ما هي ملامح المشهد العالمي عندما تحين نهاية عصر النفط؟ السؤال لم يعد افتراضيا أو خياليا، ثمة سيناريوهات متعددة تناقش تلك القضية، والرهان الأساسي لمن يرسمون أي سيناريو لعالم لا يعتمد في تلبية احتياجات البشر علي الوقود الأحفوري بأنواعه -وفي مقدمتها النفط بالطبع- ينطلقون من فرضية غاية في البساطة: المستقبل لمصادر الطاقة المتجددة التي سوف تستحوذ علي نحو 08٪ من الكعكة بحلول عام 0502، بدلا مما تحوذ عليه الآن ولا يتجاوز 31٪ فقط، من ثم فان صورة العالم سوف تختلف إلي حد بعيد عما هو عليه الحال راهنا، فعندما ينتصف القرن الحادي والعشرون سيهبط النفط من فوق عرش الطاقة بعد هيمنة طويلة علي مزيج الطاقة العالمي، ليصبح دوره -قياسا بما كان عليه- هامشيا، بينما يكون الاندفاع نحو ضخ استثمارات هائلة في مصادر الطاقة البديلة قد أتي بثماره كاملة، من ثم يتحقق التطور المطلوب علي صعيد الحجم والسرعة لتقويض الطلب ليس فقط علي النفط، ولكن أيضا علي الغاز والفحم. عند هذا المنعطف التاريخي، يمكن تصور الحديث عن إطلاق شبكة عالمية لمصادر الطاقة المتجددة، تتجاوز معظم السلبيات والعيوب الناجمة عن الاعتماد الطويل، وشبه الكامل، علي ما كانت تنتجه آبار النفط، وحقول الغاز، ومناجم الفحم، خاصة في ظل توقع طفرات تقنية تجعل من الطاقة المتجددة بأنواعها منافسا اقتصاديا يستطيع توجيه الضربة القاضية لعصر النفط وشقيقيه للابد! سوف تحل مكان المنظومة التي استمرت عقودا طويلة لتأمين احتياجات البشرية من النفط، شبكة أخري هدفها ربط أنحاء المعمورة عبر مصادر الطاقة المتجددة، بعيدا عن أساطيل سفن الشحن العملاقة التي تجوب البحار والمحيطات حاملة معها انتاج الدول المصدرة للنفط -والغاز أيضا- إلي حيث ينتظرها المستهلكون. لكن المثير ان ذات المناطق -تقريبا- التي كان الاعتماد عليها أساسيا في مد المستهلكين بحاجاتهم من النفط، سوف تبقي العنصر الأكثر تأثيرا وفعالية في الشبكة الجديدة عند ضخ الطاقة من المصادر المتجددة، وفي المقدمة الشمس والرياح! ولعل فكرة اقامة مشروع ضخم لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الشمسية في شمال افريقيا، كان نقطة الانطلاق التي تم علي اساسها بناء سيناريو شبكة الطاقة العالمية للمصادر المتجددة. البداية، تأسيس شبكة عملاقة لربط منطقتي شمال افريقيا والاتحاد الأوروبي- أي ضفتي البحر المتوسط- عمادها تحويل اشعة الشمس لتيار كهربائي مستمر باستخدام اشباه الموصلات، ويمكن تكرار ذات الفكرة في منطقة الخليج العربي لاستثمار سطوع الشمس شبه الدائم علي مدار العام. وكما هو الحال بالنسبة للشمس، فان امتلاك خرائط للمناطق التي تنشط فيها الرياح، أو عملية المد والجزر، سوف يتيح توسيع شبكة طاقة المصادر المتجددة العابرة للحدود، ومع التطور التقني المشجع علي ضخ مزيد من الاستثمارات العالمية، فان تنافسية الاسعار مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية، سوف تمثل حافزا هائلا لتحويل فكرة تلك الشبكة من مجرد أحلام في عقول العلماء- يسطرونها علي أوراقهم- إلي حقيقة تغير وجه العالم مع انتصاف القرن!