصابع أحد الضباط، وراحت المجنزرات تبحث عن مخبأ الصواريخ وعندما أطلق صاروخ آخر، رأيناه يمر فوق مجنزرة قائد الكتيبة ويقترب منها. وكان المشهد مخيفًا'..
اعتقد الإسرائيليون وهم يتقدمون صوب المدينة أنهم طهروا آخر معاقل المقاومة علي مشارفها، وأن المدينة دانت لهم وسوف تنحدر علي صدورهم بعد قليل كالثمرة التي أنضجها اللهيب.. وبدت المدينة مع ذلك حسب وصف أحد الجنود الإسرائيليين: 'كمدينة أشباح، فمن الجهة اليمني مبان شاهقة، متعددة الطوابق، ومن الجهة اليسري أرض مكشوفة، ولم يفصل بين الشوارع والمنطقة الصحراوية سوي خط السكة الحديد، علي الحاجز الترابي كان الشارع الرئيس الذي دخلنا فيه واسعًا، وتوازيه حارة علي امتداده' قبل ذلك بعدة أمتار ترجّل المصور الذي أحضروه معهم كي يملأ 'كاميرته' بصور من استسلام مدينة عربية، جمع بعض الرسائل، وتذاكر القطار المبعثرة، وحين أدار بصره في كل اتجاه لم يظهر له أي كائن حي..
المواجهة
كان الفدائيون قابعين في مواقعهم التي انتخبوها علي رؤوس المحاور المتوقعة لدخول الدبابات الإسرائيلية. عند 'مزلقان الروضة' كان يكمن أحمد عطيفي، ومحمد سرحان، وفايز حافظ أمين.. وعند مدرسة حمد الله، كان يكمن أحمد أبو هاشم وغريب محمد غريب، وعبد المنعم حسن خالد.. وعند سينما رويال يكمن محمود عوّاد، وإبراهيم سليمان، وأشرف عبد الدايم.
دخلت الدبابات الإسرائيلية في المقدمة وراءها عدة مصفحات ثم عدة شاحنات تحمل المظليين، وفي المؤخرة مصفحة أخري وقبلها أتوبيسان محملان بالجنود.. ودخلوا من شارع الجيش ثم مروا بمقدمة الأحياء السكنية لحي الأربعين. كانت كلها مهدمة، وبعد قليل كانوا يواجهون كمين سينما رويال 'محمود عواد، ابراهيم سليمان، وأشرف عبد الدايم' وانهمر وابل من الرصاص والقنابل علي المهاجمين من كل جانب. حتي أنهم اعتقدوا أن المدينة كلها تطلق النار عليهم في وقت واحد..
'أطلقوا علينا النار من جميع المنازل. ومن جميع الشبابيك والمنافذ بالأسلحة الخفيفة. وقنابل البازوكا والقنابل اليدوية..
مع ذلك كانت الخسائر في الأفراد قليلة فقد وضع الإسرائيليون علي الدبابات دمي من البلاستيك، ليكتشفوا مواقع الكمائن التي تنتظرهم إن كان لها وجود'..
بدأ محمود عواد يتعامل مع الدبابات مستخدمًا ال 'آر. بي. جي'.. أطلق الصاروخ الأول فأصاب الدبابة الأولي، ولكنها لم تُدمَّر، أطلق الصاروخ الثاني علي الدبابة الثانية في اللحظة نفسها تقريبًا فأصابها، ولكنها لم تُدمَّر أيضًا.
أحس ابراهيم سليمان أن القوة المهاجمة كبيرة، وأنها قادمة في خط واحد، وحين أحصي أكثر من ثلاثين دبابة إسرائيلية مهاجمة، قفز من مكانه في اتجاه كمين أحمد عطيفي وميمي سرحان طالبًا العون قال لهما:
تعالوا بسرعة لقد جاءوا من شارع الجيش ونحن نقاتلهم.. قالوا له:
اضربوهم أنتم.. كل منا مسئول عن منطقته..
قال ابراهيم:
بسرعة. لقد جاءوا في خط واحد.
