في باطن الجبل، وعلي عمق سحيق من سطح الأرض، أمضيت وزملائي 6 ساعات داخل مركز عمليات قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسي القائد الأعلي للقوات المسلحة. سواعد رجال الهيئة الهندسية نحتت هذا المركز المحصن بكل مكوناته وطوابقه، في صخور الجبل الجرانيتية، علي مسافة 80 كيلو مترا من شاطئ القناة في قلب سيناء. المقر بكل المنشآت والتجهيزات المجاورة له علي سطح الأرض جري إنشاؤه وتجهيزه وانتقال القيادة والشعب والأفرع والتشكيلات التابعة لها خلال أقل من عامين. إنجاز هائل يفوق الخيال، والقلم يمسك عن الاسترسال في وصف المكان الذي يفخر به كل مصري وينبهر لو رآه، لاعتبارات الأمن القومي. • بعد رحلة بطائرة هليكوبتر »شينوك» مزدوجة المراوح أقلعت من قاعدة شرق القاهرة الجوية، واستغرقت 50 دقيقة، وصلت وزملائي من رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف وكبار الإعلاميين، إلي مقر قيادة قوات شرق القناة. قبل نحو شهر من العملية الاستراتيجية »سيناء- 2018» التي بدأت في السابعة فجر يوم الجمعة 9 فبراير الحالي، سألت الرئيس السيسي عن العملية المنتظرة التي كلف بها الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة لدحر الإرهاب في سيناء، وأدركت من كلام الرئيس أنها قريبة، ثم تطرق الحديث إلي مقر قيادة قوات شرق القناة، وقال الرئيس: قريبا سوف أصطحبكم معي (رجال الصحافة والإعلام) لزيارة هذا المقر. أنجز الرئيس وعده واصطحبنا معه أمس الأول، بعد مضي 15 يوما فقط علي انطلاق العملية »سيناء- 2018». أمام اللوحة التذكارية لافتتاح المقر الجديد، كنا ننتظر وصول سيارة الرئيس السيسي، وحولنا كبار قادة القوات المسلحة والمهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء ووزراء الداخلية والإسكان والتضامن الاجتماعي والصحة والتموين واللواء عباس كامل القائم بأعمال رئيس المخابرات. نزل الرئيس السيسي من سيارته مرتديا زيه العسكري. ثلاث مرات وازدادوا مرة، شاهدنا فيها الرئيس مرتديا هذا الزي، منذ خلعه بعد استقالته من القوات المسلحة قبل 4 أعوام للترشح لرئاسة الجمهورية. يعشق الرئيس البدلة العسكرية. ارتداها 45 عاما كاملة منذ التحق بالثانوية الجوية. وظل يرتديها طالبا بالكلية الحربية، ثم ضابطا برتبة الملازم وحتي رتبة المشير. ألمس حنين الرئيس إلي ردائه المفضل الذي تركه قائدا عاما، ثم عاد إليه قائدا أعلي. كان الرئيس في قمة حيويته، وانطلاقه، وأيضا مودته وهو يصافح مستقبليه. التففنا حوله نحادثه، ثم انطلقنا في استفساراتنا الصحفية، نسأل والرئيس يجيب، دون تردد، أو مواربة.. كما تعود معنا، وتعودنا منه. الاستقامة مع الصدق، مكون أساسي في شخصية السيسي زادته عمقا تربيته العسكرية. لذا يقول عن نفسه أنه ليس سياسيا، إذا كان المقصود بالسياسة هو ممارسة اللف والدوران، أو بالتعبير الدارج »الأونطة»! ما حدث في سيناء، كان السيسي يراه قادما قبيل ثورة 25 يناير 2011 بسنوات. وحينما وقعت موجة الهجمات الإرهابية المرتبة والمنظمة علي كل أقسام ونقاط الشرطة في شمال سيناء، قبيل نهاية يناير 2011، كان القرار هو دخول القوات المسلحة بكثافة لتأمين المنطقة. ويري الرئيس السيسي أنه لولا هذا القرار لكانت المشكلة الآن أعمق وأكبر بكثير. لا يعير السيسي انتباها لتخرصات وأباطيل ترددها أبواق إخوانية أو يحركها أعداء مصر عن تفريطها في جزء من أرضها في سيناء في إطار »صفقة قرن» أو غيرها. يراها كلاما لا يستحق الرد أصلا. لكنه يجيب