ظل مبارك يحكمنا طوال ثلاثين عاما وعندما حاكمناه قررنا محاسبته علي مافعله في يوم واحد فقط هو 28يناير (جمعة الغضب) عندما أصدر أوامره بقتل المتظاهرين تلك التهمة التي ينفيها لكنه نسي أنه وإن نفي أنه صاحب قرار اطلاق النار علي المتظاهرين لكنه لم يفعل شيئا عندما علم بقتل أبناء شعبه برصاص قوات الأمن.. وتلك تهمة ثانية اذا حاول أن يفلت من الأولي.. ويقول أهل القانون أن ثبوت تلك الاتهامات بحق مبارك كفيلة بتحويل رقبته الي عشماوي..تخيل..هذه عقوبة يوم عمل واحد فقط..مارس فيه مبارك صلاحياته الرئاسية..فما ظنك بثلاثين عاما كاملة حكمنا فيها مبارك. مازلت أعجب ممن لايزالون يتعاطفون مع مبارك رغم ماعرفناه من حجم الفساد الكبير الذي جري في عهده وهو الرئيس الذي لم يحترم مصر أو شعبها يوما ما.. فهو الذي ذهب وأسرته الي ستاد القاهرة ليحتفل مع منتخب كرة القدم بينما 1300 من مواطنيه يصارعون الموت وأسماك القرش وبرودة البحر بعد غرق العبارة السلام 98 ..تلك العبارة التي سهل نظامه لصاحبها فرصة الهروب الي لندن.. (كتبت أوائل العام الماضي عن تلك الواقعة وعلاقة زكريا عزمي بها فوجدته -الأخير- يتصل بي معلقا علي ماكتبته ومعترفا لي بأن ممدوح اسماعيل صديقه وأنه بدافع الصداقة وجبت عليه مساعدته.. وعندما ذكرته بحيثيته كنائب عن الأمة ولايليق به مساعدة قاتل..فقال لي: لو أنت صديقي هأعمل كده برضه..ما اتحدث عنه كان أحد أركان نظام مبارك الذين زينوا له كل عمل يحط من شأن مصر وقامة المصريين).. هؤلاء المصريون الذين لم يقدم مبارك لهم يوما مايدعم مصالحهم..فعندما كانت النعوش الطائرة تحمل جثثهم يوميا من بغداد الي القاهرة عام 88.. في تلك الأثناء طلب وزير الدفاع وقتها المشير أبوغزالة ضرورة أن يتخذ موقفا قويا ضد صدام وأفعاله فما كان من مبارك الا أن رد عليه قائلا:وايه اللي خلاهم يسافروا العراق. مبارك الذي يتعاطف معه نفر قليل اليوم وهو الذي لم يسع لرفع الظلم عن مصري داخل مصر أو خارجها كما أنه لم يفكر يوما واحدا لرفع قامة مصر عالية.. ربما كان ذلك بسبب طبيعته الشخصيه وتكوينه الثقافي شديد التواضع فالرجل وطوال ثلاثين عاما لم نضبطه يوما ما في حوار صحفي أو تليفزيوني مستشهدا في حديثه بمقولة علقت بذاكرته لروائي مصري أو أجنبي أو جملة استوقفته لمفكر اجنبي أو حتي بحديث نبوي..فنحن أمام رجل لم يقرأ يوما سطرا واحدا في كتاب لكن أقدارنا أنه حكمنا طوال ثلاثة عقود ليصبح ثالث أطول حكام مصر خلال تاريخها الممتد الي مايزيد علي خمسة آلاف سنة. نعم تجري محاكمة مبارك اليوم علي مافعله في يوم واحد لكن ماذا عن بقية أيام حكمه الممتدة -عشرة آلاف يوم- وعن قراراته التي جعلت مصر متخلفة عن بقية دول العالم.. من يقتص للمصريين الذين اهينوا ونكل بهم في عهده في الدول العربية وسكت عن إهانتهم وضربهم. مبارك الذي كان يختار أسوأ الشخصيات غالبا كي يتولوا المواقع القيادية داخل البلاد كوزراء ومحافظين ورؤساء جامعات وشركات فصدرت قراراتهم ضد صالح هذا الوطن..فكان التردي في التعليم الذي أصبح حقلا للتجارب رغم أني وملايين غيروا قد تمتعوا بالتعليم الحكومي الذي جري تدميره وتخريبه في عهد مبارك عندما جري اسناد ملفه الي غير أهله..مبارك الذي أفسد صحة المصريين فتكالبت عليهم الأمراض بشراستها بمعدلات مرتفعة تزيد علي بقية دول المنطقة وليس دول العالم. مبارك الذي تستر علي وزير زراعته يوسف والي الذي دمر مزروعاتنا وصحتنا بالمبيدات المسرطنة..مصر أقدم دولة في العالم التي علمت الجميع كيف يزرعون جري تقزيمها كي تستقدم خبراء زراعة من دولة عمرها أربعة عقود كي يعلمونا كيف نزرع.. ورغم ذلك لم تحقق مصر في عهده اكتفاء في منتج زراعي واحد. فهل سيقوم لدولة أي كيان وقوام بعد تخريب التعليم والصحة والزراعة بها.. كل ذلك كان يجري تحت سمع وبصر الرئيس السابق..دون أن يسعي لإيقاف هذا الخراب بل زاد عليه بالفساد الأكبر وهو بيع ثروات البلاد المتمثلة في مصانع وشركات القطاع العام .. هذا القطاع جري تجريفه وتخريبه وبيعه بأبخس الأثمان للعصابة الملتفة حوله وللصوص الدوليين مقابل رشاوي سوف تكشف عنها محاكمات عاطف عبيد وجمال مبارك..عندما جري تسريح عشرات الآلاف من العمالة المصرية تحت وهم اسمه المعاش المبكر فكان الخراب المبكر. نعم نحاسبه الآن عن يوم واحد من حكمه..فماذا عن بقية سنين حكمه الطويلة التي جعلتنا في ذيل الأمم..ثم من يعوض مصر والمصريين عما وصل اليه حال البلاد والعباد. لقد حكم الشعب علي مبارك وعصابته بالخزي والعار وخير له أن يصدر بحقه حكم بالإعدام في قضية قتل المتظاهرين بدلا من اتهامه بالرشوة في قضية الغاز وفيلات شرم الشيخ.. ما أسوأها من نهاية لقائد عسكري وقف في الميدان يوما مدافعا عن وطنه، لكنه عندما حكمه جري تقزيمه علي يديه.. فهل يعتذر عن جرائمه؟.