استبشرنا خيرا في الأشهر التالية لثورة 52 يناير 1102م، عندما صدر قرار المشير طنطاوي »رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة« باعتماد الميزانية وقد ألغي منها قرار حكومة شرف ووزير ماليته »سمير رضوان« الذي كان قد عينه جمال مبارك في حكومة احمد شفيق قبل تنحي مبارك، وكان يشغل رئاسة اللجنة الاقتصادية في برلمان التزوير »ديسمبر 0102« باعتماد قرض خارجي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قيمته نحو 5.3 مليار دولار. وقد حمدنا الله علي هذه البداية، وشكرنا المشير علي هذا القرار، الا ان خبراء النظام السابق في الاقتصاد الذين خربوا بآرائهم اقتصاد الوطن و»مرمغوا« سمعة الوطن في الارض والطين، وشوهوا صورة المصري باعتباره الشخص الذي يستهلك ولا ينتج، يستورد ولا يصدر، يقترض ويستدين حتي الادمان، دون ان يكون قادرا علي الاقراض، اصروا علي »حتمية« الاستدانة من الخارج، والقبول بشروط صناديق التمويل والاقراض الدولية، مهما تعنتروا بأن يقبلوا القروض من غير شروط!!. السؤال هنا: هل هناك قروض بلا شروط؟! انهم لازالوا يضحكون علي الشعب، فقد فرضت الشروط علي كل مجالات اقتصاد الوطن وخدماته من تعليم وصحة وغيرهما، الا ان الوزراء جميعا كانوا يكذبون علينا تحت قبة البرلمان، وكنت اواجه كذبهم وخصوصا وزراء التعليم والمالية والاستثمار، والصناعة وغيرهم بمستندات الشروط. وذهب سمير رضوان »وزير مالية مبارك« لكي يأتي بعده حازم الببلاوي »وزيرا للمالية« الذي خلص الي حتمية القرض الخارجي، استمرارا للخنوع والفساد، ثم ذهب الببلاوي ليأتي وزير المالية »ممتاز السعيد« وتحت اشراف الوزيرة الهمامة من بقايا نظام مبارك- والتي تم تزوير الانتخابات في بورسعيد لصالحها وقبلت التزوير وليس بمستغرب ان تقبل أي شئ وتقول أي شئ وتبرر أي شئ وهي فاقدة للمصداقية بالتالي، ليؤكدوا علي حتمية القروض، وفي تبرير لاستمرار الوزيرة فايزة أبوالنجا، فقد قيل علي لسان أحد المسئولين المقربين للمجلس العسكري، أنها علي علاقة طيبة بالأمريكان، وبالبنك الدولي والصندوق، وتستطيع ان تسهل إتمام القرض، وكأنه ليس هناك دولة ولا نظام ولا حكومة، وكأن الأمر يرتبط بشخص الوزيرة!! إلا اننا فوجئنا بتفجر أزمة التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، لنكتشف أن علاقة الوزيرة بالأمريكان ليست علي مايرام!! ويصر الآن د. كمال الجنزوري »رئيس حكومة نظام مبارك« علي عقد القرض وبذل الجهود من أجل ذلك، ونشرت جريدة الأهرام في صفحتها الأولي بمانشيت علي 8 أعمدة ومبروز في ثلث صفحة، خبرا بشأن عقد القرض مع البنك والصندوق خلال شهر، وكأنه وسيلة الانقاذ أمام المصريين!! إنما هي وسيلة انقاذ لحكومة الحفاظ علي نظام مبارك من السقوط والتداعي لاصرارها علي انتهاج نفس الأساليب القديمة التي قادت إلي خنوع الدولة ورهن شعبها لصناديق دولية تسيطر عليها مافيا النظام الدولي بزعامة أمريكا وبموافقة دول الخليج العربية بكل أسف!! ومن أسف ان يوافق المجلس العسكري علي ذلك، وستعرض الحكومة علي البرلمان ضمن الموازنة الجديدة ذلك لكي تورطه بإضفاء مشروعية علي سياسات الخنوع والنهب والفساد، والأرجح ان يوافق البرلمان »مجلس الشعب« الذي يسيطر عليه أغلبية تنتمي لتيارات الاسلام السياسي!! وخلال فترة السنوات الخمس التي قضيتها عضوا مستقلا بالبرلمان »5002- 0102« كنت أعلن رفضي التام والقطعي لأية قروض وأية منح خارجية، ويمكن الرجوع لآخر المضابط في يونيو 0102، حيث وافق مجلس الشعب علي قروض وصلت إلي نحو 03 مليار جنيه في جلسة واحدة!! فأين ذهبت هذه القروض؟! وبالمناسبة فالوزيرة الحالية هي نفس وزيرة التعاون الدولي في حكومة احمد نظيف الذي يحاكم الآن، وهي التي قدمت للبرلمان هذه القروض ودافعت عنها، وحاولت اقناعي في المجلس بالموافقة ورفضت بشدة، وكدت أمزق الاتفاقيات وألقيها في وجه