عن أسئلة الصحفيين قائلا: لا أحد يستطيع أن ينتزع حبة رمل من مصر ما دام فيها هذا الشعب وهذا الجيش. ويقول الرئيس: إننا دفعنتا ثمنا غاليا من دماء أبنائنا في حربنا مع الإرهاب، ونقوم بكل هذه العملية الاستراتيجية الكبري، لتطهير أرضنا من دنس الإرهاب، حتي نتمكن من تنمية سيناء، ورصدنا 175 مليار جنيه حصلنا عليها كقروض من الصناديق العربية بالكويت والإمارات والسعودية، لكي ننجز مشروعات ضخمة لتنمية سيناء، أنهينا بعضها ونعمل في معظمها، وما زال مطلوبا مائة مليار جنيه أخري لتنفيذ خطة التنمية الكبري بسيناء والانتهاء منها خلال السنوات الأربع المقبلة، وسيكون علينا تدبيرها من الحكومة والقوات المسلحة وصندوق »تحيا مصر» والقطاع الخاص، ولابد من مشاركة الجميع لتحقيق هذا الهدف الحيوي.. وهو »أمن قومي حقيقي»، وكرر الرئيس هذه العبارة ثلاث مرات. بحسم يضيف الرئيس قائلا: نحن لا ندفع هذا الثمن من دماء أبنائنا ولا من أموال مصر من أجل أن نتخلي عن سيناء. ولا يوجد عاقل يفكر في أن مصر يمكن لها أن تفرط في سيناء. نحن لن ندع أحدا يطمع في أراضينا، وسلاحنا العمل والبناء وتعمير سيناء ورسالتي للمصريين التي أقولها دائما. طالما نحن علي قلب رجل واحد، لن يستطيع أحد أن ينال منا. واطمئنوا تماما.. فأمامكم رجال مستعدون أن يموتوا ولا تمس ذرة رمل من ترابنا. ويميل الفريق أول صدقي صبحي القائد العام علي أذن القائد الأعلي ضاربا المثل بوطنية جنود دفعة الرديف المقرر خروجهم في أول مارس المقبل. ويقول الرئيس لنا: نعم.. إن أبناءنا الجنود من المقاتلين في عملية سيناء رفضوا أن يقوموا بإجراءات الرديف المقرر أن تتم قبل شهر من الآن، وطلبوا الاستمرار حتي يواصلوا القتال. تنتقل أسئلتنا إلي موضوع الأزمات المختلفة حول الغاز في البحر المتوسط، وأطماع البعض في حقول الغاز المصرية. يرد الرئيس بقوة: »يعني إيه حد ياخد الغاز بتاع مصر؟!». ويضيف: مصر دولة كبيرة، ولو لم تكن كذلك، لكانت قد ابتلعت كغيرها. إن أي أحد يفكر في الاقتراب منا، يجري حساباته ليحسن تقديراته لقوتنا. ثم يطلب الرئيس من الفريق أحمد خالد قائد القوات البحرية أن يشرح لنا أعمال قواته لتأمين حقول مصر البحرية. ولعل ما قاله الفريق أحمد خالد، يفسر لمن لا يعرف لماذا حصلت مصر علي أحدث حاملات الهليكوبتر الميسترال وأحدث الفرقاطات. ونعلم من حديث الرئيس عن اقتراب افتتاح قاعدة بحرية جديدة في الساحل الشمالي الغربي، ونعلم منه فيما بعد عن قرب افتتاح قاعدة جوية كبري في جنوب سواحلنا علي البحر الأحمر في إطار خطة تأمين البلاد وحماية مقدراتها. داخل مركز العمليات في باطن الجبل الجرانيتي.. نرقب الرئيس وهو يجلس علي الطاولة الرئيسية، وبجواره المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء والفريق أول صدقي صبحي القائد العام والفريق محمد فريد رئيس الأركان واللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية وقادة الأفرع الرئيسية الفريق يونس المصري قائد القوات الجوية والفريق أحمد خالد قائد القوات البحرية والفريق علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي واللواء أحمد أمين رئيس هيئة الشئون المالية واللواء محمد مصري قائد قوات شرق القناة. اللواء محمد مصري هو القائد الثالث لهذه القيادة الجديدة التي استحدثت منذ أقل من ثلاث سنوات. سبقه الفريق أسامة عسكر واللواء محمد عبداللاه الأمين العام الحالي لوزارة الدفاع. يشبه اللواء مصري في ملامحه إلي حد بعيد الرئيس