أول سؤال تسمعه في أي لقاء لك مع آخر أو آخرين: »ماذا حدث لنا؟! لماذا الكل يكره الكل؟!«. سؤال لا يحُدد وإنما يُعمم. سؤال قد يدهش غيرنا، لكنه يتردد دائماً علي ألسنتنا. فالكراهية في مجتمعنا اليوم لم تعد مقصورة علي كاريكاتير:»قاسم السمّاوي« الشخصية التي لا تنسي من خيال كاتبنا الكبير أحمد رجب وريشه فناننا القدير مصطفي حسين وإنما امتدت وانتشرت بعد استنساخ الملايين من الشخصية السمّاوية في طول البلاد وعرضها.. مع بعض المبالغة المعتادة! وحتي لا يأتي حديثي مُعمماً، لا بأس من الإشارة إلي وجود أقلية ما تزال تؤمن بالحب وتحتفل بعيده السنوي رغم اعتراض الدعاة إياهم الذين يتقبلون العمي مادام المقابل تحقيق أعظم فتاواهم بإلغاء »عيد الحب«، وكل الأعياد الأخري التي يعتبرونها من المحرمات التي نقلناها عن »الكفار« وتعيث في البلاد حباً، و مودّة، ووجوهاً باسمة ضاحكة رغم أن الشيطان وحده المسموح له بالضحك! أقول إن هناك أقلية مازال أصحابها يحسنون التعامل مع الآخرين، ويشيرون إلي محاسنهم جنباً إلي جنب التذكير بمساوئهم، كما يعطفون علي الضعفاء ولا مانع من تصديهم بين الحين والحين لظلم الأقوياء. حقيقة أن تلك الأقلية آخذة في التناقص، ومهددة بالإبادة .. وسط أغلبية كاسحة، متنامية، ومتزايدة بسرعة الصاروخ .. لكن حقيقة أيضاً أننا نسعد جداً عندما نعثر بالصدفة علي واحد، أو واحدة، مازال في قلبه وقلبها حب، وصدق، في تعاملهما مع الآخرين. لهذه المبررات كلها.. فقد أسعدتني كثيراً رسالة علي بريدي الإلكتروني وصلتني أمس تحت عنوان : »أرجوكم، و أرجوكم، ثم أرجوكم«، وهو ما أثار إهتمامي لأعطيها الأولوية في القراءة. صاحبة الرسالة اسمها: Nanosh Kh وتقول سطورها: [ بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجوكم وأرجوكم ثم أرجوكم.. حرارة هذا الصيف تجاوزت 44 درجة. العديد من الطيور ماتت بسب نقص المياه. الرجاء ترك وعاء »طاسة« في شرفة المنزل أو الحديقة لإنقاذ الطيور. 93٪ لن يعيدوا إرسال هذه الرسالة إلي معارفهم وأصحابهم.. هل ستفعل أنت؟! لا تنس أن لك الأجر.. وتذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة صدقة). يعني لا الطيور وحدها. حتي القطط وأي كائن حي تسقيه، وتطعمه.. راح تكسب فيه صدقة لك بإذن الله. كلنا نعرف قصة الرجل الذي غفر الله له لأنه سقي كلباً كان يلهث من العطش]. واختتمت »نانوش« رسالتها بتكرار سؤالها القائل: 93٪ لن يعيدوا إرسال هذه الرسالة.. فهل ستفعل أنت؟!]. إنتهت الرسالة المدهشة التي لا أعرف كيف سيكون وقعها علي كل من يقرأها.. لكنني أستطيع تخيل بعض ردود الفعل سواء من جانب »الأغلبية الكافرة بالحب« أو جانب »الأقلية المتمسكة بحب الناس والحيوان والنبات«. قد يقولون.. الواحد بعد الآخر: » الست دي عايشة في ملكوت تاني!«. » إنها في حاجة إلي توعية دينية عاجلة قبل فوات الأوان!«. » إنها بتقديم الماء والطعام للكلاب النجسة، فلماذا نسيت الخنازير؟!«. » هذا ما جنيناه من الإنفتاح علي عادات وتقاليد الكفار!«. » معاها حق.. وسأضع فوراً طاسة الميه في شرفة منزلي«. » لما حكومتنا توفر لنا الميه والطعام.. أبقي أفكر في العصافير والقطط والكلاب!«. » البنت دي بتقول إيه؟! همه رحمونا لما نرحم الطيور والحيوانات؟!«. » هي ناسية الطيور والحيوانات إللي جابتلنا الأمراض؟ المطلوب دبحها وأكلها أو حرقها !«. » إذا كانت بتعامل هذه الكائنات كده، فلابد أنها إنسانة مثالية في تعاملها مع البشر«. » شكرا لنانوش« التي أضحكتني لأول مرة منذ شهور عديدة!«. »ياريت تكتبوا عنوانها أو رقم محمولها لإني نفسي أتعرف علي نوعية من البشر تصورت أنها انقرضت منذ زمن بعيد!«.