لم يكن الرئيس الأمريكي أيزنهاور معارضاً التصفيات الجسدية لأعداء وخصوم بلاده، لكنه في الوقت نفسه حاول وضع ضوابط يكبح بها جماح وانفلات فرقة الإعدامات التابعة لوكالة المخابرات المركزية بقدر المستطاع، خاصة بالنسبة لقادة ورؤساء الدول الأجنبية! لقيت هذه الضوابط تذمراً صامتاً من صقور ال »سي آي إيه« الذين وجدوا فيها تقييداً لتنفيذ برنامجهم القديم، والمستمر، لاغتيال العديد من قادة الدول المعادية للولايات المتحدة. الرئيس أيزنهاور كانت له وجهة نظر أخري برر بها الضوابط التي فرضها علي ال سي آي إيه. فمن رأيه أن تصفية رئيس دولة سواء تمت أو فشلت ستكون لها آثار خطيرة علي الولاياتالمتحدة، يظهرها أمام المجتمع الدولي كدولة إرهابية لا تحترم القانون ولا تعترف بسيادة الشعوب والحكومات داخل دولها، وهو ما يستحق محاسبتها وعقابها. فلا يستبعد أن تقوم الدولة المجني عليها بالثأر والانتقام لمقتل أو محاولة قتل قائدها، أو أبرز رموزها، مما يضع ساكن البيت الأبيض هدفاً ثميناً مطلوبا تصفيته شخصياً عملاً بمبدأ العين بالعين والسن بالسن. ليس هذا فقط.. بل ستضطر العديد من الدول المحايدة أو حتي الحليفة مع الولاياتالمتحدة إلي التخوف منها وعدم الثقة في تعاملاتها معها. فالدولة التي لا تتورع عن تصفية رئيس دولة معادية لها، لن تمانع بالتالي في تكرار جريمتها ضد رئيس دولة حليفة لها لسبب أو آخر(..). هذه المخاطر كلها كان يمكن تفاديها لو أن الرئيس أيزنهاور أصدر قراراً بإلغاء عمليات تصفية قادة ورموز الدول المعارضين للولايات المتحدة، لكن الطريف والمحزن معاً أن الرئيس الراحل أيزنهاور اختار حلاً غريباً، وعجيباً، كشف عنه الكاتب السويسري إيتان دوبوي في كتابه الأخير، والمثير، تحت عنوان أكثر إثارة: »اغتيال القادة الأجانب بواسطة الولاياتالمتحدة«: L'Assassinat de Dirigeants Eetrangers par les Etats-Unis مطالبا وكالة المخابرات سي آي إيه بتكذيب أية صلة لها أو لبلادها من قريب أو بعيد بعملية التصفيات الجسدية لقادة ورؤساء ورموز الدول الأجنبية! وبتفاصيل أكثر: طلب أيزنهاور من وكالة ال سي آي إيه ليس فقط الحرص الشديد علي عدم اكتشاف تورطها أو ترك دليل علي هويتها في عمليات التصفية، وإنما الحرص الأهم علي استخدام كل أبواقها ونفوذها لإتهام »الآخرين« بالضلوع فيها والمسئولية عنها(..). وهو ما يعني إعطاء الضوء الأخضر لوكالة المخابرات المركزية لتزوير المعلومات، وتسليط الاتهامات علي الأبرياء، واختراع أدلة إثبات تورط هؤلاء في تصفية هذا الرئيس أو حتي محاولتها! رغم كل هذه الاحتياطات للحفاظ علي مصداقية الإدارة الأمريكية إلاّ أن أيزنهاور كان يتوقع إمكان فشلها لسبب أو آخر وفي هذه الحالة يجب الإعلان والإصرار علي أن ما حدث كان خطأ وكالة المخابرات المركزية، بدون علم، ولا موافقة البيت الأبيض، وهو ما يؤكد عدم مسئولية الإدارة الأمريكية بصفة عامة، تاركاً لل سي آي إيه في الوقت نفسه الدفاع عن نفسها بكل ما لديها من وسائل التكذيب، والتزوير، والافتراء علي الآخرين من الأبرياء! .. وللحديث بقية.