لم يلتفت الشعب في 11 فبراير 1102م، الي التفويض الكاذب وغير الدستوري آنذاك الذي صدر عن حسني مبارك المخلوع الذي اجبره الشعب علي التنحي للمجلس العسكري بان يتولي ادارة شئون البلاد، لانه تفويض ممن نزعت عنه السلطة فأصبح بدونها ولا يملك اصدار قرار بعد تنحيه واجباره علي ذلك.. ولكن الشعب تطلع الي »الجيش« باعتباره المؤسسة الوطنية التي يستند اليها في المحن، وهي علاقة تاريخية ممتدة منذ موقعة العجلات الحربية في عهد الملك احمس قبل عدة آلاف من السنوات، حيث لم يثبت تاريخيا ان الجيش المصري وهو من اقدم جيوش العالم وخير جنود الارض، ان وجه سلاحه الي شعبه.. ولعل آخر الوقائع التي نزل فيها الجيش الي الشارع المصري في الفترة الاولي لحسني مبارك »المخلوع« الان، عام 6891 بعد ان تحرك الامن المركزي وكاد ان يفتك بالنظام آنذاك اثر اشاعة مد الخدمة العسكرية لهم!!.. فقد كانت معاملة افراد القوات المسلحة للشعب معاملة راقية وحضارية وكشفت عن حقيقة العلاقة العضوية بين الطرفين لذلك فان الشعب اعطي الثقة والشرعية للجيش ممثلا في المجلس العسكري، في كل ميادين مصر التي هتفت وهزت مصر كلها، بأن »الجيش والشعب ايد واحدة«، ومن ثم فان الشرعية التي تعني القبول الشعبي والجماهيري، التي منحها الشعب للجيش في ادارة شئون البلاد، كانت شرعية الميدان، وشرعية الثورة ومطالبها، وشرعية في ضوء تاريخية العلاقة العضوية، ولم تكن شرعية لان مبارك الفاسد والمستبد هو الذي خلعها عليه، فقد تناسي الشعب هذا التفويض لانه علي غير اساس، وتمسك الشعب بجيشه لانقاذ البلاد واستغلال ذلك الحدث العظيم لتغيير جذري يتفق مع قيمة الثورة وتطلع الشعب الي الحرية والعدالة الاجتماعية. الا ان الذي حدث في فجر يوم الجمعة 61 ديسمبر 1102، حيث قام افراد الشرطة العسكرية بالاعتداء علي المعتصمين المسالمين النائمين في شارع مجلسي الوزراء والشعب، وانهاء الاعتصام وطردهم من الشارع وضربهم بكل وسائل العنف وحرق خيامهم علي مرأي ومسمع من وسائل الاعلام، وسحلهم في الشوارع واخراجهم بالقوة من مربع مجلس الشعب والشوري، خلق موقفا جديدا علي العلاقة بين الجيش والشعب غير مسبوقة تاريخية، وسجل التاريخ ان جيش الشعب وجه سلاحه الي الشعب بدلا من اسرائيل علي الحدود والتي قتلت 03 جنديا في عهد مبارك، 6 جنود بعد الثورة، دون ان يحرك ذلك ساكنا من جيش مصر العظيم.. وهذه صفحة سوداء في تاريخ العلاقة سطرها قادة المجلس العسكري ليزرعوا فتنة جديدة غير مسبوقة بين الشعب والجيش، قد تؤدي الي زعزعة الثقة والمصداقية، ان لم يكن انهاؤها، ولن يجدي مع ذلك كل محاولات بعض قادة المجلس ورجالهم في الاعلام والحكومة، في تبرير ما حدث، فهو جريمة ضد الانسانية في جميع الاحوال وبكل المقاييس، وفوق هذا وذاك فان هذا الذي حدث هو جريمة قصمت ظهر العلاقة العضوية الي شطرين ليصبح الجيش في ناحية والشعب في المقابل في ناحية اخري.. والدليل علي ذلك مبادرة الجيش بعمل حواجز اسمنتية ضخمة ليقيم »جدارا عازلا« بينه وبين الشعب بكل أسف!!. لقد كان المجلس العسكري يتلاعب بالشعب ويتلاعب بالقوي السياسية واستطاع ان يوظف »الاخوان المسلمين والسلفيين« تحديدا لتنفيذ مؤامرته علي الثورة حتي اجهاضها ليخرج الجميع من المولد »الثورة« بلا اية مكاسب، سوي الاوهام، ويظل هو رابضا علي السلطة يديرها لحسابه وبما يحقق مصالحه باستمرار نظام مبارك بقواعده الفاسدة ورجال اعماله الذين نهبوا البلاد في شراكة آل مبارك وفي زواج عرفي بين السلطة والثروة، وبرموزه وسياساته فقد استطاع ان يصدر للشعب الشرطة لتضرب الثوار في شارع محمد محمود بميدان التحرير، ودون علم وزير الداخلية او رئيس الوزراء عصام شرف كما صرح بذلك د. علي السلمي »حديث للمصري اليوم 91/21/1102« ليذهب ضحية هذه المؤامرة »64« شهيدا من الشباب، وآلاف الجرحي، وحاول ان يلصق بهؤلاء الثوار تهمة البلطجة، ولكنه لم يفلح حتي اعلنت