قفزوا وراءه، ووجدوا أنفسهم قد أصبحوا فوق الخندق، بجوار سينما رويال. كانت الدبابتان الإسرائيليتان المصابتان. قد غيرتا خط سيرهما وعادتا إلي الخلف. وأعقبت موجة الدبابات الأولي، وكانت من طراز 'باتون 48' موجة أخري من طراز 'سونتريون7'.
هكذا وجد أحمد عطيفي دبابة سونتيريون في مواجهته، انشد كالقوس، أطلق قذيفة آر. بي. جي. لكن الدبابة الثالثة أُصيبت أيضًا، ولم تُدمَّر..
أحس أحمد بالحزن والقلق، فقد قذفوا ثلاث قذائف آر.بي. جي. في ثلاث محاولات، لم تنجح بالكامل ولم يبق معهم سوي قذيفتين فقط.
كان ابراهيم سليمان لا يزال يلهث عندما خطف ال آر. بي. جي. من يد أحمد عطيفي، وقذف الدبابة الجديدة، بالقذيفة الرابعة، وتهلل وجهه ووجه أحمد عندما وجداها وقد دمرت تدميرًا كاملاً.
حاول طاقم الدبابة - أو من بقي منه - رغم ذلك أن يتعامل معهم، باستخدام الرشاشات. فلم يمكنوهم، حصدوهم بالأسلحة الصغيرة من أعلي إلي أسفل.
في نفس اللحظة كان مدفع الدبابة التالية يكاد ينحني إلي الأرض، ليضرب الخندق الذي يواجهه علي بعد أمتار، لكن محمود عواد قفز فوق الدبابة في خفة غريبة وفتح غطاء البرج، وأسقط قنبلة في جوفها سرعان ما انفجرت وأحدثت دويًا هائلاً..
لكن مفاجأة الإسرائيليين كانت أقوي كثيرًا من أي انفجار وواضح من أي دوي.
اضطر الإسرائيليون إلي أن يقذفوا بأنفسهم من المدرعات والناقلات إلي أرض الشارع. احتموا بجدران البيوت، والتصقوا بالحوائط، ثم بدأوا يبحثون عن مهرب ومنجي داخل بعضها. وتحت جدرانها، وهم ينتشرون في حالة فزع..
'جرح منا البعض علي الفور، أمكن انتشال أول جريحين بسيارة جيب، وانتشل آخرون بالمجنزرات والدبابات التي كانت تقذف أتونا من النيران نحو المنازل'.
تحت مطر الرصاص التي تداخلت أقواسه، سقط الجندي اليافع أبيض اللون، الذي يتكلم بسرعة والذي لم يعرف أحد اسمه شهيدًا، انحني في هدوء إلي جانب الطريق كانت أمنيته فيما يبدو قد تحققت فقد ساعدهم علي سرقة 'سلاحليك' المستشفي العام، شرط أن يشترك معهم في القتال، ضد الدبابات الإسرائيلية، وها هو القتال قد بدأ، والدبابات قد دمرت، والسلاح مستيقظ يصرخ في قلب الشارع.
قتال متلاحم
أخذ الفدائيون بدورهم في الانتشار.. دخل أحمد عطيفي إلي صالة قطع التذاكر في سينما رويال المجاورة. سمع تحت الحائط هدير دبابة، كانت يده أسبق من عينيه. وحين قذفها بقنبلة وجدها من طراز 'طوباز' السوفيتي. لو سبقت عينه يديه. لتردد، لكنه أدرك أنهم استخدموها كدمي الجنود البلاستيك، حيلة أخري للتمويه..
انفجرت الدبابة بسرعة كبيرة، واحترق طاقمها في داخلها ما عدا اثنين، تمكنا من الهرب من حريق الصلب، حاول أحدهما بدوره أن يختبئ في صالة قطع التذاكر، كانت المسافة بينه وبين أحمد عطيفي لا تزيد علي متر واحد، أطلقا نيران رشاشهما في وقت واحد، وحين جاءت طلقات الإسرائيلي في اتجاه باب صالة العرض، تمكنت دفعة طلقات أحمد من حفر دائرة من الثقوب المتداخلة في صدره، بعد أن مزّقت خزينة رشاشه، كان قريبًا جدًا لدرجة أن سقوطه كان قويًا ومباشرًا علي صدر قاتله البطل..