السادات، لكنه أقرب في نحافته إلي المشير الجمسي. المهمة الملقاة علي عاتقه في هذا القيادة الحيوية، جسيمة لكنه ومعاونوه ورجاله قادرون عليها بأكمل وجه. يقدم الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة التحية العسكرية للرئيس السيسي القائد الأعلي، مستأذنا في بدء تقديم تقريره المفصل عن العملية الاستراتيجية »سيناء- 2018». في يوم 29 نوفمبر الماضي، وقف الجنرال الكفء المخضرم محمد فريد يقدم التحية العسكرية للقائد الأعلي، وهو يكلفه بمهمة تطهير سيناء من الإرهاب وإعادة الاستقرار والأمن لها، وباستخدام القوة الغاشمة. ويوم أمس الأول.. قال الرئيس داخل مركز العمليات: في هذه المعركة إما أن نهزمهم أو أن نهزمهم. لا خيار إلا هذا ولن يحدث غير ذلك. سوف نزيلهم من علي وجه الأرض بكل عنف وقوة. من يسلم السلاح سيحاكم، أما من يرفع السلاح فلا يلومن إلا نفسه. ونحن لا نخاف إلا من الله وحده. في تقريره المفصل.. قال الفريق محمد فريد إن عملية سيناء بعد مضي 16 يوما عليها، حققت أعلي درجات النجاح والتقدم، في سيناء وعلي كل الاتجاهات الاستراتيجية، مؤكدا أن المقاتلين من رجال الجيش والشرطة في أعلي روح معنوية، وأن العملية لن تنتهي قبل أن نطهر بلادنا من الإرهاب، وقال إنها تتم دون أن تتوقف التنمية علي أرض سيناء. شرح الفريق محمد فريد أهداف العملية الاستراتيجية التي تتلخص في تطهير سيناء من العناصر والبؤر الإرهابية وفرض السيطرة الأمنية علي شمال ووسط سيناء وتأمينهما وتأكيد قدرة القوات المسلحة علي تنفيذ عملياتها في أكثر من اتجاه. وتناول الفريق محمدفريد المرحلة الأولي لهذه العملية منذ صدور التكليف والتي شملت اجراءات الاعداد والتجهيز لها واستكمال بناء خريطة المعلومات وتحديد المسئوليات علي الأرض وتنظيم التعاون بين القوات المسلحة والشرطة وغيرها من إجراءات عسكرية ومعلوماتية واجتماعية. ثم تناول المرحلة الثانية التي بدأت فجر يوم 9 فبراير وتضمنت تنفيذ عملية شاملة للقضاء علي العناصر الإرهابية وبسط السيطرة علي شمال ووسط سيناء، عن طريق تنفيذ قذف جوي مركز وقصف مدفعي علي البؤر الإرهابية ومحاصرة الأماكن في شمال ووسط سيناء وتمشيطها بمنتهي الدقة لكشف العناصر الإرهابية وأوكارها والقضاء عليها. واستعرض الفريق محمد فريد أبرز نتائج العملية خلال 16 يوما، وهي مقتل 82 تكفيريا منهم 16 كانوا يرتدون الأحزمة الناسفة وتفجير أكثر من 800 عبوة ناسفة وتدمير 300 من الأوكار والمخازن واكتشاف 472 نفقا وكهفا ومغارة لهم، وضبط 175 قطعة سلاح وتدمير 393 عربة منها 25 عربة مفخخة. هذا بجانب ما تم في الاتجاهين الغربي والجنوبي وما قامت به قوات الشرطة من جهود في ضبط المشتبه بهم وتدمير عربات يستخدمها الإرهابيون وتفجير العبوات الناسفة. عبر الڤيديو كونفرانس.. يستمع الرئيس إلي تقريرين من اللواء خالد مجاور قائد الجيش الثاني واللواء محمد رأفت الدش قائد الجيش الثالث عن أعمال قوات الجيشين في سيناء، ثم يستمع إلي تقارير من قادة المناطق العسكرية اللواء أيمن عامر قائد المنطقة المركزية واللواء شريف بشارة قائد المنطقة الغربية واللواء شريف سيف الدين قائد المنطقة الجنوبية واللواء علي عشماوي قائد المنطقة الشمالية، كما يستمع إلي تقارير موجزة من رؤساء أركان القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي. يدير الرئيس حوارات مع القادة، ويثني علي جهودهم ورجالهم. يعجبني أسلوب تحاور القائد الأعلي مع رجاله القادة. يسأل سؤالا مباشرا يريد