الموجة الثانية للثورة. ولكن لم يستطع ان يمسك نفسه اكثر من ذلك، ويبدو ان الشرطة بدأت ترفض الانصياع للمجلس العسكري في ضرب المتظاهرين واعلن الوزير الجديد ذلك، لذلك قررت الشرطة العسكرية ان تقوم بالمهمة بنفسها بضرب الثوار والشباب في شارع مجلس الوزراء لتقييم »الدولة العسكرية« بدلا من »الدولة البوليسية« التي سقطت في 82 يناير 1102 عندما حرر الشعب ميدان التحرير من قبضة البوليس ونظام مبارك المستبد، وحرر معها كل ميادين مصر، وحرر مصر كلها فمن هو وزير الدفاع الذي لا نعرفه، ولم يحلف اليمين لكي تتم محاسبته عن جريمة الشرطة العسكرية؟! الاجابة ان رئيس واعضاء المجلس العسكري هم معا وزير الدفاع المطلوب محاسبته، كما ان قائد الشرطة العسكرية مسئول تماما عما حدث ويجب محاسبته، فمن يحاسبه اذن الآن؟!. ان الصور ابلغ من كل حديث او شرح، وسحل الفتاة في الشارع بأيدي قوات الشرطة العسكرية ليؤكد اننا اصبحنا في ظل »الدولة العسكرية« حيث اجتمع عدد من هذه القوات حول فتاة لتتعري امام وسائل الاعلام وفي الشارع وتمتهن كرامتها التي انتفض الشعب كله للحفاظ عليها وثار ثورته الكبري، وتضرب الفتاة وغيرها بالاحذية جهارا نهارا!! هل يجب ان يحدث ذلك في مصر بعد الثورة؟! لو حلفتم ايها الاعضاء في المجلس العسكري علي كل الكتب السماوية لن يصدقكم احد؟! فأنتم المسئولون عن الامن، والكرامة، والعدالة، بعد ان منحكم الشعب الشرعية الثورية، اما وقد اصبحتم لا تشعرون بقيمة ما اعطاكم الشعب شرعيتكم في الحكم، ولا تشعرون الا بشرعية نقل السلطة من مبارك المخلوع لكم، وذلك حماية لهذا النظام الساقط الفاسد المستبد، فقد ذهبتم جميعا انتم والمخلوع الي الجحيم ولن يترلكم الشعب تنعمون بالسلطة بعد هذه الجريمة البشعة التي يستحيل محوها من »الذاكرة الجمعية« للشعب المصري..وفي ضوء ما سبق فان الشرعية التي منحتم اياها يا اعضاء المجلس العسكري قد سحبها منكم الشعب واسقطت عنكم، وانتم الان مطالبون حتي لا تتحول مصر الي نموذج ليبيا او اليمن تحديدا حيث الانقسام والاستقطاب والامتثال، ان تتركوا السلطة فورا، وان توقفوا العنف في ميدان التحرير من جانب واحد اولا، وان يعود المعتصمون الي اماكنهم في ميدان التحرير وفي شارع مجلس الوزراء، وان يتم التحقيق مع اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية ورجاله الموجودين في المنطقة فردا فردا، واحالتهم الي محاكمة عسكرية مدنية عاجلة، والكشف عن نتائج التحقيقات السابقة في الوقائع المماثلة فورا في »مسرح البالون العباسية ماسبيرو السفارة الصهيونية بالجيزة مديرية أمن الجيزة شارع محمد محمود« علي ان يتم اعلان التحقيقات الفعلية كما كشفت عنها ذات مرة الصفحة الاولي بجريدة الاهرام وهذه بالمناسبة طلبات الشباب في الغالب بميدان التحرير كما ابلغوني بها. كما ان المبادرة الحقيقية التي يجب ان تناقش وبسرعة فهي: أ الاكتفاء بانتخابات مجلس الشعب حتي المرحلة الثالثة، والغاء انتخابات الشوري. ب يتم تعديل اختصاصات مجلس الشعب ليخول باختيار مجلس رئاسي مدني يحكم البلاد في فترة انتقالية لمدة عام، كما له ان يختار حكومة انقاذ وطني لادارة شئون البلاد، وكذلك له ان يختار لجنة المائة من خارج مجلس الشعب لاعداد الدستور الجديد للبلاد. ج تحديد آلية التوصل الي هذه القرارات بالتوافق وليس بالاغلبية اتساقا مع مقتضيات الظروف الراهنة الصعبة التي تمر بها البلاد. د تحديد مدة زمنية لمدة عام تبدأ من تاريخ بداية مجلس الشعب لعمله في 52 يناير لانهاء كل هذه المهام والاختصاصات الجديدة. ه تبدأ عملية اعادة انشاء المؤسسات الجديدة والسلطات المختلفة بعد اقرار الشعب لدستوره وفق برنامج زمني مع جميع الاشكال المؤقتة. الامر يحتاج الي توافق علي ذلك، واعلان دستوري ملحق لما سبق صدوره، لانتشال البلاد من حالة فوضي وعنف بدأت بوادرها، والله المستعان، ولازال الحوار مستمرا ومتصلا.