الأحداث الأخيرة التي اندلعت في العباسية ،من مواجهات بين حركة 6 إبريل ،ومن رافقها في المسيرة التي نظمت من ميدان التحرير إلى مقر وزارة الدفاع ، والنهاية التي انتهت إليها المواجهات هناك ، تطرح سؤالا مركزيا ، أصبح يلح هذه الأيام في كل مناسبة ، ماذا نريد من المجلس العسكري؟ هذا السؤال يكشف لنا أن الثورة تنحرف عن مسارها ،وعن غاياتها التي أعلنت منذ اليوم الأول من ميدان التحرير ، من تعبير ،وحرية ،وعدالة اجتماعية . الانحراف يأتي هنا ارتكازا إلى دور الجيش في الحياة السياسية المصرية ويبدو إن معتصمي التحرير "الجدد" يعاملون المجلس العسكري باعتباره خليفة حسني مبارك وبالتالي عليه أن يثبت دائما أنه يختلف عن حسني مبارك وعليه بالتبعية أن يقوم بمجموعة من التغييرات والفعاليات في كافة الاتجاهات :
فهو مطالب بعلانية المحاكمات ، مع أن هذا ينطوي على تدخل في شئون السلطة القضائية . وهو مطالب بوضع خطة لتطوير البلاد ،مع أن هذا شأن مدني، كان ينبغي أن تقوم به حكومة منتخبة. وهو مطالب بتطوير وتطهير كافة هيئات الدولة . وهو مطالب بوضع خطة مستقبلية للتعامل مع كافة الشئون الداخلية والخارجية .
و دعوني أقول: إن غمس العسكريين في الشأن السياسي إلى هذا الحد، قد يفضى إلى تمسك العسكريين بالسلطة، فنسقط في هوة سحيقة، لا نخرج منها إلا بعد 60 عاما، كما حدث مع ثورة يوليو 1952 . ودعوني اذكر :أن القوات المسلحة قد تولت المسئولية في البلاد مساندة إلى شعب تحرك ، ونزل إلى الشارع ، وأعلن رفضه لسلطة فاسدة أذلته وأخرته عن مكانة كان يستحقها بالضرورة .
تولى الجيش المسئولية بعد سقوط حكومة وحاكم فاسدين ، وشرطة انسحبت من الشارع بعد أن قتلت وجرحت الألاف من أبناء الشعب ،وبديلا عن الفوضى التي بشر بها مبارك من بعده، تولى الجيش المسئولية وتعهد بأن يسلمها في أقرب فرصة ، إلى حكومة شرعية منتخبة ، تلتزم بوضع دستور حديث ، وعصري لتلحق مصر بركب العالم الحر، بدلا من مكانها القديم في العالم الثالث .
أن أمام الجيش المصري فرصة لدخول التاريخ من أوسع أبوابه. فقط إذا وفى بالتزامه السابق، وهو أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية ويستفتى على دستور جديد عصري وحديث يرسخ لحياة ديمقراطية سليمة واليات منضبطة لتداول سلطة في اقرب فرصة ممكنة فقط !هذا فقط !
لا تطالبوا الجيش بغير ذلك ، طالبوا حكومة أخرى سوف تأتي منتخبة منكم، ودعوا العسكريين يؤدون مهمتهم في هذه النقلة التاريخية ، ثم يعودوا إلى ثكناتهم .