طاقة والأنشطة الاقتصادية هما وجهان لنفس العملة, ولقد بني الاقتصاد الصناعي علي طاقة الكربون المستمدة من المخزون الجيولوجي للفحم والبترول والغاز والذي تراكم في جوف الأرض علي مدار ملايين السنين فعلاوة علي البترول المصدر الرئيسي للطاقة اليوم فإن26% من احتياجات العالم تتولد من الفحم و24% من الغاز الطبيعي, وتبدو صورة المستقبل قاتمة بالنسبة لاستخدامات هذه الموارد الهيدروكاربونية الناضبة, فمن المنتظر أن يرتفع الطلب العالمي للكهرباء في عام2020 الي مرة ونصف المرة عن ما هو عليه اليوم والي الضعف في عام2035. فالاستهلاك العالمي ينمو بنسبة2% سنويا طبقا للمرصد الجيولوجي الأمريكي ليصل الي الذروة الحرجة في حدود عام2030 حيث إن الاحتياطي من مخزون البترول المستكشف مضافا الي غير المستكشف حوالي900 مليار برميل يصل الي اجمالي2.6 تريليون برميل, ويستهلك العالم منذ1995 قرابة24 مليار برميل سنويا بينما لا يزيد الاستكشاف السنوي عن9.6 مليار برميل وذلك رغم التطور التقني للمعدات التي امكنها الوصول الي10 أميال تحت الأرض وتعمل في كل الاتجاهات لرصد البترول والغاز الكترونيا. وتضاف الي صورة العجز في موارد الطاقة التقليدية أبعاد زيادة السكان وارتفاع مستوي المعيشة, فالأمم المتحدة تقدر سكان العالم ب9 مليارات نسمة في2053 مقابل6.7 مليار اليوم, كما أن استهلاك الفرد للطاقة يتزايد في الدول الصاعدة اقتصاديا مثل الصين والتي مازال متوسط استهلاك الفرد للطاقة بها يمثل أقل من عشر المتوسط في الولاياتالمتحدة, وعليه تتوقع الوكالة الدولية للطاقة دخول العالم حقبة فقر الطاقة ليصل المحرومون من الكهرباء في عام2030 الي1.4 مليار نسمة, وعلاوة علي عجز الموارد التقليدية وزيادة السكان والاستهلاك فهناك بالطبع إشكالية التغير المناخي نتيجة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والتي تشكل وسائل النقل بالسيارات ثلث كميته فاحتراق كل جالون بنزين يطلق ثلاثة كيلو جرامات من الكربون في الهواء ويصل متوسط نصيب كل أمريكي علي سبيل المثال الي واحد طن سنويا لمجرد استخدام سيارته, بالتالي زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو لتصل الي384 جزءا في المليون مقابل280 خلال ال10000 سنة الماضية, ويعتبر رقم550 جزءا في المليون هو حد الخطر علي كل الكائنات الحية علي سطح الأرض. وخلال القرن العشرين زادت حرارة الجو بمعدل ثلاث درجات فهرنهايت ويتوقع أن تصل الي7 درجات في عام2050 مما أدي الي ارتفاع مستوي مياه البحر, ولقد بلغت خسارة الاقتصاد العالمي من الفاقد الزراعي والتصحر والفيضانات قرابة265 مليار دولار سنويا و300 مليار دولار أخري سنويا نتيجة زيادة الملوحة في المياه الجوفية الصالحة للزراعة والشرب, ولقد جاء بروتوكول كيوتو بعد عدة مؤتمرات حول المناخ أولها مؤتمر ريودي جانيرو عام1992 ليضع بعض القواعد والإجراءات لمواجهة ظاهرة التغير المناخي إلا أن إحجام دول كبري مثل الولاياتالمتحدة عن التوقيع علي البروتوكول وقصور المقترحات في معالجة جذرية لاقتصاد الطاقة الذي يعتمد حاليا علي بنية أساسية عالمية من محطات وشبكات للوقود المستخرج من الأرض تقدر ب10 تريليونات دولار جعلت الاتفاق هشا مما دعا الدول وتحت ضغط من المجتمع المدني الي الحوار حول مشروع كيوتو2, ومما لا شك فيه فإن التغير المناخي أصبح المحرك الرئيسي لإرساء وبلورة اقتصاد جديد للطاقة. ولقد عقد مجلس الاستخبارات الوطنية وهو أحد مراكز الأبحاث الحكومية في الولاياتالمتحدة منتديا تحت عنوان جيوبوليتكا الطاقة في عام2015 تمخض عنه