مصر من الدول التي ساهمت في تأسيس صندوق النقد والبنك الدولي للانشاء والتعمير في اعقاب الحرب العالمية الثانية عام 54 ورغم ذلك مرت العلاقات مع المنظمتين بالكثير من المطبات الصعبة.. من منا لا يتذكر ازمة رفض البنك المساهمة في تمويل انشاء مشروع السد العالي.. ورغم ذلك نجحت مصر في قبول التحدي وتم تنفيذ المشروع. ومن منا لا يتذكر الازمة مع صندوق النقد في الستينيات عندما حاول فرض شروطه لحصول مصر علي شهادة الصلاحية التي تؤكد قدرتها علي سداد اي قروض تحصل عليها.. ومن بينها تخفيض قيمة العملة، ورهن دخل قناة السويس.. وتنفيذ برنامج الخصخصة كاملا، واختارت مصر ما يناسبها من شروط وحسب قدراتها واجتازت الامتحان الصعب وحصلت علي الشهادة. والان وفي اعقاب ثورة يناير واجهت مصر نقصا شديدا في السيولة النقدية بعد توقف السياحة، وانخفاض الصادرات وتراجع التحويلات من الخارج وتوقف الاستثمارات الداخلية والخارجية.. وتأكل احتياطيات النقد الاجنبي من 63 مليار دولار الي 81 مليارا، وزيادة المطالب الفئوية وتعطل الاف المصانع. واصبحت مصر في موقف لا تحسد عليه خاصة ان الحل التقليدي يتمثل في طبع البنكنوت وهو ما نرفضه لانه يعني انفلات الاسعار، ويرفضه صندوق النقد الدولي ايضا.. والبديل الثاني الاقتراض من البنوك المحلية لتغطية عجز الميزانية وهو ايضا في درب المحال.. لأن الاقتراض تجاوز الحدود القصوي. واخذت الحكومات المتعاقبة خلال عام الثورة تبحث عن افضل الحلول، وسعت للهروب ايضا من الاقتراض الخارجي الذي تجاوز 63 مليار دولار. وانتظرت مصر ان تفي المنظمات الدولية بما وعدت به.. وايضا الدول الكبري وبعض الدول العربية الشقيقة، خاصة بعدما ساهمت انتصارات اكتوبر في زيادة سعر البرميل من ثلاثة دولارات الي المائة دولار الان.. وسر هذا الانتظار عندما اعلن روبرت زوليك رئيس البنك الدولي في مايو الماضي مؤكدا ان البنك سيقدم ستة مليارات دولار لمصر وتونس قبيل اجتماعات مجموعة الثمانية الكبار لتغطية التأمين ضد المخاطر السياسية وتشجيع القطاع الخاص علي الاستثمار وحدد زوليك نصيب مصر من هذه المساعدات بنحو اربعة مليارات ونصف تحصل عليها مصر خلال 42 شهرا، منها مليار لدعم الميزانية واقامة مشروعات استثمارية، ونصف مليار دولار لمواجهة ازمة البطالة التي تفاقمت بعد ثورة ليبيا.. ومرت الشهور واقتربت من العام، ولم تحصل مصر علي اي شيء من البنك في الوقت الذي تتزايد فيه المطالب والاعتصامات والتدهور الاقتصادي، والان يجري الحديث مع البنك عن قرض قيمته 005 مليون دولار.. وفي الوقت نفسه بدأت مصر المشاورات مع صندوق النقد والحديث عن قرض قيمته 2.3 مليار دولار بفائدة 1.1٪ تحصل عليها مصر علي مدي 81 شهرا ويسدد علي خمس سنوات.. وفي المقابل قدمت مصر برنامجا اكدت انها ستلتزم به، وليس ان الصندوق سيفرض شروطه كالمعتاد سابقا. ويتضمن البرنامج المصري الالتزام بخفض عجز الموازنة بنسبة 3٪ للسيطرة علي الاسعار، والعمل علي تنمية الموارد وتعديل اسعار دعم الطاقة الذي تحصل عليه المصانع كثيفة استخدامها، ودون المساس بدعم الفقراء خاصة رغيف الخبز والبوتاجاز والبنزين، وتقديم مزايا للممولين لسرعة سداد الضرائب المتأخرة ويصل الخفض الي 52٪ وزيادة سعر الفائدة علي صكوك المصريين في الخارج. واجرت بعثة صندوق النقد خلال الاسبوع الماضي مباحثات مكثفة مع الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وفايزة أبوالنجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي وممتاز السعيد وزير المالية بهدف سرعة حصول مصر علي القرض وهو الأول منذ عام 39 علما بأن مساهمة مصر في رأس مال الصندوق يسمح لها بالسحب.. وتبقي الكرة في ملعب مصر لتنفيذ برنامجها الذي التزمت وهو قائم علي زيادة الطاقة الانتاجية واستكمال المشروعات، وتنشيط السياحة وتوزيع عائد التنمية علي الجميع بعدالة، بعد ان فتح الثوار صفحة جديدة خالية من ممارسات النظام السابق الذي تميز بالفساد . جملة قصيرة: المتسلق الجيد لا ينظر إلي أسفل