12 يوماً قضيتها في العاصمة التركية انقرا، لم اجد خلالها اهتمام ما في الشارع التركي أو محطات التلفزة بموضوع السفينة التركية التي ستقود اسطول الحرية إلي غزة، وبعيدا عما جري، فلا اتوفع ان تصل السفينة »ريتشل كوري« إلي شواطيء غزة في اي ساعة من ساعات اليوم أو فجر غد كما اعلنت حركة »غزة الحرة« دون ان تتعرض لعملية قرصنة بربرية اخري اعلنت عنها الاذاعة العبرية موضحة أن القوات الإسرائيلية ستلجأ للقوة إذا اقتضت الضرورة ! يخطأ من يظن ان اسرائيل اقدمت علي المذبحة دون توقع لحجم الادانة والشجب والغضب والاستنكار الذي ستلاقيه من العالم، أو ان الولاياتالمتحدة سوف تأخذ ضدها اجراء تافا من قبيل ادانة ما تفعله، اسرائيل تدرك حجم ردود الافعال قبل ان تقوم بالفعل، لا يعنيها أن يصدق احد ما تطرحه من ذرائع تغلفها دائما بعبارة »الدفاع عن النفس«، أو حقها في حفظ أمنها القومي، وامام هذه المغلفات تضرب بأي ادانة دولية عرض الحائط، تخرج من مذبحة لمذبحة دون ان يطرف لها جفن، راجعوا التاريخ وتذكروا صابرا وشاتيلا وقانا والحرب الاخيرة علي لبنان وغزة، والاسلحة المحرمة التي تستخدمها، والاعتداءات التي ترتكبها عمدا ضد المدنيين ومؤسسات الاممالمتحدة! لجنرالات الكلام الذين يستغلون العربدة الاسرائيلية بعبارات حماسية ضد الانظمة العربية، وممارسة هواية التطاول علي مصر، حتي ان بعضهم قال انتظروا الرد التركي الذي سيخجل الجميع، اقول ان اسرائيل تعي تماما حجم ومساحة الغضب التركي وتعرف منتهاه، وفي المقابل يعرف اردوغان رئيس وزراء تركيا مدي الغضب الذي من الممكن ان يذهب اليه للتعبير عما يعتمل في داخله ويرضي به الضغط الشعبي، لكن ارجو الا يقع المتفائلون في خطأ عندما يذهب الظن بهم إلي فعل اكثر من هذا يؤدي مثلا لاتخاذ قرار تركي حماسي بقطع العلاقات مع اسرائيل لتدمير ما بين الدولتين من علاقات تعاون استراتيجي واقتصادي، كل ما سيحدث مزيد من التوتر والتشنج في العلاقات، فتركيا تعلم وتدرك مدي الخطر الذي من الممكن ان تنجرف اليه عندما تتجدد المواجهات بينها وبين الاكراد من جديد، وارجو ان نربط بين توقيت مذبحة اسطول الحرية والهجوم الذي نفذه اثنان من حزب العمل الكردستاني داخل قاعدة الاسكندرون التركية ونتج عنه مقتل 7 جنود واصابة اخرين، ولقد اعترف وزير الامن الاسرائيلي الاسبق " آفي ديختر " في محاضرة له بدعم اسرائيل للأكراد في شمال العراق والعلاقات الوثيقة بينهما تاريخيا، والمنافع التي ستعود علي اسرائيل من قيام الدولة الكردية والاستفادة من نفط كركوك، واعترف ان اسرائيل بينت لأردوغان ان دعمها لاكراد العراق مشروط بضمان الامن القومي التركي حفاظا علي المصالح الاسرائيلية التركية، بالتالي فأردوغان يعلم ان في يد اسرائيل ورقة قوية للأرتباط الوثيق بين حلم الاكراد بدولة في العراق، ودولة كردية في تركيا، لهذا، ورغم بشاعة المذبحة، لم يعلن اردوغان اي تدابير مباشرة تتخذها تركيا حيال اسرائيل لكنه اوضح بأن الضرر الذي لحق بالعلاقات الاسرائيلية التركية كبير جدا، الموضوع شائك ومعقد، والغضب لا يعني قطع خيوط المصالح.