أربعة سيناريوهات, الأول متفائل نتيجة سياسات لتخفيض الطلب العالمي علي البترول الي13 مليار برميل سنويا. والثاني متفائل أيضا بإحداث نقلة نوعية في تكنولوجيات الطاقة المتجددة من رياح وشمس وخلايا وقود هيدروجينية مع ارتفاع كفاءة استخدام الوقود التقليدي, والثالث متشائم حيث لا يلبي العرض الطلب عند عام2035. والرابع قاتم أيضا في حالة اندلاع حروب واضطرابات في الشرق الأوسط. وهكذا فإن العالم مشغول بشريان حياة الحضارة, مدركا أن التحدي في القرن الحادي والعشرين يتمثل في تلبية الطلب الضخم والمتزايد علي الطاقة مع إنتاج واستخدام متناقص في نفس الوقت لطاقة الكربون, ويضع الخبراء والساسة خططا متعددة لاستراتيجيات انتقالية بين الوضع الخطر القائم وبين المستهدف البعيد من طاقة نظيفة منها: استخدام أكبر للغاز الطبيعي والأقل تلوثا من البترول. غير أن اقتصادا عالميا مبنيا علي الغاز يصطدم بتكلفة عالية لنقل الغاز المسيل. رفع كفاءة1600 محطة في العالم لتوليد الكهرباء من الفحم من40% الي60% وتبديل1400 محطة أخري للعمل بالغاز الطبيعي رفع نصيب الطاقة النووية الي الضعف. زيادة700 ضعف في الطاقة الشمسية. زيادة40 ضعفا في طاقة الرياح. إيقاف قطع اشجار الغابات. رفع كفاءة استخدام2 مليار سيارة لتصل الي60 ميلا للجالون بدلا من المتوسط الحالي وهو30 ميلا للجالون وتشغيل السيارات بالوقود الحيوي والميثانول المتولد من مخلفات عضوية بدلا من الإيثانول, وزيادة نسبة السيارات المهجنة( محرك كهرباء مع محرك ديزل أو غاز). تخفيض استهلاك الكهرباء في المنازل والمكاتب والمتاجر بنسبة25% نتيجة الارتقاء بمواصفات البناء والعزل وأجهزة التكييف من خلال الشبكات الذكية لنقل الكهرباء. تحويل وسائل النقل العام الي الكهرباء. تطبيق ضريبة كربون من5 الي10 دولارات علي كل طن وقود تقليدي تتزايد تدريجيا لتصل الي100 دولار خلال عقدين. وتعتمد المرحلة الانتقالية كما اسلفنا علي عناصر كفاءة استخدام الطاقة التقليدية وتكثيف البحث والتطوير في مجالات استخدام الطاقة النظيفة المتولدة من عناصر فوق الارض المتجددة بخلاف عناصر ما تحت الأرض الناضبة , وذلك تمهيدا لنظام عالمي جديد للطاقة علي المدي الطويل مرتكزا علي تطور التكنولوجيات الجديدة للوقود من الهيدروجين والرياح والشمس والمد والجزر والمخلفات العضوية والزراعية, ولعل أهمها علي الإطلاق خلايا الهيدروجين ولقد بدأ بالفعل استخدام تعبير اقتصاد الهيدروجين لوصف وقود المستقبل كبديل لاقتصاد الكربون, وخلايا الهيدروجين هي نوع من البطاريات تخلط الهيدروجين مع الاكسجين لتوليد تيار كهربائي, ويشكل عنصر الهيدروجين75% من كتلة الكون ولكن يصعب وجوده في حالة نقية نتيجة تفاعله بشكل قوي مع العناصر الاخري في الطبيعة مع الاكسجين لتكوين الماء ومع النيتروجين لتوليد الأمونيا مثلا وكما أن جميع الهيدروكربونات( فحم/ بترول/ غاز) مشكلة أيضا من عنصر الهيدروجين متحدا مع الكربون, ومن المعروف أن الهيدروجين يمكنه تخزين الطاقة لفترات طويلة, وتتم صناعة خلايا وقود الهيدروجين بكل الاحجام من بطاريات للمحمول الي بطاريات للسيارات وللمباني والمنازل. وتقوم شركات السيارات العالمية بمبادرات عديدة لانتاج خلايا الوقود, فلقد رصدت شركة فورد بمشاركة شركة ديملر مليار دولار لمشروع الخلايا ونفس التوجه تبنته شركات جنرال موتورز وتويوتا وهوندا ونيسان, ولقد انتجت شركة ديملر أول سيارة تعمل بالوقود الخلوي نموذج2NECAR2 وتتسع لستة اشخاص وتصل سرعتها القصوي الي70 ميلا في الساعة وتشحن كل150 ميلا, وستسمح هذه التكنولوجيا