إجابة قاطعة لا تحتمل اللبس، ويرد عليه القادة بإجابات واضحة محددة تحمل الالتزام مع إبداء الرأي التخصصي، ولا تحتمل التأويل. وكان من أهم ما سمعت في كلام قائد الجيش الثاني تأكيده الواثق في أن قدرات جيشه عالية للغاية، وأن رجاله جاهزون لتطهير سيناء خلال 3 ساعات فقط، لولا وجود أهلنا المدنيين أبناء سيناء. أيضا كان من أهم ما سمعته في كلام قائد الجيش الثالث، التزامه كقائد مسئول بالتنسيق الكامل مع أعمال الجيش الثاني لتمام نجاح العملية علي أكمل وجه. في الجزء الثاني من اللقاء.. استمع الرئيس إلي عرض من الدكتور علي مصيلحي وزير التموين عن الوفاء باحتياجات المواطنين في شمال سيناء من السلع التموينية واسطوانات البوتاجاز لمنع أي اختناقات، وإلي شرح من الدكتور أحمد عماد وزير الصحة عن الاستعدادات الطبية قبيل العملية وتشغيل مستشفي بئر العبد ومستشفي نخل قبل افتتاحهما والتعاقد مع 4 كليات طب لسد احتياجات المستشفيات من الاطباء الاساتذة في التخصصات النادرة وخطة الوزارة لتطوير مستشفيات شمال سيناء. كما عرضت د. غادة والي وزير التضامن ما يقدم لأبناء شمال سيناء وجهود الجمعيات الأهلية بها بالتعاون مع الوزارة. أما الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان فقد عرض لاستراتيجية تنمية سيناء والمشروعات التي تقام بها من مجمعات صناعية كبري ومدارس وجامعات ومستشفيات وبنية أساسية ومشروعات للاستصلاح الزراعي والمزارع السمكية، وكذلك مشروع معالجة بحر البقر الذي يتكلف 20 مليار جنيه، وإنشاء المدن الجديدة وأهمها مدينة شرق بورسعيد وكورنيش بطول 70 كيلومترا من هذه المدينة إلي مدينة بئر العبد. وشدد الرئيس علي ضرورة الانتهاء من مشروع تنمية سيناء عام 2022. اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية قال إنه يتم العمل في 290 مشروعا بسيناء تتكلف 175 مليار جنيه، تم إنجاز 134 مشروعا منها ويجري العمل في 156 مشروعا. وقال إنه سيتم انشاء نفق خامس جديد شمال السويس أسفل القناة، و10 طرق و 80 ألف وحدة سكنية، بجانب إنشاء مدينة الاسماعيلية الجديدة التي انتهت مرحلتها الاولي ويجري العمل في مرحلتها الثانية، ومدينة شرق بورسعيد ومدينة رفح الجديدة، والانتهاء من مطار البردويل، وتنفيذ وتطوير 53 مدرسة ومعهدا وجامعة والبدء في إنشاء جامعة الملك سلمان في 3 مدن بجنوبسيناء، وإنشاءالخطين الثالث والرابع بمصنع أسمنت العريش، وبدء العمل في مجمع الرخام بمنطقة جفجافة، إضافة إلي محطات تحلية مياه البحر وتطوير شبكات مياه الشرب والصرف ورفع كفاءة شبكات الكهرباء وتطوير مطاري العريش وشرم الشيخ. في ختام زيارة الساعات الست.. قال الرئيس السيسي إننا لن نسمح لأحد بأن يقترب من مصر ويدخلها من جديد في دوامة فوضي أو تخريب. وشدد علي أنه حرص علي أن يستمع الحضور إلي ما يجري علي أرض سيناء من مشروعات للتنمية، بجانب ما يجري في شمالها من أعمال قتال لتطهيرها من الإرهاب. وقال الرئيس : إن مصر بلد تنهض، وتعيد كتابة مجدها في عصرها الجديد. وأضاف: إن شاء الله سنغير وجه مصر للأفضل والأقوي والأكبر والأكثر قدرة علي الاستمرار. عدت من مركز باطن الجبل ومقر قيادة قوات شرق القناة عند سفح الجبل.. وكنت أتمني لو كان معي كل المصريين، أو لو استطاعت كاميرات التليفزيون وعدسات الكاميرات وأقلام الكتاب عرض وسرد ما جري إنجازه في الموقع، أو تفاصيل ما يجري من أعمال قتال بتعاون وثيق بين كل عناصر الأسلحة المشتركة.. لكننا في حالة حرب، وللحرب ضروراتها.