رغم كل ما يحيط بالطاقة النووية للاغراض السلمية من هالات سحرية، وكأنها مارد لا يمكن النيل من قدراته، إلا أنها في النهاية تعتمد علي مصدر ناضب، ومن ثم فإن لها عمرا محدودا، بخلاف الطاقة المستمدة من مصادر متجددة. اختراق هائل أحرزته الصين، سوف يقلب المعادلات التي استقرت طويلا، فقد استطاع فريق علمي صيني إحداث ثورة علمية تقنية تسمح بمعالجة اليورانيوم ستين مرة، وليس إعادة معالجته لمرة أو مرتين، وبالتالي مضاعفة عمر اليورانيوم من عشرات السنين إلي آلاف الأعوام. هكذا تصبح الطاقة النووية متجددة علي نحو ما، صحيح أنها لن تنافس الشمس أو الرياح مثلا، لكنها متجددة بالمعني النسبي، غير أنه حتي في ظل تلك النسبية، فإن الخطوة الجبارة التي قطعها الصينيون تفتح أبواب الأمل أمام اختراقات جديدة في المستقبل، قد تجعل معالجة الوقود النووي المستنفد بلا حدود أمراً ممكناً! عملية توليد الطاقة الكهرونووية يتم عبر انشطار اليورانيوم المخصب في المفاعلات، فإذا كان الوقود لا يستطيع الحفاظ علي معدل قوة معين، يجب استبداله، الآن فإنه وفقا للإنجاز الصيني يمكن التعامل مع اليورانيوم الذي خرج من المفاعل لاستخلاص كميات جديدة من الوقود النووي الصالح لتغذية المفاعل مرة، ومرة، وحتي ستين مرة. ثمة نتائج عديدة تترتب علي الاختراق الصيني لا ترتبط فقط بالانعكاسات المباشرة المتعلقة بنصيب الطاقة النووية في كعكة الطاقة فحسب، لكنها تعيد رسم أدوار الدول التي تستحوذ علي احتياطات من النفط والغاز والفحم، وبالمقابل فان الوزن النسبي للدول التي تحوذ احتياطات اليورانيوم، سوف يزيد ثقلاً. وإذا كانت الصين أكبر الرابحين، بعد أن أصبح من حقها انتزاع دور قيادي علي المستوي التقني عالميا، وفي مجال من أكثر المجالات حساسية، فإنه سينجم عن هذا التطور إعادة ترتيب لأدوار الآخرين في إطار لعبة القوة علي الصعيد الدولي. ولعل الإنجاز الصيني يسرع من قدرة بكين علي انتزاع موقع الصدارة الاقتصادية عالميا، فالخطوة التالية انتزاع العرش من واشنطن في مدي زمني أقل بكثير مما كان متوقعا. وبعيدا عن الترتيبات في قمة النظام الدولي، لاسيما علي صعيد الاقتصاد، فإن هذا التطور سوف يفتح شهية الكثيرين لحيازة مشروعات للطاقة النووية السلمية، بعد أن أصبحت أكثر جدوي، وقد يؤدي ذلك أيضا لإعادة النظر في قرارات اتخذت بعدم مواصلة الاعتماد علي المفاعلات السلمية في توليد الطاقة الكهربائية بالعديد من الدول. ربما يعيد البعض -كذلك- النظر في استراتيجيات الاعتماد علي أنواع من الطاقات المتجددة والمستدامة، لصالح مزيج من الطاقة النووية، وما تحوذه من مصادر للطاقة، فمثلا قد يتم إعادة بحث لجدوي استيراد الطاقة الشمسية من ذات المناطق المصدرة للنفط والغاز، تطلعا لمزيد من الاستقلال بالنسبة لمصادر الطاقة. قد يقلل الاختراق الصيني من وتائر البحث عن بدائل لمصادر الطاقة البديلة، خاصة ما يتعلق بالتوسع الذي كان مخططا بشأن الوقود الحيوي، وما قاد إليه من تأثيرات سلبية ناجمة عن خلق أزمات غذائية. علي أن القول الفصل في كل التوابع المترتبة علي الثورة العلمية التقنية التي أحرزتها الصين، سوف يظل مرتهنا بالتوسع في عمليات التطبيق الواسع، وعلي نطاق تجاري، واختبار الجدوي تحت شروط الواقع. يبدو ان البشرية علي أبواب عصر جديد في التعامل مع الطاقة النووية، وفق معايير غير مسبوقة، بل ولم تكن متوقعة في ظل أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، حتي كشف الصينيون عن قنبلتهم السلمية.