بينما تخطط بعض الدول- تحت تأثير ضغوط دعاة الحفاظ علي البيئة - للابتعاد عن استخدام المحطات النووية لتوليد الطاقة، فإن الفكرة تكسب كل يوم أرضا جديدة- وربما مياهاً- علي مستوي المعمورة. ومع تزايد الحماس لاطلاق أو معاودة اطلاق برامج نووية للاغراض السلمية، خاصة انتاج الكهرباء، يتوالي بناء اجيال جديدة أكثر امانا من المحطات النووية، لكن يبدو ان لروسيا رأيا آخر في المستقبل. جديد الروس: المحطة النووية العائمة! وبالفعل فقد اطلقت روسيا اشارة البدء لبناء أول محطة نووية عائمة، لتنطلق بالتوازي مع خطوتها هذه ، موجة من الجدل بين المدافعين عن أمان وسلامة البيئة، ربما علي خلفية الكارثة النووية الاشهر في مفاعل تشرنوبيل. المحطة العائمة التي يستغرق بناؤها نحو عامين، سوف تحملها سفينة، ومن المقرر ان تعمل المحطة النووية العائمة نحو ثلاثة عقود، ثم ترحل عن المنطقة الموجودة بها تماما، لتعود الامور كما كانت، أو ربما لتحل محل المحطة التي تحال للتقاعد أخري جديدة، ستكون في الغالب اطول عمرا، لانها تنتمي الي جيل اكثر تقدما، لتواكب تقنيات أكثر تطورا.. هكذا تقضي سنن المستقبل. الخطة الروسية لا تستهدف - بالطبع - الاقتصار علي بناء محطة أو محطتين، ولكن سلسلة من المحطات النووية العائمة تختال علي ساحلها الشمالي. ثم ان هذه الخطوة الطموح سوف تكون البداية لتسويق هذه النوعية من المحطات للدول التي تتطلع لاستخدام الطاقة النووية، وتتناسب امكاناتها وظروفها مع فكرة المحطة العائمة. وبالمقابل؛ فان هذا التطور في الاستخدام السلمي للطاقة النووية سوف يفتح ابوابا واسعة لاعتراض الهيئات المدافعة عن البيئة، خاصة ما يتعلق بالحفاظ علي سلامة وأمن البحار والمحيطات. واذا تبنت دول اخري صاحبة باع طويل في بناء المحطات النووية الفكرة الروسية، فسيكون من شأن ذلك صياغة استراتيچيات جديدة تركز علي معايير التشغيل والعمليات الملائمة، وتحديدا اشتراطات السلامة والامن، لان وقوع حوادث تسرب نووي من تلك المحطات يحمل في طياته مخاطر ابشع. في ذات السياق؛ يمكن تصور نموذج جديد للدول التي لا تملك برامج نووية سلمية لانتاج الطاقة، وكانت الفكرة تلقي معارضة داخلية نابعة من تخوفات تتعلق بادارة ودفن النفايات، فقد تجد في المحطة النووية العائمة البديل المناسب، ومن ثم فان طريقها النووي يصبح ممهدا. المبادرة الروسية تفتح السبيل- أيضا- امام امكانية التوسع في استخدام الطاقة النووية عبر تبني خطط بعيدة المدي تكفل امداد المحطات المتزايدة الاعداد بما يلزمها من الموارد طوال دوراتها التشغيلية، وخلال جميع مراحلها. ولعل التوسع في انتاج الكهرباء بالطاقة النووية وخفض التكلفة السعرية، يفتح شهية دول ترددت في تبني هذا الخيار، ومن ثم يدفع المنتجين للمحطات النووية الي رفع معدلات انتاجهم، خاصة اذا نجحت تجربة المحطة العائمة التي اطلقتها روسيا. غير ان طموحات من هذا النوع تتطلب تشكيل آليات للرقابة الفعالة علي المستوي الوطني والدولي لمراقبة معايير التنظيم واجراءات السلامة، لان خروج الامر عن السيطرة يعني ان الكارثة سوف تسري عبر المياه علي مساحات هائلة، حيث لا اعتراف بالحدود بين الدول حين ينطلق المارد من عقاله.