واصل الإسرائيليون انتشارهم، واحتجز أحمد عطيفي، في صالة قطع التذاكر، تحت الحائط كانت هناك عربة إسرائيلية برمائية 'طراز أمل 90'، تحاول اصطياده داخل الصالة بمدفعها النصف بوصة..
حاول هو أن يفك حصاره بأن يمزق بالرصاص قفل صالة العرض لكي يقفز من خلاله إلي الناحية الأخري، حاول لكنه لم ينجح..
رأي من زاويته ابراهيم سليمان متواريًا خلف كشك سجائر، لم يكن ثمة بديل سوي أن يطلب منه أن يستره بالرصاص حتي يخرج، فعلها واستجاب ابراهيم، لكنه بدلاً من استخدام رشاشه استخدم قذيفة ال آر. بي. جي. الخامسة والأخيرة. استطاع أحمد أن يراه بوضوح. جلس ابراهيم علي مؤخرته وأطلق مقذوفه الرائع في اتجاه المدرعة، دوي انفجار هائل، فقد دمرت مدرعتان متتاليتان بقذيفتين متتاليتين أيضًا. وهكذا رآه كعادته في لحظات الفرح الطاغي، يقفز في الهواء، ويرسم بجسده في الفراغ نصف دائرة 'فقد كان لاعب جمباز' ثم يصفق بقدميه وهو يصرخ بصوت متوهج:
'يا أبا خليل يا جن.. '!
كانت المصفحة الأخيرة التي أصابتها قذيفة ابراهيم إصابة مباشرة هي مصفحة 'يوسي' قائد القوة الإسرائيلية المهاجمة نفسه، والذي أصيب إصابات بالغة، بينما قتل طاقمه، ولم يكن نصيب قائد قوة المظلات المقتحمة، أحسن حالا، فبعد أن قسّم قوته إلي جزءين، واحد إلي يمين الطريق والآخر علي يساره، أصيب بجراح خطيرة، عندها 'خرج مصريون من المنازل، رافعي الأيدي متظاهرين بالاستسلام لكنهم ألقوا قنابل يدوية، عندما اقتربنا منهم'- حسب نص شهادته.
اعتقد الإسرائيليون أن ثلاث كتائب من الكوماندوز المصريين يتولون الدفاع عن مدخل المدينة، لم يكن يدور بخلدهم أن تسعة فدائيين، وعشرات من الجنود والمتطوعين، هم الذين يصلونهم بكل هذا الفيض الهائل من الرصاص، ويفتحون عليهم أبواب الجحيم.
'أطلقوا علينا النار من كل نافذة، ولم يكن هناك منزل لم يطلقوا منه النار.. وكان الجرحي ممددين علي الطريق يستغيثون، وسمعنا أيضا صرخات استغاثة من داخل الباصات المصابة، والتي ألقي الجنود المصريون الذين تحصنوا داخل المنازل، قنابل يدوية عليها دون أي جهد.. وتمدد الجرحي في وسط الطريق. وأخذوا يتلقون الرصاص تلو الآخر. وكانت أجهزة اللاسلكي تولول دون انقطاع نطلب مساعدة.. لم نعد نحتمل أكثر من ذلك'..
اضطروا إلي أن يطلبوا مساعدة المدفعية الإسرائيلية وعاد القصف الإسرائيلي، مركزا فوق رأس المدينة، لعلها ترخي يدها عن صيدها الإسرائيلي المحاصر..
كان تقدم الإسرائيليين قد توقف بعد أن دمرت مدرعتان تدميرًا كاملاً، وأصيب ثلاث مدرعات أخري، وبعد أن جرح قائد كتيبة الدبابات وقائد كتيبة المظلات في وقت واحد تقريبا.
