قائد ثورة يوليو بين الجماهير أمس دخلت ثورة 32 يوليو عامها الستين، وغدا تكمل ثورة 52 يناير شهرها السادس. الثورة الأم قامت بها نخبة من رجال الجيش وأيدها الشعب، والثورة الوليدة قام بها الشعب كله ورعاها الجيش. عظمة ثورة يوليو أن قائدها كان جمال عبدالناصر وعظمة ثورة يناير أنها بلا قائد، فلم يعد هناك جمال عبدالناصر! خاضت ثورة يوليو معارك ضارية، وجابهت تحديات جسيمة، وتعرضت لتهديدات هائلة، نجحت وفشلت انتصرت وانهزمت، تقدمت وارتدت، لكنها في أشد أوقات الجزر والردة ظلت في قلوب الملايين ذكري نابضة تلهم كل من ينشد إعلاء الكرامة الوطنية وبقيت أملا يهدي الباحثين عن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
ليس بين ثورتي يوليو ويناير صدام ولا خصام ولا منافسة، ولا يجب أن يكون. فما قامت ثورة يناير لتمسح ذكري ثورة يوليو، بل جاءت تحيي أهدافها التي اجتمعت عليها إرادة المصريين قبل 95 عاما مضت، ولابد أن تجتمع عليها إرادة أي شعب حر في كل حين ومكان. بل ان ثورة يناير انفجرت حينما أراد نظام مبارك أن يلغي آخر ما تبقي من ثورة يوليو وهو النظام الجمهوري. كانت الجماهير تغلي غضبا، بعد أن عادت مصر لتكون مجتمع النصف في المائة. بعد أن رجع الإقطاع الاقتصادي والسياسي في أبشع صوره، بعد أن سيطر رأس المال علي الحكم واستولي علي السلطة، بعد أن صار الاستبداد شريعة والقمع عقيدة والفساد دينا للحكم، بعد أن بات القرار الوطني مرهونا والكرامة الوطنية مهدرة وإرادة الشعب مزورة. كان المرجل يغلي ثم انفجر انفجارا مدويا حينما قرر الحاكم أن يورث الحكم لابنه وكأن البلد قطعة أثاث والناس قطيع دواب!
احتاجت ثورة يوليو ثلاثة أيام كي تطرد الملك فاروق من الحكم ومن البلاد، و561 يوما كي تعلن الإصلاح الزراعي، وعشرة شهور كي تضع قانون الغدر للشروع في محاكمة الذين أفسدوا الحياة السياسية، وأحد عشر شهرا كي تلغي النظام الملكي وتعلن الجمهورية، وثلاث سنوات كي تبدأ أولي مراحل بناء جيش وطني قوي بإبرام صفقة الأسلحة التشيكية. احتاجت ثورة يوليو ثماني سنوات كي تدشن أهم مشروعاتها القومية وهو السد العالي، وتسع سنوات لتعلن التحول باقتصاد البلاد إلي النظام الاشتراكي.
بينما احتاجت ثورة 52 يناير ثمانية عشر يوما لتطيح برأس النظام، وفي غضون 061 يوما تلتها، تم حل مجلسي الشعب والشوري وحل الحزب الوطني، وحل المجالس المحلية وجرت التحقيقات بمعرفة النيابة العامة وقضاة التحقيق وجهاز الكسب غير المشروع مع رموز النظام واركان الحكم السابق في جرائم التربح والإثراء الحرام واهدار المال العام وقتل الثوار والتحريض علي قتلهم، وأمرت جهات التحقيق بحبس الرئيس السابق وأعوانه، وجري إيداع ابنيه في سجن مزرعة طرة مع رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشوري وعدد من أقطاب الحزب الحاكم المنحل ووزراء الحكومة علي ذمة قضايا مختلفة. وصدرت أحكام بحق رئيس الوزراء ووزراء الداخلية والمالية والتجارة والإسكان والسياحة في بعض قضايا الفساد وأحيلت إلي محكمة الجنايات قضايا أخري أهمها قضايا قتل المتظاهرين وموقعة الجمل، تصل عقوبة المتهمين فيها إلي الإعدام، وأقربها إلي التداول بعد عشرة أيام، هي القضية المتهم فيها الرئيس المخلوع ووزير داخليته و6 من مساعدي الوزير بإصدار اوامر بقتل الثوار. وقبل مضي ستة اشهر علي قيام ثورة يناير.. قررت حكومة الثورة تفعيل قانون الغدر الذي أصدرته ثورة يوليو لمحاكمة من أفسدوا الحياة السياسية، وستجري تعديلات علي القانون خلال أيام، تحدد النطاق الزمني الذي تشمله جرائم الفساد السياسي، وتصنف الوظائف والمناصب السياسية والتنفيذية والنيابية التي تطالها تهم إفساد الحياة السياسية، وتقصر العضوية في هيئة محكمة الغدر علي القضاة دون غيرهم. مايزال المشوار طويلا أمامنا لإسقاط ما تبقي من هياكل النظام السابق ومعاقبة الفاسدين والقصاص من القتلة، ومايزال المشوار أطول علي طريق بناء نظام جديد ديمقراطي يحقق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، يحترم حقوق المواطن ويوفر له الكرامة والمعيشة اللائقة، ويستعيد مكانة لمصر شيدتها ثورة يوليو في المحيط العربي والأفريقي والدولي، وقوضت دعائمها السياسة الخارجية للنظام السابق.
علي أن ما عجزت ثورة يوليو عن تحقيقه حتي في ذروة مدها، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، يلوح بعد ثورة يناير هدفا في متناول اليد، ففي غضون أربعة اشهر من الآن سيولد أول برلمان مصري منتخب انتخابا حرا ديمقراطيا نزيها تحت إشراف قضائي كامل، خال من نواب السفاح والتزوير. وفي غضون ستة أشهر من الآن سيوضع دستور جديد نأمل ان يكون نتاج توافق أمة لا إرادة أغلبية، يليق بمصر وشعبها، ويرقي إلي مستوي تطلعات الثورة. ومع مطلع العام الجديد.. سيكون لمصر أول رئيس منتخب عبر انتخابات حرة شفافة تعددية.
لعلنا الآن أحوج ما نكون إلي الأخذ بأول شعار رفعته ثورة يوليو بعد قيامها وهو »الاتحاد والنظام والعمل«. نحن في اشد حاجة إلي الاتحاد لتحقيق أهداف ثورة يناير ولمواجهة القوي المضادة للثورة وإلي النظام لاستعادة الأمن للمواطن وإعادة الاستقرار للبلاد وإلي العمل لبناء وطن حر ديمقراطي ناهض. وعسي أن تكون ثورتنا الوليدة.. آخر الثورات المصرية!