بسهولة تعرف المتظاهرون علي انس الفقي وزير الإعلام السابق .. بالرغم من انه في سيارة جيب ويجلس بجوار السائق إلا إن وجهه المعروف لم يخطئه المتظاهرون والغاضبون في شارع رمسيس فصبوا جام غضبهم علي السيارة التي يركبها فتحطمت أجزاء منها وتكسر زجاجها .. ونجا الفقي بأعجوبة من الموت علي يد الثوار . كان كل المسئولين في مصر واقصد الوزراء غير قادرين علي السير في شوارع القاهرة وخاصة المناطق الملتهبة مثل ميدان التحرير وروافده وذلك أثناء الثورة .. والاستثناء الوحيد كان المشير طنطاوي وزير الدفاع الذي كان في قلب ميدان التحرير صباح يوم 29 يناير .. والتفت حوله الثوار والمتظاهرون وكانت رسالته وتحركاته في الشارع بأمان وثقة رسالة لم يدركها مبارك ونظامه إلا بعد أن سقطوا . وصل الفقي إلي مكتبة مبكرا صباح جمعة الغضب 28 يناير واستمر بعد ذلك في مكتبه الذي يحتوي غرفة نوم ملحقة به حتي غادره للمرة الاخيره يوم 10 فبراير ولم يترك المكتب طوال أيام الثورة إلا ليحلف اليمين في حكومة د.أحمد شفيق واجتماع مجلس الوزراء وأخيرا حينما توجه قبل التنحي إلي قصر العروبة . ولكنه لم يعد إلي المكتب مرة أخري .. في يوم 1 فبراير كانت هناك اتصالات مكثفة بين الفقي ورئاسة الجمهورية متمثلة في جمال مبارك وزكريا عزمي وصفوت الشريف والثلاثة كانوا في القصر الجمهوري بجانب مبارك بالإضافة إلي عمر سليمان .. وكان هناك حوار ممتد حول ضرورة إن يخرج مبارك ليتحدث إلي الشعب في الوقت الذي كانت هناك مقاومة من القصر لهذه الفكرة أو السيناريو بينما كان الفقي يدعم ضرورة خروج الرئيس ليتحدث إلي الشعب .. وبعد مداولات نجح الفقي في فرض رأيه وكان هناك خطاب قد أعده ألفقي وعبداللطيف المناوي يتضمن التعديلات السياسية التي سيطرحها مبارك علي الشعب وكذلك أضيف إليها الجانب الإنساني الذي بسببه تعاطف فيما بعد الجميع مع مبارك .. لولا موقعة الجمل التي وقعت اليوم التالي وأنهت ما حققه الخطاب من نجاح . حينما تأكد الفقي انه تم الاتفاق علي إلقاء الخطاب قرر أن يتوجه إلي قصر العروبة ليكون بجانب الرئيس أثناء إلقائه الخطاب - وارتدي الفقي بدلته الرمادية حيث كان قد اعتاد علي إن تكون بدله من ألوان ثلاثة الرمادي والكحلي والأسود - مثل جمال مبارك وأحمد عز والسبب في ذلك هو تثبيت رؤية ذهنية عنهم لدي المتلقي . المهم تحرك الفقي من مكتبه في اتجاه قصر العروبة واستخدم سيارة جيب شيروكي .. جلس بجوار السائق وجلس حارسه في المقعد الخلفي .. وسلكوا خط سير في اتجاه ميدان رمسيس نحو مصر الجديدة .. كان الطريق مليئا بالثوار والمتظاهرين والسيارة تقطع مسافة السير في بطء شديد .. وهو ما جعل المتظاهرين ينظرون لمن يدخل السيارة وقبل إن يصل الفقي إلي نقابة المحامين بشارع رمسيس وكان المتظاهرون قد عرفوا انه بداخل السيارة وبدأوا في تحطيم الزجاج الذي يجلس بجانبه الفقي وكذلك الخلفي والأمامي.. فأمر الوزير السابق السائق بأن يعبر الرصيف ويسير في عكس الاتجاه عائدا نحو التليفزيون ودون أن يصاب احد من المتظاهرين وماهي إلا ثوان حتي عاد الفقي إلي مكتبه دون إن يتمكن من الذهاب إلي قصر العروبة . رؤية الفقي لما حدث أعطته اصرارا أكثر في ضرورة إن يتحدث مبارك للشعب .. وعندما عاد إلي مكتبه بدأ في متابعة ما يحدث في قصر العروبة . وعند ما استشعر الوقت يمر وان هناك محاولة من جانب الشريف وعزمي لان يغيرا فيما كتبه هو والمناوي .. قال لهم مهددا انه إذا لم يقل مبارك الخطاب كما هو سيخلع الافرول الذي يرتديه ويتقدم باستقالته وكان يقصد بالأفرول أنهم كمجموعة يخوضون معركة البقاء والاحتفاظ بالسلطة في مواجهة الثوار.. ونجح بعد عدد من المكالمات التي شهدت انفعالا من جانبه علي من يتحدث معه في أن يخرج مبارك ليتحدث للشعب في خطاب إنساني تجاوب معه الشعب ولكن أفسده من قاموا بموقعة الجمل . ونجا الفقي من الموت المحقق في هذا اليوم .. ونجح الثوار في منع الفقي من الوصول إلي مبارك.