الدين الإسلامي يشجع العلوم ولا يفرق بين الدين والعلم جاء الدين الاسلامي هاديا للعقل ومرشدا له فالعقل يجب أن يخضع للوحي الإلهي وإذا كان الوحي يدعو للتفكير والتدبر والنظر إنما قصد بذلك الاعتبار ليعبد الله علي الشهود فالحق سبحانه وتعالي لايلقي برسالة ليبحثها الإنسان جل عن ذلك بل ألقاها لتتبع عن إيمان وفهم ووعي »فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً« سورة النساء آية 56وكان سلفنا الصالح ينزعون هذه النزعة نزعة الخضوع المطلق لما جاء به الرسول [. ومنذ أن وجد الإنسان وجد معه روح من أمر الله وهو الوحي يرشده ويهديه في المسائل التي لا يصل تفكيره البشري إلي حلها مثل مسائل مارواء الطبيعة ومسائل السلوك الصحيح تشريعا كان أو أخلاق. وإذا استعرضنا التاريخ الإسلامي نجد أن القرن الأول مضي بأكمله والمسلمون يلتمسون في كتاب الله تعالي وسنة رسوله [ جميع ما يعرض لهم من الأمور ولما بدأوا في ترجمة التراث الأجنبي ركزوا علي ترجمة الكتب التي تتصل بالجانب العلمي كالطب والكيمياء أما الأخلاق فإنهم يتحرجون من ترجمتها اكتفاء وإعزازا بما عندهم من الوحي المعصوم. وظلوا كذلك إلي أن كان عهد المأمون والبرامكة والتوسع في الترجمة في شتي العلوم والفلسفة وغيرها وبدأ النفاق والتفلسف ثم بدأت المهزلة الكبري في محاولة التوفيق بين إنتاج الإنسان وإنتاج خالق الأكوان بين الإنسان وبين الوحي الإلهي مع أن الإسلام جاء لإسلام الوجه لله تعالي والانقياد اليه والإذعان لما جاء به ولو تركنا الأمر إلي عقل الإنسان نجد أن اختلاف العقول يؤدي إلي اختلاف النتائج وهي تتأثر بالمؤثرات الخارجية كالبيئة والوسط والثقافة والمناخ والتقاليد والمصالح ومع توالي الزمن نجد التعدد في الفرق والآراء في الأمر الواحد وتعدد المذاهب علي مدار السنين مما يؤدي إلي خلل عميق وانهيار في الشكل والموضوع. صفاء الروح فالإنسان قد ينزل بحسه وعقله إلي المستوي الحيواني ويصير من طائفة من يقال لهم »ان هم إلا كالانعام بل هم اضل سبيلا« وقد يرتفع بروحه الشفافة وبصيرته المضيئة وقلبه الطاهر إلي أن يكون أقرب إلي الملائكة لأن صفاء الروح وكشف الران عن القلب الذي كان يحجبه عن تلقي الأنوار الربانية يجعله محلا للإلهام والمعرفة المستنيرة. ومن هنا يجب أن نأخذ قضايا الوحي مأخذ المستسلم بأن الوحي هو القائد والمرشد للعقل لا أن يكون العقل منطلقا محاولا تأويل الوحي بما يوافق النتائج التي وصل إليها العقل. إن أي حضارة تقوم علي العقل فقط من زراعة وصناعة وأدب وشعر تجعل المجتمع عبدا لهذا التحسن ولهذا التقدم من نظم كالدولة أو الايديولوجيات شيوعية وديموقراطية ويظهر نتيجة لذلك الفراغ الروحي الذي هو أكبر خطر يهدم ويهدد الحضارات، وأزمة العالم العربي أزمة روحية وليست مادية وهي نفس مشكلة الحضارات السابقة فالفراغ الروحي في الغرب فتح الباب امام عبادة وثن واحد اسمه الدولة بدلا من عبادة الله الواحد، كما أدي إلي استبدال ايديولوجيات من صنع المجتمع بدلا من الأديان، وهذا بالتالي يؤدي إلي يأس روحي يضطر الإنسان إلي التماس فتات الفلسفات كبدائل للدين الصحيح كمثل فكرة الشيوعية أو البراجماتية أو الوجودية أو الهيبزم أو غيرها. علم الاخلاق من الناس من عبد المادة والمال أو الجاه أو السلطان ولدي هؤلاء الرزاق هو السلطان والشافي هو الدواء والمعطي هو الوزير وهكذا فخلطنا الوسيلة بالغاية فقالوا إن الدواء هو الشافي والشرع يقول ان الشافي هوالله ويحصل الشفاء عنده لا به وهكذا في كل امور الدنيا فالعقل إذن ليس هو الأداة الصحيحة لبحث المسائل النفسية لأن النفس تدخل في عالم الغيب الذي لا يخضع لحواس الإنسان. والخطأ والصواب في علم الاخلاق نختلف عليه لو استعملنا