باستقلالية الطاقة لكل مبني ومنزل من حيث توليد واستخدام الكهرباء حيث يمكن لكل وحدة سكنية تخزين وقود الهيدروجين وتبادل الكهرباء أخذا وعطاء مع الشبكة العامة الموحدة وكل ذلك يتم الكترونيا من خلال الحاسبات الآلية. أما الطاقة النووية فتواجه باعتراضات قوية من المجتمع المدني في الدول المتقدمة والتي لم تقم ببناء أية مفاعلات خلال السنوات العشرين الماضية, وفرنسا هي الدولة الوحيدة التي تتوافر لها50% من احتياجاتها للكهرباء من الطاقة النووية والتي رأي الجنرال ديجول بنظرته الاستراتيجية طويلة المدي أن استقلال القرار السياسي في فرنسا وبالذات عن الولاياتالمتحدة سيتحقق من خلال تملكها لمصادر الطاقة, والطاقة النووية الهائلة التي تتولد من الاندماج النووي وليس الانشطار النووي كما هو الحال الآن مقدر لها مالايقل عن مائة عام لتصبح حقيقة علي ارض الواقع العملي, وتمثل الطاقات المتجددة المتولدة من الشمس والرياح والبيوماس والمد والجزر للبحار8% من اجمالي الطاقة في عالم اليوم يذهب نصيب الأسد7% الي طاقة المساقط المائية( السد العالي علي سبيل المثال) مقابل1% فقط للطاقة الشمسية وطاقة الرياح, ويمكن لتكنولوجيا الطاقة الشمسية توفير28 تيراوات من الطاقة النظيفة بحلول عام2050, ولكن مازالت تكلفة الكيلووات من هذه الطاقة تصل الي14 ضعف الطاقة المتولدة من الفحم وثلاثة أضعاف الغاز الطبيعي, وكما أن الخلايا الشمسية مازالت في حاجة الي تطوير تقني لرفع كفاءتها. وإذا أمكن التوصل الي توليد الطاقة من الشمس بسعر8 سنتات للكيلووات ساعة وهذا ماتصبو اليه كل البرامج الحالية فإن الطاقة الشمسية ستكون منافسا قويا للغاز وبالذات في مصر ومنطقة الشرق الاوسط. وتعتبر مدينة فرايبورج أول مدينة شمسية علي مستوي العالم حيث تأتي معظم طاقتها من الخلايا الشمسية علي أسطح المنازل ومن خلال محطة حلزونية عالية التكنولوجيا تدور مع اتجاهات الشمس لتوليد الكهرباء, والمانيا رائدة في هذا المجال, وأما بالنسبة لطاقة الرياح فهي واعدة في المدي القصير, فبمجرد وصول سرعة الرياح إلي7 أميال في الساعة يدور المحرك وريش المراوح وعند سرعة30 ميلا في الساعة يتمكن كل توربين من توليد660 كيلووات تكفي لإضاءة300 منزل, وتولد أوروبا7000 ميجاوات من طاقة الرياح تغذي3,9 مليون منزل, وتتميز الطاقة المولدة من الرياح بانعدام كامل لسعر الوقود وأية أنواع من الانبعاثات إلا أن التكلفة الرأسمالية تشكل حجر الزاوية في جدوي حقول الرياح. أي طريق ستسلكه مصر؟ إن مستقبل التنمية وتنافسية مصر علي المستوي الدولي يعتمدان علي استراتيجية طويلة ومتوسطة المدي للطاقة وبلورة هذه الاستراتيجية ليست مسئولية وزارة أو جهة بمفردها بل هي نتاج لجهد جماعي, بتنسيق من المجلس الاعلي للطاقة وتشارك فيه الوزارات المعنية مثل الطاقة والكهرباء والبترول والصناعة والتنمية الاقتصادية والتنمية المحلية والاستثمار والتعليم العالي والبحث العلمي والانتاج الحربي والاسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة والعمل والمالية, ويدلي خبراء الجامعات وهيئة الطاقة المتجددة ومراكز الابحاث بدلوهم فيها, وعلي أن تناقش هذه الاستراتيجية في وسائل الاعلام ومنظمات الاعمال والمجتمع المدني تمهيدا لعرضها علي مجلسي الشوري والشعب لإقرارها كمشروع اقتصادي قومي لبناء دولة ما بعد عصر مشتقات الكربون, وحسنا فعلت الحكومة ببرنامج المحطات النووية وتوليد الطاقة من الرياح في الزعفرانة ولكن المطلوب الآن هو نصيب واضح لكل التكنولوجيات الجديدة لتوليد الطاقة في كعكة الاقتصاد المصري.