كتبت الأسبوع الفائت عن مبالغات رافعي المصاحف علي أسنة رماح الصراع السياسي الاجتماعي الدائر في مصر، وكيف أنهم يغالطون ويحاولون إدخال الرعب في قلوب الآخرين بمغالطتهم في تصوير اكتساحاتهم وانتصاراتهم في كل المجالات. هكذا فعلوا في انتخابات نقابة الأطباء، وهكذا يلوحون بمجلسي الشعب والشوري.. وببقية النقابات التي توشك أن تجري انتخاباتها، وما لفت نظري وأحاول أن أكتب عنه اليوم، هو استعراضات القوة الغاشمة لفصيل آخر من تلك الفئة غير فصيل الإخوان المسلمين.. وذلك الفصيل يسمي نفسه بالسلفيين الذين يميزون أنفسهم باللحي الكثيفة الطويلة وبالشوارب الحليقة تماماً. ولأنهم حسب المعايير الفقهية قد اختاروا اتجاها بذاته من اتجاهات الفقه الإسلامي، فمن المغالطة الفجة أن يستلبوا لأنفسهم وحدهم المذهب السلفي برمته، ويكفي أن أقول إن أهم ما كان يميز السلف الصالح، هو السماحة والمودة والرحمة والربط بين منظومات القيم الإنسانية العليا التي استقرت عليها البشرية، وبين مبادئ الشرع الإسلامي الحنيف. لقد شن أحدهم حملة كلامية علي عبد من عباد الله الصالحين، هو الدكتور علي جمعة الذي يعصم إيمانه وإسلامه، عرضه ودينه وماله وسمعته ووجوده وحياته، وأمام هذا الاعتداء اختصم علي جمعة ذلك الرجل إلي القضاء المصري ليحكم بينهما، ولم يستعد علي جمعة السلطة ولا استدعي انصاره ومريديه أو أهله وعزوته أو استأجر بلطجية يردون عنه الأذي.. بل لجأ إلي مؤسسة العدالة لتقتص له أو تقتص منه. فماذا فعل الذين يطلقون لحاهم ويحلقون شواربهم ليثبتوا بما لايدع مجالا للشك أنهم ملتزمون بالكتاب والسنة شكلا وموضوعا؟! لقد تجمعوا.. وكالعادة استخدموا منطق المبالغة الاكتساحية، فأعلنوا مرة أن تجمعهم يتجاوز عشرة آلاف سلفي رجالا ونساء، وأعلنوا ثانية أنهم كانوا خمسين ألفا!! تخيلوا أن خمسين ألفا من ذوي اللحي الكثيفة الطويلة والشوارب الحليقة قد تزاحموا أمام محكمة في مدينة صغيرة، وما ترتب علي ذلك من إغلاق للشوارع ومداخل المنازل والمحلات وتعطيل للمواصلات، ناهيك عن فزع النساء والأطفال بل وأيضا الرجال الذين يمضون في حالهم سعيا وراء أرزاقهم، تخيلوا أيضا ما الذي جري لهيئة المحكمة وما جري للشرطة المنوط بها حماية المحكمة، وما جري كذلك لبقية المتقاضين الذين ذهبوا لينجزوا ما لهم من حقوق أو يؤخذ منهم ما عندهم من حقوق للآخرين.. تخيلوا أيضا ما الذي أصاب هيبة الدولة المصرية فوق ما هي مصابة به.. تخيلوا ذلك كله، والأدهي والأخطر أن تتخيلوا حجم وعمق ما أصاب "السلفية" من سلوك هؤلاء ليكفي أن نقول إنها منهم براء! عندئذ يصبح السؤال، إذا كانوا يجرؤون علي فعل ذلك ونحن مازلنا علي البر كما يقول أهلنا الفلاحون، فما المتوقع إذا تولوا هم قيادة السفينة في بحر الأيام والسنين؟!.. وما حكم الشرع فيمن يقطع الطريق علي عباد الله ويروع الآمنين ويقوض سلطة الدولة، ويهين عبدا من عباد الله الذين يشهدون أنه لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله؟!