الحكومة من شدة غضبي وقد تابعت هذه القضية من خلال تقرير شامل عن جميع القروض الاجنبية لجميع القطاعات، قام باعداده الجهاز المركزي للمحاسبات حتي عام 0102 واكتشفت مخالفات بلا حصر، وصلت الي فساد كبير، ولم يتحرك احد ولم يسعفني الوقت آنذاك لتقديم استجواب عن فساد القروض التي عقدتها الوزيرة فايزة ابوالنجا، فاضطررت لتسريب التقرير للصحافة ونشرت الصفحات وقد تضمنت هذا الفساد، ولم يتحرك احد بكل أسف!!. والعجيب انه بعد الثورة اجد الوزراء لازالوا يفكرون بنفس طريقة النظام السابق، وهم معذورون!! حيث ان فاقد الشيء لا يعطيه، فهم قد تعودوا علي الخنوع والفساد وحكوماتهم هي حكومة »النهب الاعظم« في تاريخ مصر، وتؤكد تصرفاتهم الان بالاستمرار في سياسة القروض انهم لا يعترفون بأن ما حدث في 52 يناير 1102 كان ثورة، بل مجرد انتفاضة شعبية، أفضت الي استبدال سلطة بسلطة مع استمرار نفس السياسات ونفس الرموز وقواعد »النظام المباركي« ولو كان هناك مجرد اعتراف بسيط بالثورة، لاستمر المجلس العسكري علي موقفه واتخذ من الاجراءات وفي المقدمة عزل فايزة ابوالنجا التي تصر علي استمرار سياسة القروض، ولما أتت بالجنزوري »ملك القروض« رئيسا للحكومة!! والسؤال: هل هناك من بدائل ثورية امام حكومة الجنزوري غير الشرعية؟! في تقديري، فان اللجوء للاجراءات الثورية هي الحل، ومن بين ذلك: 1 اعادة توظيف المليارات التسعة »دولار« المودعة باسم المخلوع مبارك، في البنك المركزي وتستر عليها محافظ البنك لاغراض لا نعلمها، وهي تعادل القرض المزمع عقده ثلاث مرات، فهل يمكن تصور عقد قرض خارجي جديد مقداره »5.3« مليار دولار، بينما لدينا رصيد 9 مليارات دولار؟!. 2 فتح صندوق تبرع او سندات للعاملين المصريين في الخارج بالدولار، وأزعم انه سيصل الصندوق بما لا يقل عن عشرة مليار دولار، وذلك بدلا من قرض الصندوق والبنك الدولي. 3 استبدال ايرادات قناة السويس بالجنيه المصري الذي سيزداد الطلب عليه وتصبح قيمته الشرائية عالية وفي مواجهة العملات الاخري، مثلما هو حادث مع عملات الكويت »بالدينار« والريال السعودي وغيرهما وهو الامر الذي سيحرر الاقتصاد الوطني والجنيه المصري ويجعل منه عملة دولية. 4 رد الاعتبار للجنيه المصري، وذلك بالغاء الجنيه المعدني فورا، واعادة الجنيه الورقي فورا، والاكتفاء بالعملات المعدنية »فئة الخمسين قرشا، وفئة 52 قرشا، وفئة العشرة قروش والخمسة قروش والقرش« لان الجنيه المعدني افقد العملة المصرية قيمتها، وتزداد قيمة الجنيه الورقي ليصبح مثل الدولار في حالة احتساب رسوم المرور بقناة السويس بالعملة المصرية »الجنيه«، والامر يحتاج الي قرار سياسي وارادة سياسية واستقلال وطني حقيقي. 5 مصادرة جميع الاراضي والشركات التي خصصت او بيعت بالامر المباشر والتخصيص المباشر بأقل من الثمن الحقيقي لكبار رجال مبارك ورجال الاعمال والغاء جميع عقود الاراضي المخصصة احتراما لاحكام القضاء، والتي خالف اصحابها نصوص العقد، باعتبار ان العقد شريعة المتعاقدين ويصبح باطلا اذا تم بطريقة غير قانونية، وباطلا ايضا اذا ما خالف الطرف المخصص له الارض بعدم الالتزام بشروط العقد ويمكن ان يوفر هذا الاجراء المليارات لمن لا يريد ان يعرف او يفهم!!. ولاشك ان الاجراءات الثورية عديدة، والبدائل عديدة، شريطة توافر الارادة السياسية الغائبة عمدا الان، وذلك تجنبا لان يستمر الفقراء علي وتر الوطنية يدفعون الثمن لمن ساروا في سياسات الخنوع والنهب والفساد، ولذلك اطلب من الشيخ محمد حسان سحب مبادرته لانها لا تخاطب القادرين او تحرك الارادة الغائبة وليس من العدل ان يستمر الاغنياء يحصدون العائد لانفسهم، حتي في ظل الثورة وان يستمر الفقراء يدفعون الثمن دون جني اي شيء وفي الختام أصرخ: حرروا المجتمع من الذل والخنوع لينطلق الشعب علي قطار التقدم فالشعب يريد الحرية والاستقلال والتقدم والحوار مستمر.