هل من المنطقي أن تعيش مصر في أجواء الانتخابات البرلمانية المقبلة، بما تحويه من مشكلات ومتاعب وأزمات، لمدة ستة أشهر كاملة، من أكتوبر الحالي وحتي مارس 2012، وهي في هذه الحالة السيئة من ضعف الإنتاج القومي وزيادة حالة الفوضي وكثرة الإضرابات والمطالب الفئوية وانهيار الأمن؟ وهل هناك صعوبة في إجراء حوار صريح مع الشعب وقواه الوطنية والسياسية، فيما يتعلق باستحقاقات المرحلة الحالية، وصولا إلي التوافق علي خطوط وبرنامج المرحلة المقبلة، حتي يتسلم المدنيون الحكم، وتعود الأمور إلي طبيعتها؟ لماذا تزداد المرحلة الانتقالية بدون سبب وجيه أو حوار مع الشعب؟ كما أن اللهجة التي تحدث بها أعضاء من المجلس العسكري في الأسبوع الماضي خلت من أي حكمة، وظهر فيها لأول مرة أسلوب التهديد والاستبداد والاستخفاف بإرادة الشعب. إن هذا الأسلوب في التعامل مع الشعب، الذي قام بثورة رائعة ضد الاستبداد والفساد والتهميش، ينطوي علي مخاطر جسيمة، ويفتح الباب أمام استمرار حالة عدم الاستقرار والفوضي، وهي نفس الأسباب التي ثار عليها المصريون الشرفاء ضد النظام السابق، كما أن إصدار الإعلان الدستوري الأخير، الذي خلا من أي توافق وطني واضح، وصدر سريا قبيل إعلانه علي الملأ، يوحي بأن هناك أمورا رتبت بليل، يخشي البعض من عواقبها الوخيمة، فهل هذا الانطباع صحيح؟ ثم ما هي المشكلة في الاستجابة للإجماع الوطني بضرورة إلغاء حالة الطوارئ قبيل إجراء الانتخابات ليطمئن الجميع أنه لن يستخدم لأسباب سياسية؟ لماذا يصر البعض علي عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب؟ ولماذا نخالف الإعلان الدستوري الذي صدر في مارس الماضي بنص صريح ينهي حالة الطوارئ في سبتمبر؟ إن أزمة العهد البائد أنه كان يفتقد الرؤية الاستراتيجية، ويتجاهل اتخاذ القرار في الوقت المناسب حتي يضج الناس، فهل نسير الآن علي نفس المنوال؟! إن المدة التي ألزم المجلس العسكري نفسه بها كانت ستة أشهر لتسليم السلطة إلي حكومة منتخبة، وهذه المدة انتهت في الثالث عشر من أغسطس الماضي، والآن تسير الأمور باتجاه استمرار الحكم العسكري لمدة عامين أو أكثر، فإذا انتهت انتخابات الشوري في مارس، فربما تجتمع لجنة الدستور في أبريل، وربما يتعلل البعض بضرورة تحديد اختصاصات الرئيس وطبيعة النظام السياسي قبيل إجراء انتخابات الرئاسة، إذن الأمور مرشحة كي تمتد لنهاية العام القادم أو بداية 2013. إنني أدعو الحكومة والمجلس العسكري إلي إلغاء حالة الطوارئ فورا، واللجوء إلي القوانين الطبيعية لمواجهة أي أزمات أو خروج علي القانون، وإقرار إجراء انتخابات مجلس الشوري مع الشعب، لينتهي ذلك كله أوائل يناير المقبل، حيث تجتمع اللجنة المشتركة لإعداد الدستور الجديد، علي أن تنتهي إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية القادم في فبراير المقبل علي أقصي تقدير، ويعود الوطن من جديد إلي الاستقرار والإنتاج والأمن، ويعود الجيش إلي مهمته مشكورا مأجورا. وأطالب السادة أعضاء المجلس العسكري المحترمين بالاحتماء دائما بإرادة الشعب المصري الحر، ورفض كل وسائل وأساليب الضغوط الخارجية، والتعبير الصحيح والواضح عن آمال الثورة وطموحات الثوار، والتشاور الفاعل والإيجابي مع القوي السياسية والقيادات الوطنية فيما يخص المرحلة الحالية، واحترام رأي الأغلبية في ضرورة الإعلان عن مواعيد الاستحقاقات المقبلة، حتي يطمئن الناس إلي المستقبل، وتعود عجلة الإنتاج إلي الدوران من جديد، وتشرق شمس الحرية. أهلا بالانتخابات الحرة، التي تصنع مجدنا ونهضتنا، وتجسد حريتنا وكرامتنا، وتعيد هويتنا وأصالتنا، وتؤكد قدرتنا علي النهوض من جديد، ومهما اشتد ظلام الليل، فلا بد من طلوع الفجر.