بمجرد أن طالعت البيان الصادر عن الدكتور أحمد مجاهد، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي يكشف فيه واقعة الاستيلاء علي جزء من الأرض المملوكة للهيئة في منطقة "فيصل" وتقدر بملايين الجنيهات. وبناء عمارات سكنية عليها، بادرت بالاتصال به. لم أكن قد تحدثت معه منذ شهور، قلت له: "من الذي اكتشف هذه الكارثة؟"، فرد: "أنا، عندما توجهت إلي هذا الموقع للإعداد لأول معرض للكتاب تقيمه الهيئة هناك في رمضان الماضي علي هذه الأرض التي كانت مجرد مخزن، لاحظت شيئاً غريباً لفت انتباهي في السور المحيط بالأرض، فثلاثة أضلاع منه تتماثل في قدمها وطريقة بنائها، في حين أن الضلع الرابع يبدو مختلفاً.. بل هو بالفعل بناء جديد.. هذا الضلع الذي يفصل بين مخازن الهيئة وهذه الأبراج التي ارتفعت!. وحتي أصل إلي الحقيقة قررت اللجوء إلي هيئة المساحة التي أفادتني، من واقع مستنداتها، بأن هذه الأبراج أو العمارات السكنية شُيدت بالفعل علي أرض تمتلكها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد تمت الجريمة بهدم الضلع الرابع من السور وبناء آخر بديلاً عنه بعد اجتزاء هذه الأرض التي تم التعدي عليها". عدت وسألت رئيس هيئة الكتاب: "في أي عهد تتصور أن هذه الجريمة ارتكبت؟"، فرد: "في أواخر السبعينيات علي وجه التقريب"، ومضي مجاهد قائلاً: "أياً كانت الملابسات سأمضي في الطريق إلي نهايته". أمر شغلني كثيراً لجرأة من ارتكب هذه الجريمة علي مرأي ومسمع منا جميعاً، ومن أفراد الأمن المكلفين بحراسة مخازن هيئة الكتاب في هذه المنطقة، فكيف تم هدم الضلع الرابع من السور واقتطاع هذه الأرض وبناء سور جديد وهذه العمارات التي تسد عين الشمس؟!، من الذي سمح؟.. ومن الذي تستر؟.. ومن الذي قبض؟.. وما هو مصير هذه الوحدات السكنية إذا كانت قد بيعت لبشر أبرياء بمستندات مزورة؟!. أتصور أن هذه واحدة من أهم مزايا الثورة المصرية التي أطاحت بالفساد ورموزه، ومكنت من بيدهم الأمر من أن يواصلوا الكشف عنه ، وفضح المفسدين الذين سمحوا لأنفسهم بأن يسرقوا أموال هذا الشعب في ظل مناخ مقيت. وأنتظر من وزير الثقافة الجديد، الدكتور شاكر عبدالحميد، أن يصحح الكثير من الأمور التي تحتاج إلي إعادة نظر لأنها لا تتفق مع المناخ الجديد الذي يجب أن تتنفسه مصر بعد ثورة 25 يناير. وربما تكون إحدي مهام الوزير الجديد أن يُسهم بجميع هيئاته في تنوير المواطن المصري في هذا الظرف التاريخي، والوقوف بحسم في وجه من سمحوا لأنفسهم بدفع المجتمع إلي الخلف باسم الأخلاق أو الدين. فمن غير المقبول أن يتساهل مع من يتهمون شاعراً خالداً مثل قسطنطين كفافيس بالحض علي الرذيلة وهو الذي يعد الآن جزءاً من تاريخ الأدب المصري واليوناني، بل من تاريخ الأدب الإنساني كله، وهو الشاعر الذي تعاون المصريون واليونان، منذ سنوات، علي إنشاء جائزة أدبية رفيعة تحمل اسمه وتتوجه إلي الأسماء التي تلعب دوراً تنويرياً، وقد نالها في دورتها الثانية عشرة، مساء الإثنين الماضي: الروائية أهداف سويف، والشاعر أمين حداد، والمترجم بشير السباعي، فضلاً عن الشاعر رفعت سلام الذي نال تقديراً خاصاً في رحاب هذه الدورة لجهده في ترجمة الأعمال الكاملة لهذا الشاعر الذي تجري في عروقه الدماء اليونانية والسكندرية. ومن اليونان توجهت جائزة كفافيس في هذه الدورة إلي: الشاعر جورج روناس، والروائي ذيمتريس ستيفاناكيس، ومنح الدكتور ستيفاوس جيرولانوس جائزة تقديرية لإسهامه في نشر أعمال كفافيس باليونانية. وقد ضمت لجنة التحكيم في هذه الدورة: الدكتورة أمينة رشيد، أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة، والروائية الدكتورة سحر الموجي، وحسام نصار، وكيل أول وزارة الثقافة، رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، الذي رأس هذه اللجنة عن الجانب المصري، وعن الجانب اليوناني رأسها ديميتريس داسخا لابودوس. وتعيدني احتفالية منح جائزة كفافيس في هذه الدورة، التي كرمت اسم مؤسسها الأول كوستيس موسكوف، إلي بداية تعرفي إلي هذا الدبلوماسي الشاب الذي خدم في سفارة اليونان بالقاهرة في مطالع التسعينيات من القرن الماضي مستشاراً ثقافياً، وقد جاء لزيارتي في مكتبي بالأخبار بصحبة الناقد التشكيلي والأديب والمترجم الكبير الصديق الدكتور نعيم عطية، لدعوتي لزيارة اليونان في مناسبة ثقافية لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة، فقد رأي اليونانيون استضافة عدد من رموز الفن والأدب في العالم ليجتمعوا عدة أيام علي متن العبّارة الضخمة "أوديسيوس"، التي تحمل اسم بطل الإلياذة والأوديسة الشهير، لترسو بهم علي أشهر جزر اليونان ليزوروا آثارها الخالدة ومسارحها المنحوتة في الصخر، وفي رحابها يعزفون ويغنون بلغاتهم المختلفة. وكان موسكوف سعيداً جداً في ذلك الوقت بصدور الترجمة العربية لرواية الكاتب اليوناني الشهير أفيروف "حمامة تنطلق كالسهم"، وعلي متن هذه السفينة بدأنا نخطط مع أصدقائنا من كبار المفكرين المصريين الذين أذكر منهم الدكتور أحمد عتمان، والدكتورة ليلي تكلا، والكاتب محفوظ الأنصاري، لكيفية الانطلاق بالثقافة إلي آفاق غير تقليدية وتحقيق التواصل بين البشر علي اختلاف ألسنتهم وعقائدهم.