أما بقية الجنود فقد احتموا بالجدران ومداخل البيوت، وتناثرت جثثهم فوق أرصفة الشوارع، وكان الجرحي يصرخون لعل أحدا ينقذهم من حفرة النار التي وقعوا فيها.
عندما سرت في المدينة شائعة تدمير الدبابات الإسرائيلية، وكانت التفاصيل تنتقل في أنحاء المدينة أسرع من أصوات القذائف والانفجارات، بدا للبعض أن المدينة تنتصب علي قدميها. وأن رأسها يرتفع حتي السحاب. وكان هواء الخريف المبلل بالدم في ذلك اليوم المضمخ بالنار والبارود، يحمل في ثناياه، ايقاع النشيد الوطني، ويسري بها في أنحاء المدينة لترددها الأحجار والجدران في ثبات وقوة..
هكذا عندما نفذت ذخيرة المجموعة الفدائية تماما لم يجدوا للمرة الثانية بديلا عن الذهاب إلي المستشفي العام لإحضار مزيد من القنابل والطلقات، لم يجدوا هذه المرة من يسألهم أو يمنعهم عن 'العودة' وجدوا جنودا كثيرين يسألون عن تفاصيل الموقف في الخارج. قالوا لكل من قابلهم بسرعة:
لقد ضربنا اليهود، وما زالوا يلعقون جراحهم علي الرصيف، لكننا نحتاج إلي المساعدة.
أخذت المدينة تخرج من جوفها كل البنادق والرجال، وبعد أن كان الفدائيون يعانون من قلة عددهم، في مواجهة كتيبة مدرعات وكتيبة مظلات، أصبحوا يعانون من كثرة أعداد من معهم.
أصبح الضرب مباشرا، وعلي مرمي البصر، وتداخلت أقواس النيران بشكل فريد
اكتشف المدافعون عن المدينة، أن الشائعات التي سبقت القوة الإسرائيلية إليهم عارية تماما من الصحة. فقد قفز جنود الجيش الذي لا يقهر من مدرعاتهم واحتموا بالأحجار والحوائط، عندما دمرت لهم أول دبابة .
'دخلنا أحد المنازل، فتبين لنا أنها أسوأ مصيدة.. ألقيت علينا القنابل اليدوية من الطابقين الثاني والثالث ومن المنازل المجاورة علي الجانب الآخر من الشارع. أطلق القناصون نيرانهم صوب الأبواب فكان خروجنا منها مستحيلا.. وبقينا محجوزين في بعض المنازل حول المفترق'..
اختبأنا في صالون حلاقة في الطابق الأسفل من منزل مهجور. وبقينا محجوزين هناك ساعتين تقريبا.. حاولنا الخروج فأطلقوا علينا النار مرة أخري.. انفجرت شاحنة محملة بالذخيرة كانت واقفة بالقرب منا ففرقتنا شدة الانفجار.. سمعنا شخصا علي سطح المنازل، خرجت زاحفا ثم شاهدت جنديا مصريا يحاول إطلاق قنبلة يدوية علينا. فأطلقت عليه النار.. فجأة نسف صالون الحلاقة.. بأسره، ولم أعرف سبب الانفجار، ربما كان بسبب شاحنة الذخيرة أو بسبب صاروخ أو قذيفة مدفع'.. أصيب محمود عواد بطلقة في يده من عوزي إسرائيلي، نقل إلي المستشفي قال له الطبيب: لابد أن تبقي كي تُعالَج.
قال محمود: لا بسيطة أربطها وأعود.. في طريق عودته قابل بالمصادفة العقيد فتحي قائد المخابرات العسكرية في السويس، وقائد المجموعة المقاتلة.. لم يكن قد رآه منذ يومين، قال العقيد فتحي إنه يتمركز في منطقة كذا.. وعليهم أن يتصلوا به هناك أولاً بأول..
