في شرفة غرفتي المطلة علي البحر وعلي قلب مسقط في مشهد واحد، تجلت في خاطري الآية القرآنية من سورة يس: (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم) في إشارة إلهية الي مصدري الرزق شطر مقسوم من عطاءات الله في الطبيعة. وشطر مشروط بعمل العبد وكده ومجهوده، وبذلك يجدد الانسان ادواته ليبدع في عيشه وحياته ويعمر الأرض، والتجديد المستمر، وعدم حرق المراحل. والتغييرحسب مقتضيات الاستراتيجية هي سمات وقسمات لفكر السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، كرمز للمنظومة العمانية في توهجها وعنفوانها الهادئ منذ اثنين وأربعين عاما، وأشهد ، من خلال عيشي ومعايشتي 26 عاما في قلب عمان ونبضها وركضها نحو الطموح - وشهادتي ليست مجروحة - أن السلطان قابوس يعيش لشعبه أكثر مما يعيش لنفسه، بل هو "صاحب رسالة وليس صاحب سلطة" علي حد تعبيره، ومن ثم لا دهشة من مقدرته علي احتواء المجتمع بكل أطيافه وطوائفه التي تنصهر حاضرا وحضارة في بوتقة واحدة ووحيدة هي عمان: الإنسان والزمان والمكان، فالمجتمع يتحرك وكل شئ فيه بمقدار، حركة جمعية محسوبة وهي في حالة من الإقلاع نحو المستقبل، معادلة صعبة التحقيق، فورة الشباب وحكمة الشيوخ، تنتظمها مقولة الزمن "آواه لو عرف الشباب وآه لو قدر المشيب". التجديد القائم علي التنوير والاستنارة ملمح أساسي وتأسيسي في منظومة عمان الحديثة، وأحدث الومضات التنويرية تزامنت مع زيارتي لمسقط قبل أسبوع، وأنارت مرحلة جديدة في الفكر الإعلامي، الذي اتخذ مصباحه من كلمة دقيقة وأنيقة وعميقة لجلالة السلطان عام 1974 "نريد لصحافتنا أن تكون رسول سلام لا وسيلة خصام" ثم توصيفه للإعلام العماني في عام 1990 بالموضوعية بعيدا عن التهويل والإثارة، لا تزال هذه المصابيح مشتعلة، وليت وسائل إعلامنا العربي تحتذي بنور هذه الرؤي، وهي الوسائل التي أصبحت مصادر للفتن والحقد والضغينة أكثر من إثارة الوعي والمعرفة. ضخ السلطان قابوس قبل أيام موجة دماء شبابية في شرايين الاعلام العماني، لتتفرع الشجرة ذات الجذور الضاربة في عمق الأرض العمانية الطيبة التي لا تقبل أن تنبت إلا طيبا، ولا نمو بدون جذور، وقد وقف علي إنماء جذورها، عشرين عاما متواصلة، المفكر الإعلامي الشامخ والأب الروحي ليس فقط للإعلام العماني بل والخليجي أيضا، معالي عبد العزيز الرواس وزير الإعلام الأسبق والأطول، ومستشار السلطان الآن، الذي أسس وأصل، وهو الرجل الذي يحتاج صفحات لاستقطار تجربته بعنفوانه الفكري والثقافي المتألق، ثم خلف من بعده خلف حملوا الرسالة مثل الوزير حمد الراشدي والوكيل عبد الله شوين الحوسني وكتيبة متناسقة من الاعلاميين، ثم جاء المشهد الراهن بثلاثة من "الدكاترة" ليواصلوا تشكيل المنظومة الاعلامية:عبد المنعم الحسني وزيرالاعلام، وعبد الله الحراصي وزير هيئة الاذاعة والتليفزيون، وابراهيم الكندي رئيس مؤسسة عمان للصحافة والنشر، ومن قبلهم علي الجابري وكيل وزارة الاعلام وكان رئيسا لجمعية الصحفيين ومن أشهر وأقدم المذيعين، وهذه الخطوة تمثل سعيا للجمع بين الروح الأكاديمية والممارسة العملية، كروح تسري في ادوات المجتمع وقياداته وأجوائه، في ظلال قيمة تسلسل الأجيال النابعة من مقولة للسلطان قابوس استبدل فيها شطر البيت الشعري المعروف"ونبني فوق ما فعلوا" ب "ونفعل مثلما فعلوا" دلالة علي الإضافة والتجديد والتنوير. ألم أقل لكم: إن المجتمع العماني مجتمع متحرك وبحسبان بما فيه ومن فيه؟ وقد تجاوز مرحلة التجريب فاستقرعلي شاطئ العطاء الإنساني، والشواهد كثيرة، والمشاهد دالة، والبقية تأتي، وأنا علي ذلكم من الشاهدين. نفسي الأمارة بالشعر ليلة أن جئت اليك كي أقرأ ما استبقته الذات هنا ! من أوراق وحريق تواريخ وبقايا أشواق وبريق في عينيك كان شعاري أن أجد علي النار هدي! تأشيرة أسفاري: باقة معرفة وبيان دخولي : قلب أبيض، قلم بض، ومنارة وكتاب بردي، ووميض حضارة ومكثت علي شاطئ عينيك طويلا كان الخنجر في خاصرتك نور النار ونار النور