إذا أراد التيار القومي ومعه أجزاء من اليسار أن يقدموا شيئا للنظام السوري، فالأوجب هو تطبيق الحديث النبوي الشريف الذي معناه، "انصر أخاك ظالماً أو مظلوما، فقيل ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما فرد عليه الصلاة والسلام بما معناه: تنصره بأن ترشده إلي مواقع ظلمه ليتلافاه ولا يستمر فيه!". إن الوضع في سوريا لا يتصل بنظامها السياسي فقط وإنما بالشعب السوري، وبالأرض السورية وبالحاضر والمستقبل هناك، ناهيك عن أن الجغرافيا السياسية لسورية تفصح عن أن ما يحدث فيها ينعكس علي كل المنطقة، ابتداء من تركيا شمالا إلي مصر جنوبا ومن العراق شرقا إلي الجزيرة العربية جنوب شرق، ومن لبنان غربا إلي فلسطينالمحتلة، بل قد يصل التأثير إلي مجموعة جزر البحر المتوسط وفي مقدمتها قبرص ومالطة! ومن هنا تأتي ظاهرة الانقسام الحاد في الموقف الدولي لدرجة استخدام روسيا والصين لحق الفيتو في مجلس الأمن، رفضا لأية تدخلات في الحالة السورية، وهو أمر لا يعني إعجابا روسيا وصينيا بعيون بشار الأسد ولا مراعاة لخاطر أركان نظامه وحزبه، وإنما يعني إدراكا لحجم الخلل الذي ينتج عن مهاجمة سوريا والتدخل العسكري لحسم الصراع فيها وهو خلل يهدد المصالح المباشرة للدولتين، بما في ذلك الوضع في آسيا الوسطي والعراق. لقد ظل البعث يحكم منذ أكثر من خمسة عقود تقريبا وشهد انشقاقات وتحولات كثيرة ومثيرة للدهشة، ووصل الأمر أحيانا للحرب بين أجنحة ذلك الحزب الحاكم في سورية والعراق، ووصلت التصفيات الجسدية في بنية الحزب حدا يمكن أن توصف فيه بالمذابح وامتلأت السجون بالرفاق، بل إن المؤسسين للحزب مثل ميشيل عفلق وصلاح البيطار وغيرهما لم يسلما من الأذي وبعضهم مات في منفاه.. ثم حدث ولا حرج عن دور البعث في التآمر علي الوحدة بين مصر وسورية.. وبين مصر وسورية والعراق، ووصل الحال أن يساهم حزب يرفع شعاراً يضع الوحدة قبل كل الأهداف في جريمة الانفصال بل وجريمة التآمر علي مصر عبد الناصر واستدراجها لمواقف كانت نتائجها فادحة.. لدرجة أن المتواتر هو قيام البعث الذي كان يقوده آنذاك جناح أقرب إلي الفكر الماركسي باصطناع وجود مؤامرة من الدولة العبرية الصهيونية علي سوريا، الأمر الذي دفع القيادة المصرية لأن تحاول كبح جماح العدو الصهيوني، عدا عن أن حقائق الجغرافيا السياسية تؤكد أن الأمن الوطني المصري علي المستوي الجغرافي يصل إلي جبال طوروس شمالا ومنابع دجلة والفرات شرقا، ومن ثم فإن احتمالات عدوان الدولة الصهيونية علي سوريا واحتلالها لها أو سيطرتها علي نظام الحكم فيها يعد تهديداً مباشراً للأمن الوطني المصري، وكان ما كان مما هو معلوم للكافة أي هزيمة يونيه 1967 بأبعادها الداخلية والإقليمية والدولية! لقد أدي عجز النظام السوري القائم الآن عن تحقيق حلحلة في معادلة الاستبداد والفساد واحتكار السلطة والثروة وعدم القدرة علي تحرير التراب الوطني المحتل منذ 1967 إلي أن تحشر القوي الوطنية والقومية المدركة لدور سوريا وحجم الخطر الذي يتهدد الأمة العربية كلها إذا هيمنت إسرائيل علي سوريا وفرضت إرادتها علي الإرادة الوطنية السورية.. وهذا الانحشار يتمثل في التمزق بين إدانة الاستبداد والفساد والتخاذل في سوريا ومسئولية النظام القائم عن ذلك كله وبين غموض المستقبل والذعر من سقوط سوريا في أتون حرب أهلية طائفية وجهوية لتصبح لقمة سائغة للصهاينة والأمريكان! إنه موقف لا يحسد عليه التيار القومي الذي يظهر وكأنه يكيل بمكيالين لأنه رحب بالثورات في تونس ومصر وتحفظ علي ما جري في ليبيا ويرفض ما قد يحدث في سوريا.. وفي هذا ازدواجية مرفوضة. نعم للتغيير في سوريا نعم للديمقراطية وتداول السلطة وللعدالة الاجتماعية ومواجهة الفساد ولا وألف لا للاقتتال والتدخل الخارجي.