عقولنا فقط. إن قصة العبد مع سيدنا موسي دليل رائع علي التصور في إدراك الخير والشر وأن الحواس لاتدرك إلا جزءاً يسيرا من الحقيقة وأن العقل يعجز عن إدراك اطوار لا يدركها إلا القلب ولذلك نزلت الشرائع والأديان السماوية بما يدخل في عالم الغيب وما يتصل بالسلوك الذي يعجز عن إدراكه العقل وهي تدعو إلي التسليم والانقياد والعبودية المطلقة لله جل شأنه. ولدينا أمثلة كثيرة في عالمنا الحاضر توضح أسباب مانعانيه من تدهور في القيم والمبادئ والسلوك كالإذاعة والصحافة والتليفزيون ومعظم وسائل الاعلام إفرازات عقلية محضة وهي تعبير عن هوي نفس وتوجيه غريزي وانصراف عن منهج الله لأننا لم نحكم قلوبنا ولم نستمع إلي النقل والوحي واستمعنا إلي عقولنا وغرائزنا فقط. وكذلك في كل امور التربية والمعاملات. نحن لا نعطل العقل ولكن نلزمه حدوده، ويجب ان يبرز القلب والإيمان لكي يشع علي العقل بنوره فيسير في طريق الهداية فمثلا بدلا من أن تتجه الإذاعة إلي الاستجابة لأهواء الناس ولتتبعهم فيما يشتهون يجب ان نتجه إلي الارشاد وانتشال الناس من وطأة المادية والفراغ والهوس. الوحي والعقل الدين الإسلامي يشجع العلوم ولا يفرق بين الدين والعلم، لأن العلم عند المسلمين بمعناه العام ثمرة الوحي والعقل واقتصر التميز بينهما حول أهمية العلوم بحسب ثمرتها. فثمرة علوم الدين الوصول إلي الحياة الأبدية وثمرة العلوم الأخري الوصول إلي الحياة الدنيوية ولكن لما انتقلت عدوي التفرقة بين الدين والعلم والدين والدنيا والدين والسياسة نتيجة الغزو الثقافي وانتشار العلمانية التي حاولت إبعاد العقيدة الدينية عن حياتنا. والمشكلة تكمن في أن الغرب عاني في عصر الانحطاط من كهنوت رجال الدين الذين خنقوا العلم فعزلهم العلماء وانطلقوا في العلوم وطرحوا الدين جانبا لكن في الإسلام ليست هناك مشكلة بين العلم والدين ولكننا بتقليدنا الأعمي للغرب خلقنا مشكلة لم يكن لها أي وجود وصرنا نبحث عن أيديولوجيات اصبحت اديان بغير اسم أديان مثل الديكتاتورية والاشتراكية والشيوعية وأصحاب الايديولوجيات يضعون نظرياتهم في قوالب تضاهي العقيدة الدينية فأصبحت الايديولوجية عقيدة تأخذ شكل طابع الإيمان بها والدفاع عنها. عبادة الاوثان إذا عدنا إلي التاريخ الماضي فإن الرسول [ جاء بالهدي وإصلاح الأخلاق وإخراج الانسان من الظلام إلي النور ومن عبادة الاوثان إلي عبادة فاطر السموات والارض ومن عبادة الاصنام إلي عبادة الواحد القهار ومن ضيق الدنيا إلي سعة الآخرة. ثم لما بدأ الإسلام في الانتشار والتوسع بدأ المسلمون في عهد البرامكة إلي نقل الكتب اليونانية، وتحمس للفلسفة اليونانية بعض المفكرين فنقلوا عنها مسائل كان قد جاء بها الإسلام وحسمها كشئون الاخلاق والتربية وعالم الغيب فغرقنا في امور خلقت الجدل والشك وحملت العقل مالا يحتمل ونبذت ماجاء به العلي الحكيم واهتمت بالجدل العقيم وبدأ التفلسف البحت الذي اتجه إلي محاولة التوفيق بين النتاج الإنساني من الفلسفة وبين الوحي الإلهي ولهذا يشكل مهزلة وانحرافاً خطيراً فإنتاج الفلسفة إنتاج شخصي يرتبط بالشخص من حيث البيئة والعصر والثقافة والمزاج ولذلك فهو نتاج نسبي ومادام الأمر كذلك فلا مناص من الاختلاف والتعارض والتناقض. بعد ذلك نشأ موضوع الضمير كوسيلة لتحل محل الدين بعد أن رؤي فصل الدين عن الدولة في أوروبا ولذلك فالوضع الصحيح بالنسبة لأساس الأخلاق لا يكون إلا بأن نلجأ إلي الدين نستمد منه الهداية والارشاد. إن الإيمان بالغيب وبما أمر به الله هو الاساس الأول للدين. لأن معرفة الإنسان كما اوضحنا محدودة بحكم طاقة حواسه التي يستمد منها المعرفة وعقلة ذي العالم المحدود. وقد آمن المسلمون الأوائل بالحقائق الغيبية واستقرت في عقولهم