هبط محمود عواد بذراع واحدة تصلح للقتال وكانت الطلقات تُزمجر في كل مكان من ساحة المعركة المتصلة.. كانت المواجهة تتم داخل عمق واسع وعلي حدود تشبه نصف دائرة كبيرة، وكان بمقدور كل الذين يطلون علي المشهد.من أي زاوية أو مدخل أن يروا ضابطًا برتبة نقيب وخمسة جنود يتنقلون بين كل نقطة علي محيط نصف الدائرة بسرعة هائلة استخدموا كل شيء لضرب الإسرائيليين: نيران الأسلحة الصغيرة، قنابل يدوية، صواريخ، حتي السلاح الأبيض.. التحموا معهم أكثر من مرة.. طهروا مداخل بعض البيوت، وتسلقوا الأسطح والحوائط بسرعة وخفة، تنقلوا بسرعة الطلقات نفسها من مدخل إلي آخر. حتي تصور الذين تابعوهم أنهم يحملون أجنحة علي ظهورهم، ثم توزع دمهم بالقسطاط عند مداخل المدينة..
وفي قلبها وقرب قسم الأربعين سقط قائد المجموعة النقيب البطل سعيد حسنين من استطلاع الجيش الثالث الميداني، شهيدًا وهو يصد بلحم صدره جنازير الدبابات الإسرائيلية عن بيوت السويس، حين سألت عنه عرفت أنه من أبناء المدينة وحين سألت عن عنوانه تلقيت إجابة غامضة سجلتها كما هي:
'كان يسكن فوق زكي الحلواني'..
اقتحام قسم الأربعين
كان مركز المعركة قد أصبح حول قسم الأربعين، وكانت الطرقات المحيطة بالمنطقة قد أصبحت مكتظة ببقايا كل شيء: أشلاء جنود المدرعات والمظلات الإسرائيليين، صناديق طلقات، خوذات فارغة، شذايا قنابل، وفوارغ طلقات..
كان القتال حول قسم الأربعين ملحميًا مستميتًا، أطلقت النيران من مسافة سنتيمترات واستخدمت حتي أكعاب البنادق، وأحجار البنايات.
بدأ المساء يهبط مقتربًا من بعيد.. كان مساء غريب اللون والصوت والرائحة..
مزيج من روائح البارود واللحم والحديد المحترق وظلال مشبعة بحمرة داكنة وأصوات جرحي تختلط بانفجارات، ورصاص، وصرخات شجاعة، وأنين يأس.
يقع مبني قسم الأربعين عند مفترق الطرق، وعلي ناصية خطي السكة الحديد، والمبني مستطيل الشكل، يتكون من فناء واسع يطل عليه طابقان، ويمثل مكانًا جيدًا للدفاع حيث يحيط بسوره الذي يرتفع عدة أمتار، مساحة فراغ تفصله عن أي مبني آخر.
في قسم الأربعين كانت المعركة بالغة الشراسة، وقد قاوم ضباط وجنود الشرطة محاولة الاقتحام بكل الأسلحة، وقدموا تضحيات كبيرة، وكان علي رأس المعركة الضابط عاصم حمودة الذي استشهد بطلاً وهو يحرر القسم من الإسرائيليين الذين لجأوا اليه فقد كان بعض الإسرائيليين قد لجأوا إلي التحصن داخل القسم: 'في تلك اللحظة بينما كان إطلاق النار في ذروته، توقفنا بالقرب من مبني بدا وكأنه محصن، وقررنا القفز إلي داخل ساحة المبني لكي نحاول تحديد مصدر النيران، وازداد إطلاق النار، بدأنا الانقضاض وإذ بالذخيرة تنفد، وبقي المصريون في الطابق الثاني من المنزل، واستولينا نحن علي الطابق الأول، ثم دخلت مفرزة أخري لمواصلة المهمة. لكن المصريين لم ييأسوا فحاولوا تنظيم هجوم مضاد لاحتلال مبني الشرطة من جديد'..
أحس الإسرائيليون داخل القسم بالحصار الخانق من حولهم فأخرجوا أحد جنود الشرطة من فتحة سور القسم ليتفاهم مع المقاتلين، حمل الجندي إلي المقاتلين رسالة محددة:
الإسرائيليون داخل القسم يعلنون استعدادهم للاستسلام وتسليم أنفسهم شرط أن يضمنوا لهم حياتهم، وأن يعود جندي الشرطة إليهم ليخرجوا معه..
