لا جدال أن التطورات المأساوية التي تشهدها مصر التي قامت بثورة كان المفروض ان تُحتذي بعد ان بهرت الجميع بثوبها الابيض وحضاريتها التي صاحبت بدايتها. لقد اصابت الاحداث الاخيرة العالم بصدمة كبيرة. انه واذا كان قد رحب وساندها بعد اندلاعها باعتبارها اضافة كبيرة للدول الحرة والديمقراطية وفقا للمباديء التي تبنتها الا ان هذه المواقف قد تغيرت تماما. لقد بدأت سياسة الترقب والحذر بعد العمليات المنظمة لخطف هذه الثورة وركوب موجتها من قوي ظلت في جحور القهر طوال سنوات النظام السابق نتيجة سياساتها ومخططاتها القائمة علي العنف.. الغريب في الامر ان هذه القوي لم يكن لها أي دور في اشعال فتيل الثورة وانها لم تظهر علي الساحة إلا بعد أيام من قيامها والتأكد من نجاحها. نعم لقد كان العالم متحمسا وجاهزاً بالمبادرات التي تستهدف دعم هذه الثورة بتقوية وضع مصر الاقتصادي من خلال المساعدات والتسهيلات واسقاط الديون. بعد كل ما جري ويجري نجد هذا العالم قد غيّر من اسلوب تعامله واتسمت مواقفه مع مصر بعدم التفاؤل. تجسد ذلك في تصريحات وزير الخارجية البريطاني المنشورة بالصحف امس الاول. يبدو انهم قد نفضوا ايديهم عن مصر نتيجة ما تشهده الساحة المصرية من تطورات سياسية غير واضحة المعالم. انهم بدأوا ينظرون بريبة الي هذه الفوضي السياسية وهو ما سوف يقود البلاد الي مزيد من المشاكل والنكسات. بالطبع فقد وجدت القوي الخارجية التي لا تخفي عداءها لمصر فرصتها في تعظيم جهودها ونشاطها الذي يستهدف صب الزيت علي النيران حتي تزداد الامور اشتعالا ودمارا. انها تعمل علي تحويل مصر إلي بؤرة خلافات وصدامات وفوضي وعدم استقرار وتأجيج للصراعات لخدمة مصالحهم. أليس غريبا ومثيرا ان تتحول ثورة 52 يناير البيضاء العظيمة التي كانت تمثل انتصارا لكل شعب مصر لصالح قوي بعينها لتفقد بذلك بريقها وما حققته من انبهار للعالم. أليس مثيرا ان تتحول مظاهرات وتجمعات ما يسمي بالمليونيات الي بيزنس لتدبير الانقلابات علي ارادة الوحدة والتوحد التي دعا اليها الشعب المصري بجميع اطيافه وانهاء الانقسام والفوضي وعدم الاستقرار. لقد كان المشهد يوم الجمعة غريبا تماما وعلي غير ما كان تتوقعه جموع الشعب التواقة الي الامن والاستقرار والتفرغ للعمل وبناء الدولة. بعد ان ترددت الانباء عن عدم مشاركة التيارات الاسلامية في المظاهرة وتحفظاتهم علي مطالبها والتي حاولوا ان يغلفوها بأنها تستهدف العداء للمجلس العسكري. لقد زعموا وادعوا انهم مع المجلس العسكري بينما الحقيقة غير ذلك وان ما يدّعون اليه هو مسألة مرحلية تشبه تماما ما حدث يوم الجمعة من خديعة كبري.. ان كل هدفهم الوصول الي السلطة والبداية بالطبع هي تحييد المجلس العسكري حتي تحين فرصة الانقضاض وانهاء مهمته والقفز علي السلطة رغما عن رأي الاغلبية والانتخابات وثورة 52 يناير. لقد كان المفروض ان تكون الخطوة التالية لسقوط النظام السابق هو شحذ الهمم والعزائم لبدء عملية اعادة بناء هذا الوطن الذي يتسع لجميع الاطياف والاستفادة من كل امكاناته التي توافرت علي مدي سنين وسنين من الكفاح والنضال والاجتهاد والعمل. وبما يؤدي الي تحقيق النهضة المأمولة. ألست علي حق ومعي عشرات الملايين من ابناء هذا الوطن الذي وللاسف يمكن اعتبارهم مسئولين عما يحدث بعد ان اختاروا صفوف المتفرجين السلبيين. هنا اقول ان الوقت قد حان للتخلي عن هذا الموقف القائم علي التحسر علي ما يجري والا نكتفي بالقول يا خسارة ويا ألف خسارة علي ما قادت اليه تطورات ثورة مصر العظيمة.. هل ضاع الحلم حقا؟.