يبدو أن الإخوان المسلمين ومعهم من سعي سعيهم من متخذي الإسلام العظيم راية علي أسنة رماح الصراع السياسي الاقتصادي الاجتماعي والثقافي، يطبقون الأثر الذي ينسبه المحدثون إلي النبي الأعظم "صلي الله عليه وسلم"، فيما معناه أنه نصر بالرعب من مسيرة عدة أشهر! لأنهم يظنون أن ترويع الآخرين بألفاظ من مثل "الاكتساح" و"السيطرة" وبمواقف من قبيل " لا نريد رئاسة ولا أغلبية برلمانية ولا هيمنة علي الحياة السياسية الآن رغم أننا نملك ذلك". هو ترويع يضمن لهم السيطرة الفعلية ويجبر الآخرين علي التراجع واليأس، وربما التحول إلي جانب الإخوان ولو من باب المكسب والانتهازية!. لقد كانت الانتخابات النقابية للأطباء واحدة من تجليات هذا النهج، الذي يحمل كثيراً من سمات البراجماتية السياسية التي تتيح استخدام كل السبل والوسائل لأجل الربح سواء في المال والاقتصاد بوجه عام أو في السياسة، وهو نهج يحيل منظومات القيم العليا العقيدية والحضارية والثقافية إلي معان ومضامين منتهكة تمارس علي أرض الواقع، لتثمر نقيض معانيها ومضامينها الحقيقية. في الانتخابات النقابية للأطباء في مصر أشاع الإخوان أنهم اكتسحوا وسيطروا، ولأن كثيراً من وسائل الإعلام المقروء والمشاهد لا تملك وقتا في خضم ما نحن فيه من زحام هائل لتحقق وتدقق، فإنها ابتلعت ما أشاعوه وأبرزته علي أنه حقيقة بينما الحقيقة غير ذلك تماماً. الحقيقة هي أن تيار الاستقلال النقابي للأطباء فاز بأغلبية المقاعد في محافظات القاهرةوالإسكندرية وأسوان وقنا والأقصر وسوهاج وأسيوط والمنيا وبني سويف والبحر الأحمر والسويس وشمال سيناء ومطروح، إضافة إلي نصف مقاعد الغربية وكفر الشيخ، ومقاعد أخري للمعارضة في معظم ما تبقي من محافظات، وتمثل هذه المحافظات أكثر من 70٪ من الأطباء المسجلين وحسب بيان قائمة الاستقلال عن انتخابات نقابة الأطباء، فإن الإخوان خسروا كل مقاعد نقابة الإسكندرية أكبر معاقلهم وخسروا حوالي 14 إلي 16 مقعداً في نقابة القاهرة، وهما أكبر نقابتين في مصر تمثلان ما يقرب من 40٪ من الإطباء المسجلين. إن التحليل الأولي البسيط وغير المتعمق للخطاب السياسي والإعلامي للإخوان ومن سعي سعيهم من السلالة التي ترفع المصاحف علي أسنة رماح الصراع السياسي الاقتصادي الاجتماعي في مصر، يشير إلي ما سبق وذكرته وهو ترويع الناس وإدخال الرعب من هذا البعبع، الذي يبدي دوما أنه سيعتقنا ولن يحكمنا ولن يسيطر علي الحياة النيابية الآن، وأن علينا بالتالي أن نهيئ أنفسنا للخنوع له في المستقبل القريب بعد أن تكون دولة الكيان الصهيوني ومعها ظهيرها الأوروبي والأمريكي مستعدة للقبول به في حكم المحروسة التي هي أكبر احتمال للمواجهة مع ذلك الكيان المغتصب! إنهم لا يستطيعون رداً علي أن الكيان الصهيوني وهو يسعي لدولة يهودية خالصة دينيا وثقافيا وربما عرقيا، يريد بالتبعية دويلات مشابهة.. واحدة مارونية.. وأخري قبطية أرثوذكسية، وثالثة مسلمة سنية، ورابعة مسلمة شيعية، وخامسة مسلمة أباضية، وهلم جراً حتي يكون الشرق الأوسط بدون أي منظومة عربية تعبر عن التركيب الحضاري العربي الذي يجمع التراث المسيحي والإسلامي في نسيج واحد. وإذا كان يتعين أن أختم هذه السطور.. فهو النداء لجموع زملائي الصحفيين ألا يبتلعوا طعم الاكتساح الإخواني، وأن يثبتوا أن صحفيي مصر فوق هذا الاستقطاب غير المشروع.. ثم متي يكف مكتب الإرشاد عن قراراته المرعبة بالتدخل في النقابات ويترك لكل فئة ومهنة أن تتدبر أمر نفسها، وأن يترشح المرشحون بغير أردية أيدلوجية ولا عبر قرارات من جهات تدعي لنفسها العصمة وتدعي القوامة علي عقل الأمة ودينها؟