قرر المقاتلون أن يتصلوا بقيادتهم.. أخذ محمود عواد جندي الشرطة وركض إلي العقيد فتحي قائد المخابرات العسكرية بالمدينة وأخبروه بالقصة فقال له: وافقوا شرط أن يلقوا أسلحتهم ويرفعوا منديلاً أبيض ويخرجوا..
بحثوا عن جندي الشرطة ليدفعوه مرة أخري إلي داخل القسم كي يعلمهم بقبول استسلامهم، لكنه ذاب وسط ضجيج المعركة.. لم يكن ثمة بديل عن اقتحام القسم..
قال ابراهيم سليمان سوف أقفز في الهواء لأعلي ثم أسقط داخل القسم.. كان رياضيًا ولاعب جمباز ويستطيع أن يرتفع هذه المسافة، طلب منهم أن يحموه بالطلاقات استدار والتوي حول نفسه، وارتفع في الهواء أعلي من سور القسم بالفعل عند أقصي نقطة لارتفاعه قابلته دفعة رصاصات من رشاش إسرائيلي، هبط المسافة الباقية في الفراغ بقوة الجاذبية الأرضية، وسقط علي قمة سور القسم هامدًا.
لم يكن من الممكن استعادة جسده، فترك كالعلم فوق السور حتي اليوم التالي، قرروا محاولة اقتحام القسم رغم ذلك قال أشرف:
سأقتحم القسم من الأمام بينما يقتحمه فايز من الباب الخلفي الخاص بالسجل المدني، وعلي أن يكون دور بقية المجموعة سترهم بالنيران.
نجح أشرف في اقتحام القسم من الأمام، ونجح فايز في اقتحامه من الخلف في لحظتين متتاليتين، ولكنهما استشهدا علي درجات السلم الداخلية.
هكذا استشهد ثلاثة فدائيين داخل القسم: ابراهيم سليمان فوق سوره، وأشرف عبد الدايم، وفايز أمين فوق درجاته الداخلية.
روي الإسرائيليون المحتجزون داخل القسم ما حدث بعد ذلك:
'تطايرت علينا أجزاء من الجدران واستطاع جندي مصري التسلل إلي داخل المبني وإلقاء قنبلة فرآه داني عودي وأطلق عليه النار من مدي قريب فأصابه'..
'دحرج جندي مصري قنبلة يدوية علي السلالم الداخلية طلب الجنود من قيادتهم المساعدة طالبوا بإخلائهم بسرعة، تصاعدت من علي الطريق صرخات الجرحي الإسرائيليين، أماه.. أريد أن أعيش.. أماه.. ضاعت الصرخات وسط أزيز الرصاص، وصوت الانفجارات، بحثنا عن منفذ في قسم الشرطة للتخلص من الحصار.. حاول المصريون احتلال المبني مرة أخري، ثم بدأت معركة قنص.. ' دخلت إلي منطقة الأربعين بعض المدرعات الإسرائيلية بهدف التقاط الجرحي، وتأمين انسحاب بقية الإسرائيليين المحاصرين، واجه أحمد أبو هاشم واحدة من هذه المدرعات لم يكن يملك قذيفة آر. بي. جي. فاستخدم رشاشه تمكنت الدبابة منه، وأصابته. كانت إصابته شديدة وبدا أنه يحتضر دون أن يغمض عينيه أو يترك رشاشه..
كانت الأصوات والأشياء لا تزال متداخلة، والطلقات لا تزال تدوي في أنحاء المدينة كلها، والانفجارات تتوالي. ورغم ذلك كنت تستطيع عندما تنصت بعمق أن تحس بالصمت.. صمت غريب وعميق، ومدو.. كان لابد من إبادة بقية القوات الإسرائيلية، والقتال لا يزال متواصلا داخل البيوت، وتحت الجدران، والمدرعات لا تزال واقفة علي الطريق بعد أن هجرها جنودها وفروا.. بحث محمود عواد ومحمد طه عن 'بنزين' وأخيرًا أحضروه.. قررت المجموعة أن تضع خاتمة فاجعة وموجعة للمعركة.. كومت كرات مشتعلة من اللهب، ومّرت بنظام وهدوء علي المدرعات الإسرائيلية كانت مواتيرها لا تزال دائرة صعدوا إليها واحدة واحدة. وألقوا بقنبلة لهب مشتعلة في جوف كل واحدة. توالت سلسلة من الانفجارات، وتحول الليل الدامي من جديد إلي نهار متقد..
