آيات قرآنية عديدة تُظهر أن الله جعل النبوة إبان الفتاءة »وآتيناه الحُكم صبيا»، واتخذ خليله فتي »قالوا سمعنا فتي يذكرهم يُقال له إبراهيم»، وقال عن أهل الكهف: »إنهم فتية آمنوا بربهم»، واختار خير خلقه في الأربعين؛ كما أمَّر صلي الله عليه وسلم أسامة بن زيد علي قيادة الجيش وفيه شيخة الصحابة.. وبعد أيام ينطلق المؤتمر السنوي للشباب بمدينة السلام، شرم الشيخ، من 3-6 نوفمبر، ويشارك به 5 آلاف شاب وفتاة من بقاع الأرض ليُحقق مرادات الإسلام في التوافق الإنساني وتوعية تلك الفئة التي تقوم علي أكتافها الأمة: استلهام نبوي يؤكد د. عبد الراضي عبد المحسن، أستاذ الفلسفة الإسلامية، وعميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة، أنه ليس من التجاوز القول بأن مؤتمرات الشباب التي يدعو إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي وتُعقد بمدينة السلام، شرم الشيخ، هي أكثر أنماط حياتنا السياسية والاجتماعية والتربوية استلهاما واستجابة للتوجيهات النبوية الشريفة بشأن الشباب، كما أنها تسهم في التأكيد علي ريادة الوطن في الدور الإنساني، تلك التوجيهات المباشرة وغير المباشرة التي تخص الشباب بما يميزه عن سائر المجتمع بدءًا بالنداء الذي كان ينادي به صلي الله عليه وسلم الشباب (يا معشر الشباب) مرورًا بالتربية والتعليم الخاص بالشباب عندما كان يحرص صلي الله عليه وسلم علي الشرح والتوجيه لمعاذ بن جبل، وانتهاء بالتربية السياسية والعسكرية التي بمقتضاها جعل النبي صلي الله عليه وسلم قبل وفاته مباشرة أسامة بن زيد علي رأس الجيش، ذلك الجيش الذي أوفده أبو بكر الصديق محافظا علي أسامة قائدًا له. ويوضح د. عبد الراضي أنه عندما نتأمل تلك المؤتمرات الرئاسية للشباب نجدها تثمر نتائج ربما أكثر من المأمول توجيهًا وتثقيفا وتدريبا وتنمية وممارسة للعمل السياسي والفكري بما يتاح لأولئك الشباب من فرص إفادة وتلق وفرص تفكير وعمل جماعي وفردي، وفرص نادرة للحوار مع الأقران ومع الرواد علي حد سواء بما يعيد بناء الشخصية وكأنها ولدت من جديد، وبما يمنح القيادة فرصة الاختيار الدقيق بين الأجود والأميز من بين الشباب ليتولي مهام المسئولية حاضرا ومستقبلا. مشاركة فاعلة د. أسامة الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، يؤكد أن مشاركة الشباب الفاعلة في مجالات خدمة الوطن، خاصة العمل التّطوّعي تؤدي لزيادة عدد الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج؛ فأعمالهم هذه وطاقاتهم العقلية والبدنية- كلٌّ في تخصصه- هي سبب رئيسي في كلّ ما يدفع بنا نحو التقدّم والازدهار والاستقرار، فضلًا عن تعزيز مكانة الوطن والتأكيد علي دوره المحوري في المنطقة كلّها. ويضيف أن علينا توعية شبابنا بالدور الكبير الذي تقوم به قوّاتنا المسلّحة لحماية بلادنا والذود عن حياضها، ودمجهم في المؤتمرات والندواتِ التثقيفية التي تهدف لاتساع دائرة المعرفة من خلال طرح ثقافات متنوعة، ومن واجبنا استثارة العقل وتحفيزه عند الشباب لرسم استراتيجية جديدة وخطط مبتكرة لتحقيق التّقدم والتنمية والحِفاظ علي الهوية الوطنية وتحصين الشّباب عقليا وفكريا من خلال استعراض معالم تاريخنا العريق، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، واستدعاءِ البُطولات الماضية لمحاكاتها في الحاضر واستشراف صورها المتطورة في المستقبل. د. عبد الفتاح أحمد أبو كيلة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، يشير إلي أن الشباب هم سر نهضة الوطن، وأساس تنميته، وخطوط دفاعه الأولي، ولسانه الذي يرسخ لدبلوماسيته ويرفع مكانته بين الأمم، وما قامت الدولة في الإسلام واتسعت فتوحاتها إلا بجهود الشباب المسلم في كل المجالات، فقد كانوا سر نهضتها، وأساس تنميتها، وقواد جيوشها، ولسانها الذي يرسخ لدبلوماسيتها ويرفع مكانتها بين الأمم.. ولم يكن اختيار الشباب في الدولة الإسلامية يقوم علي العصبية أو المجاملات؛ بل كان اختيارا دقيقا بمواصفات خاصة، يقوم علي الكفاءة والقدرة علي إنجاز المهمات، فقد كان النبي- صلي الله عليه وسلم- يعدهم إعدادا جيدا، ويربيهم علي الثقة بالنفس والإصرار علي النصر وعلو الهمة والكرامة. فاختار مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ والذي كان فتي مكة الأول شبابا وجمالا ووسامة ومالا، وأرسله للمدينة المنورة؛ داعية ومعلما؛ فنجح نجاحا باهرا، وبعث مجموعة من الشباب كسفراء له بالخارج؛ لتبليغ دعوته ونشر رسالته، وحرص علي اختيارهم اختيارا دقيقا؛ لما يتحلون به من علم وفصاحة وشجاعة وصبر وحسن مظهر وتصرف.. ولقد سار كبار الصحابة علي نهج النبي- صلي الله عليه وسلم- حينما جعل أسامة بن زيد قائدا لجيش الردة وكان شابا صغيرا وكان في الجيش كبار الصحابة، فلما قُبض- صلي الله عليه وسلم- قبل أن يرسل الجيش، أرسله خليفته أبو بكر الصديق وودعه وهو ماش وَأُسَامَةُ رَاكِبٌ، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَتَرْكَبَنَّ أَوْ لَأَنْزِلَنَّ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا نَزَلْتَ وَلَا أَرْكَبُ، وَمَا عَلَيَّ أَنْ أُغَبِّرَ قَدَمَيَّ سَاعَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ! وذلك احتراما لأوامر النبي- صلي الله عليه وسلم- وتقديرًا لدور شباب المسلمين في الدفاع عن دينهم ووطنهم. تنمية المجتمع د. محمد محمود الجبة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، يقول إن الشباب يضطلع بمهمَّةٍ عظيمةٍ في تنميةِ المُجتمعات وبنائِها؛ وعليه عبءٌ ثقيلٌ في مدِّ جسور التعاون مع أولي الأمر لتطوير وتحسين ظروف المجتمع المحلي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والسعي لتكامل المجتمعات في واقع الأمة وجعلها قادرة علي الاشتراك في مسيرة التقدّم القومي، وما اضطلعوا بهذا الأمر إلا لأنهم ركائز أي أمة وأساس تطورها وإنمائها، وطاقاتهم هي القوة الهائلة التي ترفع الأمة وتحرِّكها وتجدد حياتها، وفُتوَّتُهم خطُّ دفاعها الأوَّلِ والأخيرِ، إذا استثمروا طاقاتهم ولم يكونوا عبئًا علي مجتمعاتهم.