وقلوبهم وظل الأمر كذلك وهو الذي يربط المسلمين بالفهم الصحيح للإسلام والمصادر الإسلامية وهي الكتاب والسنة وفهم السلف. كلما كان المسلم أقرب إلي اتباع أوامر الحق وسنة رسوله [ كان إلي السعادة أقرب لانه [يسلك طريقه في الحياة وفقا للوحي وبعلم تام وحكمة بالغة شاملة للإنسان في كل أحواله. فإذا كنا نسلم بأن ليس للجند أن يسألوا عن حكمة وأسباب وعلل الأوامر العسكرية التي ترد اليهم بل عليهم تنفيذها فورا وبلا تردد وإلا أصبح أمر المعارك فوضي وليس لهم أن يناقشوها فما بالك بالحق جل وعلا ومابالك بأقوال الرسول [ كما يجب ان ندرك ايضا الحكمة في اتباع السنة لأنها تمرين المسلم بطريقة منظمة علي أن يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي واليقظة وضبط النفس وهذا يؤدي إلي التخلص من الأعمال والعادات العفوية لأن العادات التي تقوم عفوا لساعة تقف عثرة في طريق التقدم الروحي للإنسان عكس العادات المعلومة مسبقا والمعروف آثارها السامية كالصلاة والزكاة والصدقة والحب والرضا وغيرها من شعب الإيمان كما انها تحقق نفع المسلمين اجتماعيا لأنهم باتباع السنة تصبح عاداتهم وطباعهم متماثلة فتتقارب الفوارق وينعدم التنافر بين اخلاقهم وهي ايضا تضمن الهداية إلي الحياة الإنسانية الكاملة الكفيلة بتحقيق السعادة والحياة الطيبة. دراسة في التاريخ أود أن تسمعوا ما قاله المؤرخ الإنجليزي المشهور توينبي في كتابه دراسة في التاريخ أن مشكلة الحضارة الغربية كمشكلة الحضارات السابقة أدت إلي التردي إلي عبادة وثن من صنع المجتمع وهو تأليه نظم وضعها الإنسان وهو الأمر السائد الان بين 09٪ من سكان العالم لقد أدي هذا التأليه إلي انهيار 41 أو 61 حضارة سابقة من عشرين حضارة. وتأليه اليوم أشد إرهابا ولأنه تدعمه إيديولوجيات وتمكن له التكنولوجيا الحديثة سواء في وسائل الإعلام أو غيرها. وأن هذا التعصب قد تستر خلف الاشتراكية الوطنية في النازية والفاشية والقول أن هزيمة النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية قد أدي إلي القضاء علي النزعة الحربية موضع شك كبير وتعد هذه الانظمة صورة مماثلة لعبادة قيصر فضلا عن انها تعتبر غيرها شعوبا بربرية ومازال الفراغ الروحي مستبدا بالنفوس في الغرب فانفتحت الأبواب لتدخل شياطين التعصب وتستبدل بعبادة الله وثنا كما تستبدل بالأديان ايديولوجيات من صنع المجتمع وتمني الناس بفردوس علي الأرض بديلا عن نعيم الجنة ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان هكذا يقول توينبي. إن أزمة المجتمع الغربي هي في جوهرها أزمة روحية وليست مادية لأنه ينظر إلي الإنسان علي انه كتلة من الأنسجة مضافا إليها عقلا الكترونيا أو كمبيوتر في رأسه يدبر هذا الجهاز وأن الكون عبارة عن مرئيات ومحسوسات. أما الإسلام فهو سبيل السعادة الأبدية الذي جاء ليخضع نفسك لعقلك الذي عليه أن يستمد نوره من القلب المشبع بنور الله. فان السلطان الحقيقي علي الطبيعة سلطان الروح لأنها سر من أسرار الله فالدين هادي للعقل، والعقل يجب ان يخضع ويسجد للوحي الإلهي والقرآن لايستشير الإنسان في أي قضية جاء بها الوحي وإنما جاء ليصنع منهج الله وأوامره التي بينتها السنة الشريفة ولا مجال للعقل في مناقشتها. والعقل مادام علي صعيد النظر والإيمان بالخالق يبقي عقلا بديهيا ومادام كذلك علي صعيد العمل والالتزام بطاعة الله ورسوله [ فإن هذا العقل هو بمثابة الميزة الفريدة التي وضعها الله في الإنسان طبعا وغريزة بحيث يستطيع ان يعرف أولا ثم يعمل بعد ذلك فيؤمن فأصبح ظاهرة إلهية في الإنسان جعلها الله تعالي فيه ليعقل بها في حدود رسمه الله له داعيا لطاعة الله فيأتمر بأوامر الله وينتهي عما نهي عنه لاعقلا منفصلا عن خالقه.