الشهداء يعودون
' في الظلام شاهدنا اللهب يتصاعد من المصفحات الإسرائيلية، وفجأة سمعنا انفجارًا شديدًا لخزانات الوقود، وانطلقت صرخة قوية لجندي داخل المصفحة التي تلتهمها النيران واستطاع القفز في اللحظة الأخيرة من المصفحة المشتعلة.. وكان المصريون يطلقون النار من فوق سطوح المنازل المجاورة'.
في أسفل - كما تضيف شهادة الإسرائيليين ' اشتعلت المصفحات وانفجرت الذخيرة التي كانت داخلها، وركض إيلي شفارتس قائد الفصيلة علي الطريق وهو جريح'..
بقيت القوي الإسرائيلية محاصرة داخل مبني قسم الأربعين وانضمت إليها شراذم من القوات التي أنهكها القتال والخوف، تحت أنقاض البيوت المجاورة، ولم يتوقف رغم ذلك إطلاق النيران.
تمكن الفدائيون في وقت متأخر من اقتحام قسم الأربعين، لكنهم لم يجدوا شيئًا واستطاعوا أن يلمحوا علي الأرض آثار أسهم فوسفورية مرسومة فعكسوا اتجاهها حتي لا يُعاد استخدامها وتتبعوها حتي انتهت عند مركز 'بيوت الشباب' خارج حي الأربعين.
تبين بعد ذلك أن القوة الإسرائيلية المحاصرة داخل القسم قد تم توجيهها باللاسلكي لاتخاذ طريق تخرج منه:
'كان من الواضح أنه إذا لم يتم إنقاذ القوة من داخل المدينة خلال ساعات الليل، فسيتقرر مصيرها، أمر الجنرال جوبين قائد السرية المحاصرة 'دوديك' بالصعود إلي سطح القسم ليصف باللاسلكي ما تشهده عيناه، وفي غرفة العمليات - الإسرائيلية- وبعد ساعات من متابعة أوصاف دوديك لما يحيط به فوق صور جوية حديثة للمدينة، ثم توجيههم باللاسلكي للهروب.. وفي الساعة الثانية ليلاً انطلقوا في الطريق'.
أخذوا يجرون أجسادهم عبر الطريق الرئيسي حتي الخروج من المدينة مسافة أربعة كيلو مترات، وكان من المستحيل السير علي الطريق الرئيسي فقد كان مليئًا بالقوات المصرية.
'بدأنا السير ومررنا بالقرب من القوات المصرية، سرنا بهدوء، وطأنا علي صفائح وقطع من الحديد وحدثت ضجة هائلة، وأخذنا نرتجف من الخوف'..
وعندما كان الفدائيون يجمعون شهداءهم من مدخل المدينة، من فوق سلالم قسم الأربعين، كانت أضواء الفجر البعيد تهبط هادئة علي صدر المدينة كأنها عالم جديد..
كان كل شيء في المدينة يبدو منتصبًا علي قدميه، محلّقا بجناحيه، وكانت وجوه الشهداء مغسولة بندي الفجر وأضواء النهار الجديد..
جمعوا الشهداء وأسندوهم علي أكتافهم كأمهات يحملن أطفالهن إلي نزهة فوق الجبل البعيد..
كانت الطلقات ما زالت تنهمر من كل جانب، وأصوات الانفجارات تمزق السكون
مر ركب الشهداء.. كانت أضواء الفجر تتساقط لامعة كفوارغ الطلقات.. وكان الرصاص ينهمر كالمطر فوق الرؤوس.. تحية للرجال!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.